الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جريمة خمس نجوم

جريمة خمس نجوم
16 ديسمبر 2010 20:17
فور تخرجها وحصولها على بكالوريوس الصيدلة التحقت «مريم» بالعمل في صيدلية كبرى حسبما كانت تخطط لحياتها منذ أن التحقت بالجامعة، فقد اختارت هذه الدراسة لانها تحبها وتوافق ميولها ورغباتها، ولانها فرصة عمل مضمونة، في ظل ارتفاع معدل البطالة، وفي حساباتها فإن هذا العمل مؤقت إلى أن تتمكن من تدبير مبلغ وشراء صيدلية خاصة بها، تمتلكها وتعمل بها في نفس الوقت وتستطيع من خلالها تحقيق كل طموحاتها وهي لا تترك ذلك للصدفة، ولا للاماني، والخيالات، وأحلام اليقظة وإنما تأخذ بالأسباب وأولها بذل كل جهد، ورغم ملامحها الطفولية وهي في الرابعة والعشرين فإن الجدية بادية عليها وعلى كل تصرفاتها. وكعادتها مع الزبائن والمرضى الذين يترددون عليها لشراء الأدوية وصرف الوصفات الطبية لا تسمح للحديث بالخروج عن هذا الإطار وترد على الأسئلة بكلمات محدودة، وتجيب عن الاستفسارات باقتضاب، فلا يجد الباحثون عن الثرثرة والتطويل في الحوار بداً من الانسحاب، واليوم جاءها هذا الشاب المتأنق، يبدو انه في طريقه إلى سهرة أو حفل عرس، لا يحمل وصفة طبية، ولا يريد شراء أدوية، ولا يبحث عن تركيبة نادرة، حاول أن يستفسر منها عن أشياء لا علاقة لها بها، أو يوجه إليها أسئلة إجاباتها معروفة حتى للأطفال، ولا يجد منها إلا كلمة واحدة من حرفين أو ثلاثة نعم، أو لا ليس إلا، وقد أدركت أنه لا حاجة له في الصيدلية غير تعطيلها والكلام معها، فكانت حازمة حاسمة في وضع حد لذلك، واستطاعت أن توجه إليه عبارات حادة لدرجة أنه شعر بالغضب من جانبها، وربما تتطور الأمور إلى الأسوأ وتصل إلى ما لا يتوقعه. ساعات طوال مرت لم تنس «مريم» خلالها هذا الموقف، ومع أنها لا تتحدث مع أمها في شيء من ذلك، فإنها أخبرتها بما كان من هذا الشاب الذي افتعل معها حوارا مملا، وكيف صدته واوقفته عند حده، لكن الأم لم تجب ولم تستنكر وكأنها كانت على الحياد في الموقف، وما كان هذا كله إلا خدعة تم اكتشافها في اليوم التالي عندما صارحت الأم ابنتها بأن هذا الشاب ليس كما توقعت يريد أن يتسلى بها وإنما هو عريس يريد أن يخطبها، وما كانت زيارته تلك إلا للتعرف عليها بعدما رشحتها أمه لها، وأن أمه وأمها اتفقتا معه على أن يذهب إليها ويراها في عملها فإن اعجبته شكلا فعليه أن يتقدم رسميا ويطلب يدها وإن لم تعجبه، فلينسحب وكأن شيئا لم يكن ولا حرج لأي طرف، وما كان هذا اللقاء إلا اختبارا وعلى حد وصف العريس فانك نجحت فيه بدرجة ممتاز وقد كان الالتزام والجدية في التعامل معه كلمة السر التي جعلته يتخذ قراره بلا تردد، ويتأكد من حُسن أخلاقها، وقرر البدء في الخطوات الرسمية. أحمر وجه «مريم» خجلا وهي تسمع هذا من أمها، ازدادت ضربات قلبها، غير مصدقة إن هذا كان امتحانا، ومن ناحية أخرى لم تصدق أنها في طريقها للزواج، وأخذها حياء الأنثى وجعلها لا تستطيع النظر في وجه أمها التي واصلت الحديث عن العريس، انه مهندس شاب يكبرها بعامين هاجر منذ سنوات وحصل على الجنسية الأميركية ويعمل في أعالي البحار، حالته المادية ميسورة وينتظره مستقبل باهر، ولان إجازته هذه المرة قصيرة وعلى وشك الانتهاء فإنه يريد الجواب عاجلا، ولم تجد «مريم» سببا لرفضه، وأسرت لامها بالموافقة، كان اللقاء الأول في بيت العروس لإعلان الخطبة رسميا، قدم لها خاتم خطبة بشكل مؤقت وبعض الهدايا ووعدها قبل أن يغادر بشقة فاخرة على الكورنيش، ثم بعدها تصحبه إلى بلاد الفرنجة وسوف تحصل مثله على الجنسية الأميركية، ويجوبان العالم كله في رحلات مستمرة لن تكلفهما سنتا لان هذا من صميم عمله. خلال ستة أشهر عاد «رزق» مرة أخرى وقد حقق كل ما وعدها به وتم الزفاف وكان لهما مسكنهما المستقل، لكن العروس لم تستطع الإقامة فيه بمفردها في غيابه، فاتفقا على أن تقيم مع أمها في