الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

راناجيت جوها الإماراتي

19 ديسمبر 2006 01:25
د·علي بن تميم يقول الشاعر أحمد راشد ثاني: أحلم بلصوص يطلون من بين المائدة على الشيء يرونه من مختلفه لا يعني هذا الحلم شيئا بالنسبة للكثيرين، لكن القارئ الذي يتوقف عند شعر أحمد راشد ثاني في سياقه العام لابد أن يتساءل، ويأخذ هذا الحلم على سبيل الجد، ترى هل تؤخذ الأحلام على سبيل الجد؟ لماذا يحلم الراوي بلصوص لا بقراء، ولماذا يستخدم لفظ '' الشيء'' بدل ''النص''؟ إن مهمة قارئ أحمد راشد ثاني هي مواجهة السؤال الآتي: من هو المُمُثِّل ومن هو المقصي؟ وقد يقود هذا السؤال إلى إجلاء المتخفي في عالمه الشعري، فيظهر الفارق بين الحقيقة والخيال، ومن ثم يتم تشييد سرد مضاد لسردنة التاريخ الوطني· لا أغامر إذا قلت إن العالم الشعري لثاني هو محاولة لتقويض التشيؤ، وهو مصطلح غني في دراسات ما بعد الكولونيالية، ويدل على تحول الهامش في خطاب المركز إلى دال بدون مدلول، يعامل بوصفه شيئا لا أكثر، ويتم تداوله بوصفه لعبة لغوية في الخطابات المهيمنة التي تدعي بأنها تحاول أن تتكلم بدلا عنه، لكنها تقوم بإقصائه، ويظل متشظيا في الخطابات بوصفه بقعا عمياء Blind Sَُُِّّ تقاوم سجلات التأريخ الوطني والاستعماري كما ترى جياتري اسبيفاك، أو بتعبير آخر تظل أصواتا غير مغنّاة في التاريخ، ولذلك يحلم الراوي بلص يعيد النظر في الشيء من منظور مختلف، ويردّ المدلول إلى الدال أو الذات إلى الموضوع/ الشيء، ولذلك فهو لص لأنه يسعى إلى أن يغير المعنى المتحيز إلى دلالة مفتوحة، ويمارس قراءته بصورة شاذة عن النمطي والمتداول· هل التشيؤ نفسه يجعله يقول: تبا لك، قافية تتلهاك، ألا تتلهى؟ أيوجّه الراوي الكلام لنفسه أم للقارئ؟ إنه احتجاج على عدم القدرة في التجسد خارج اللغة، لأن اللغة المهيمنة تقصيه، ليتشظى في ترسبات دلالية، ولذلك يطلب من القارئ أن يغادر اللهو مع القافية، من أجل البحث عن الذات الواقعة خارج التاريخ· وتظهر في مجمل العالم الشعري لأحمد راشد ثاني حالتان: الحالة الأولى ما يمكن أن أسميه ''الميتا شعر''، يتحول فيها الشاعر إلى موضوع في شعره، فتعكس تحركاته، وعادة ما تكون هذه الحالة محفزا لاستدعاء الذات: üومرة كنت بين الواو والماء، أفتح كوة في القول، أزرع نبضا üهكذا أنا لست إلا مترادفاتي، قطارا من الأبجدية، يقطع الصفحة إلى قعر دمي· وتظهر الحالة الثانية في الحديث عن الذات المتجلية خارج اللغة، فهنا تحدث المفارقة، فينعزل عن ذاته، وبتعبيره يعدو خلف رأسه، ويشعر بأنه لن يستطيع الوصول إلى ذاته المستحيلة، لأنها واقعة في الغياب، فهو لا مبرر له، ورائحة الأحذية العفنة تذكره دائما بمصيره في ظل السرد المتشيئ: طز في كل شيء إلا أنت أيها السيد الحجر وهكذا يصبح الشاعر في الحالة الأولى مركزا متخيلا في شعره، ويتحول الخارج إلى هامش متخيل أيضا، وفي الحالة الثانية يصبح الشاعر هامشا مقصيا بواسطة المركز، ومواجها بصور الحبسة والأورفيوسية العويصة المتعذر اجتنابها، إننا بحاجة عند قراءة هذا النوع من الشعر إلى نقد يتابع العقم الذي يصيب اللغة، وينصت إلى الصوت غير المسموع بسبب القمع والظلم والتجاهل· وتمزج الحالة الأولى الشعرية بالسيرة الذاتية، يقول: هاقد عدت إليك أيها الصغير يا أحمد راشد ثاني سنة 1970 أي فتى أنت وتبرز السيرة بصورة مجسدة في الميتاشعر من أجل العودة إلى التاريخ غير المكتوب وصياغته من جديد· أما الحالة الثانية، حالة مغادرة اللغة إلى الخارج، فهي تظهر البلاغة المثبّتة في المدونات التاريخية الوطنية لذات الشاعر التابع، هو يعيد المثبّت ''النفط مثلا'' في سياق بارودي، لتبزغ لحظة التحدي في ترسب الدلالات التي تقاوم الأشكال المشيئة للتفكير، ويقول: - أضخ الهوى، والهوى اغتياز وقلبي صار بقعة زيت أيا نفطتي كم أحبك - ارفعوا البرميل عني· على قرّاء أحمد راشد ثاني أن يحاولوا قراءته بوصفه واحدا يحمل فكر الأقليات ومعاناتها، وأعتقد أن المفاهيم النقدية في دراسات السود والعالم الثالث ومابعد الكولونيالية ودراسات الجنوسة قد تساعد في فهم عالمه الشعري· وهو أول من أسس لدراسات التابع في دولة الإمارات، محاولا رصد التاريخ الشفاهي والبحث عن التاريخ الوطني لا في وثائق المستعمرين والنخبويين الوطنيين، وإنما في حكايات الجدات وفي رحلات المتصوفة، ويبدو أن فهمه هذا لم يحدد خياراته التأريخية فحسب، وإنما حدد خياراته الشعرية، ليذكرني بالمؤرخ راناجيت جوها الهندي في نثره المتمرد المضاد للسرد الاستعماري· (النصوص الواردة في النص من مجموعاته الشعرية: جلوس الصباح ودم الشمعة وحافة الغرف)· ten.harekahtla@ofni
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©