الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الظلم ظلمات يوم القيامة

الظلم ظلمات يوم القيامة
16 ديسمبر 2010 20:18
لقد حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرمًا، فقال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) (أخرجه مسلم)، كما جعل الظلم قرين الشرك بالله كما قال سيدنا لقمان لولده: {يَا بُنَيَّ لاً تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}(سورة لقمان الآية 13)، ومن المعلوم أن الظلم يحدث الاضطراب بين الأفراد والجماعات وينشر الرعب والفساد، ويحيل الحياة إلى جحيم لا يطاق، في ظله ينمو النفاق، وفي كفنه يكثر الشقاق وتشتد الخصومات، ويضعف الدين في القلوب وتُسلب الحقوق وتُهدر الحرية وتداس الكرامة، وصدق رسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم - في قوله: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) (أخرجه مسلم)، فما انتشر الظلم في قرية إلا دمرها ولا في أمة إلا أهلكها ولا في عائلة إلا أفناها، ولا اتصف به شخص إلا كان من الهالكين، كما قال- صلى الله عليه وسلم-: (إن الله ليُملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته. (أخرجه الشيخان). إن الطغيان والظلم يرجع تاريخهما إلى عهد بعيد في الزمن الغابر، حين اعتدى أحد بني آدم على أخيه وسفك دمه ظلمًا وعدوانًا، واندفاعًا نحو تحقيق الأطماع والمصالح الذاتية، فكان قدوة سيئة للعدوان والطغيان، وباء بالخسران وبالخزي والندامة على فعلته البشعة. وقد قصّ الله تعالى في القرآن الكريم خبر هذا الظلم والعدوان بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ *لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ *فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ *فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ) (سورة المائدة الآيات 27-31). إن دعوة المظلوم تُفتح لها أبواب السماء ويقول الله سبحانه وتعالى للمظلوم وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين، وهذه قصة رواها الإمام البخاري استجاب الله فيها لدعوة مظلوم فحطم ظالمه (كان أهل الكوفة يكثرون الشكوى إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- من حكامهم ومن يُولي عليهم، فاختار لهم صحابياً جليلاً هو سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه-، فلما اجتمع أهل الكوفة بعمر- رضي الله عنه- في موسم الحج شكوا إليه سعداً وقالوا: إنه لا يحسن الصلاة بالناس فأرسل إليه عمر فلما جاء سعد قال له عمر: إن أهل الكوفة يزعمون أنك لا تحسن تصلي بالناس فقال سعد: أما إني والله أصلي بهم صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من غير زيادة أو نقصان، فقال له عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وكان عمر شديداً في الحق لا تأخذه فيه لومة لائم، ومع علمه بكذب أهل الكوفة وافترائهم على سعد، أرسل وفداً من الصحابة مع سعد إلى الكوفة يسألون الناس هناك عن سيرة سعد فيهم، فلما قدموا الكوفة ومعهم سعد أخذوا يسألون الناس عن سعد، فيقول الناس فيه خيراً، ولم يتركوا مجتمعاً ولا نادياً ولا مسجداً إلا ويسألون الناس عن سعد والناس تقول فيه خيراً، وآخر المطاف صلوا العصر في مسجد لبني عبس وبعد الصلاة سألوا الناس عن سعد فأثنوا عليه خيراً، غير رجل واحد وقف وقال: إنكم تناشدوننا الله أن نقول في سعد ما نعرفه، أما وقد أردتم ذلك فاسمعوا: إن سعدًا لا يَسير بالسرية ولا يعدل في القضية ولا يقسم بالسوية، فقال سعد لأدعون بثلاث، اللهم إن كان عبدُك هذا كاذباً قام رياءً وسمعة، فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن . قال راوي الحديث فأنا رأيت الرجل الذي دعا عليه سعد وقد تقوَّس ظهره من الكبر وكُفَّ بصره ويمد يده يسأل الناس، وإذا مرت به فتاة أو امرأة غمزها بمعنى بصبص لها فكان الناس يقولون له: يا شيخ وأنت في مثل هذا الحال أما تتقى الله، فيقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد وهذا مصداق قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب يرفعها الله فوق السحاب ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» (أخرجه مسلم). كما روي في الصحيح أن سعيد بن زيد- رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة، خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان بن الحكم وادعت أنه أخذ شيئاً من أرضها، فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ماذا سمعت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إلى سبع أرضين». فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت )(أخرجه البخاري ومسلم). إن هؤلاء الظالمين قد أخذوا جزاءهم في الدنيا على ما اقترفوه من ظلم وكذب على الآخرين، فالله يمهل ولا يهمل كما قال الشاعر: لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم ترجع عقباه إلى الندم تنام عيناك والمظلوم منتبـــــه يدعو عليك وعين الله لم تنـــم ومن أنواع الظلم ظلم الإنسان لنفسه بارتكاب المعاصي والموبقات، وكذلك ظلم الإنسان لأولاده بتفضيل بعضهم على بعض، فيترك في نفوسهم الحقد والغل على بعضهم البعض، وظلم الزميل لزميله بالدس له والوقيعة فيه، وظلم الشريك لشريكه بخيانته، وظلم الزوج بترك العدل بين زوجاته، وكذلك بحرمان البنات من ميراثه ومنحه للذكور من أولاده، وفاعل هذا يعترض على الله فيما قسم، ولسان حاله يقول: إنه أعلم بالمصلحة من رب العالمين. لقد كانت البشرية قبل بزوغ فجر الإسلام تعرف الظلم والعدوان أكثر مما تعرف الحق، وتحترم القوة أكثر مما تحترم الحرمة، والإنسانية في ظلمات بعضها فوق بعض، يفتك القوى بالضعيف، ويأكل القادر حقوق العاجز، ومع ذلك عرف العرب في جاهليتهم حلف الفضول (السيرة النبوية لابن هشام جـ1 ص133)، (أن ينصروا المظلوم ويقفوا معه حتى يأخذ حقه من الظالم، وذلك الحلف الذي قال فيه الرسول- صلى الله عليه وسلم- لو دعيت إليه في الإسلام لأجبته) (أخرجه مسلم). وجاءت رسالة الإسلام، رسالة العدل والمساواة، حيث أشرقت الأرض بنور ربها، وارتفعت كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) (أخرجه مسلم). إن فضيلة العدل من الصفات الكريمة التي دعا إليها الإسلام، حيث إن ديننا الإسلامي قد دعا إلى التزام فضيلة العدل في شتى الأقوال والأفعال والسلوك، فالعدل من صفات الله عز وجل ، وهو وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام. ونحن هنا نتساءل: أما آن لهذا العالم أن يحكم بالعدل، وأن يفرق بين الجاني والضحية؟! أما آن لهذا العالم أن يترك لغة المصالح، ليحتكم إلى لغة المبادئ؟! أما آن للشعب الفلسطيني أن يتنفس نسائم الحرية كباقي شعوب الأرض؟! نسأل الله أن يسود العدل في جميع أرجاء الكون ليعيش الناس جميعاً حياة آمنة مطمئنة. بقلم الشيخ الدكتور/يوسف جمعة سلامة خطيــب المسـجد الأقصــى المبـــارك
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©