هذه الفترة، وتسبب الغياب والفراق في الشوق لكنه أيضا تسبب في ظهور المشاكل والخلافات، هي تريده بجانبها وهو يتحجج بظروف عمله، حتى أنها رفضت الهجرة إلى الغرب والحصول على الجنسية ولديها السبب المقنع، فهو لن يكون معها هناك أذن ستكون في الغربة وحدها، والأفضل أن تبقى هنا بجوار أسرتها طالما هو في كلتا الحالتين غائب، ورغم قصر الفترة التي جمعتهما تفاقمت هوة الخلاف واتسعت حتى وصلت سريعا إلى التلميح بالانفصال، خاصة عندما استشعرت انه يعيش حياته بالطول والعرض وانه في غنى عنها، ولن يتحقق لهما الاستقرار طالما هو في هذا العمل ويعيش بهذه الطريقة. تدخل المصلحون واستطاعوا إقناع الطرفين بالتضحية ورأب الصدع وقضى الزوج اجازته القصيرة وغادر عائداً لما كان عليه لتطل الخلافات بعد ذلك عليهما برأسها من جديد، ووصلت لأكثر مما وصلت إليه من قبل، وبلغت حد القطيعة بعد توقف الاتصالات من كل منهما، واتخذت «مريم» قرارها الذي لا رجعة فيه وصممت عليه، لا بديل عن الانفصال، وحتى عندما تدخل أهل الخير للمرة الثانية للإصلاح بينهما لم يجدوا عندها خيارات أخرى، مما جعل «رزق» يشعر بأن هذه إهانة له ولكرامته، فهو الذي يجب ان يتركها، انه لن يقبل ذلك منها، ومع هذا تودد إليها وقدم كل أنواع الاعتذارات والتنازلات التي جعلتها تشعر بالخجل وتوافق على العودة إليه خاصة بعدما قدم لها خاتم خطبة جديدا وقطعة مجوهرات قيمة مرصعة بالألماس وحجز غرفة في فندق خمس نجوم لمدة ثلاثة ايام ليستعيدا ذكريات زواجهما. في هذه الأيام التي هي شهر عسل جديد تأبطت «مريم» ذراعه وهي تطالبه بألا يعود لأفعاله مرة أخرى، وانقطعت أخبارهما حسب رغبتهما حتى صباح اليوم الثالث، عندما فوجئت «أم مريم» بشرطي يطلب منها الحضور إلى قسم الشرطة لأمر مهم، تحرك قلبها من مكانه وكاد يخرج من بين ضلوعها، وارتجفت خاصة انه اخبرها انه لا يدري ما سبب استدعائها فظلت حائرة إلى أن وصلت إلى هناك، ودارت برأسها كل الاحتمالات إلا هذا، فقد اخبروها انهم عثروا على ابنتها مقتولة في الفندق ودارت بها الدنيا، وسقطت على المقعد، لم تقو قدماها على حملها وانهارت من هول المفاجأة وظنت أن هناك خطأ في المعلومات، لكنها عندما وقعت عيناها على جثة ابنتها، تأكدت من الحقيقة، المشهد مرعب فرأسها محطم ولا تكاد معالم وجهها تظهر من الدماء التي غطته وسالت في غرفة الفندق على الأرض وتناثرت في كل أرجائها، يبدو الانتقام واضحا، اعتقدت خطأ أن الحادث قد يكون بسبب السرقة ولم يكن هذا أمرا مستبعدا فكل مجوهراتها غير موجودة، بادرت تسأل رجال المباحث عن زوج ابنتها وجاءتها الأجوبة التي لا تستطيع أن تصدقها. إن رجال الفندق اكتشفوا أن الزوجين لم يطلبا شيئا خلال اليومين اللذين قضياهما في الفندق ولم يخرجا ولم يتناولا طعاما فظنوا أن مكروها قد حدث لهما، وبالفعل كانت هذه الجريمة البشعة، ثم توصل رجال المباحث الى أن الزوج ترك رسالة بجوار جثة زوجته يعترف فيها بارتكابه الجريمة انتقاما منها لانها أفشت أسراره الزوجية، ووجهت إليه الإهانات عندما طلبت الطلاق، لذا فقد تخلص منها قبل أن تلحق به العار وخطط لجريمته وادعى أنه اصطحب زوجته لمصالحتها بينما استدرجها إلى الموت والخلاص منها، وانه غادر البلاد وهو الآن في بلده الثاني واستعلم رجال المباحث من المطار عن الزوج الهارب وجاءت المعلومات لتؤكد أن كل ما ذكره صحيح وانه بالفعل غادر البلاد منذ يومين، وعادت العروس من حفل زفافها المزعوم جثة إلى أمها وأصدرت النيابة أمرا إلى الانتربول أو البوليس الدولي ليتعقب «رزق» أينما كان ويلقي القبض عليه وهو الذي اعتاد اللجوء إلى الحيل والدهاء والمكر في حياته كلها حتى مع زوجته تعرف عليها بحيلة وتخلص منها بحيلة وهرب بحيلة ولا يدري أن البوليس سيوقعه في قبضته بحيلة أو بالقوة ليقدم رقبته إلى المشنقة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©