الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

اسمي أحمر لأورهان باموك·· قراءة في تمثيلات الذات والآخر (2-2)

19 ديسمبر 2006 01:26
توقفت في المقالة السابقة عند البناء الروائي في رواية ''اسمي أحمر'' لباموك· أما الأمر الآخر الذي أتناوله اليوم فهو تمثيلات ''الذات والآخر'' المتمثلة في الإفرنج والعثمانيين في الرواية· والإفرنج يحضرون في الرواية بوصفهم رحالة ورسامين· ومعظم هذه التمثيلات سلبية، ولنأخذ الرحالة مثلا إذ لا يرسم معظمهم إلا البشاعة في ديار الإسلام، حيث يقول الأفندي الشيخ لأحد الرسامين '' لماذا ترسم هذه البشاعة بينما لدينا في هذا البلد الجميل هذه الجماليات كلها؟ '' ص·455 ويقول الأستاذ عثمان وهويقلب كتابا، في خزينة السلطان السرية، عن أدوات التعذيب منتقدا عمل النقاشين في هذا الكتاب '' يقدم النقاشون عديمو الشرف على عمله باستعجال مقابل بضع ذهبيات من أجل الرحالة الكفار، الذين يقدمون التعذيب لإثبات مدى غدرنا'' ص ·463 ولاهدف لهؤلاء الرحالة سوى الاستهزاء برسومات العثمانيين ( انظر 383)· و يبرز التفاعل الإيجابي مع الرسامين الإيطاليين في موقف زوج الخالة الذي رحل إلى البندقية وتعلم أصول الرسم، وشاهد كثيرا من اللوحات التي تصور أشخاصا عاديين، فتعلم منهم رسم الوجوه البشرية، وأهمية التفرد في الرسم والبعد عن التقليد، مع مراعاة الأبعاد الثلاثة في الرسم· لكنه كان يخشى أن يقتل، لأنه حاول التجديد في الرسم مستفيدا من الإيطاليين ( انظر 162)، لكن المفارقة أن سبب قتله هو التنافس بين النقاشين! لكن هذا لا يعني رفض التفاعل والاستفادة من الفن الإفرنجي ولاسيما الإيطالي فهناك من دعا إلى الاستفادة من الفن الإفرنجي دون تقليده مثل قول زيتون: '' إقدام النقاش على تقليد الأساتذة الإفرنج دون الحصول على مهاراتهم يجعله أكثر عبودية '' ص ·585 وتتضح مسألة تمزق الهوية في محاولة الأستاذ عثمان رسم شجرة بالأسلوب الإفرنجي ''ولكن الناتج هو رسم مكدر لم يستطع أن يكون إفرنجيا أو عجميا '' ص·368 هذه النتيجة التي يصل إليها الأستاذ عثمان هي قمة الصراع الذي يصل إليه المقلد، فيفقد ذاته لتصبح في مكان عتبي، فهو ليس ذاته، وليس الآخر، إنه مزيج منهما لكنه لايشبه أي واحد منهما، وهذا المكان العتبي هو ما يسميه الناقد هومي بابا بالفضاء الثالث· وباموك إذ يصور هذه اللحظة فقد ذكر جوانب الاختلاف في نمط الحياة إجمالا وفي النقش خاصة، مبينا الفرق بين العثمانيين والإفرنج، وهذا يتيح للذات إدراك الفروقات التي بينها وبين الآخر· ولن يقتصر هذا على العثمانيين فحسب، وإنما سيبتسم الأساتذة الإيطاليون لهذا الرسم الذي لايشبه رسم العثمانيين ولارسم الإيطاليين، لأن هذا الرسم سيجعل الدوق البندقي يقول: ''إن العثمانيين بدؤوا يشبهوننا لأن نقاشيهم بدؤوا يرون رؤانا'' ص ·390 وتظهر ثنائية الذات والآخر في صورة أشمل من فن الرسم، وهي ثنائية حول الشرق والغرب حين يدور الحوار بين النقاشين الثلاثة عن العلاقة بين الشرق والغرب؛ لينقسموا فلقلق يقول''الشرق لله والغرب لله'' ويرد عليه قرة بأن '' الشرق شرق، والغرب غرب'' ثم يختم فراشة بقوله: ''على النقاش أن لا يتباهى، وبدل أن يشتكي من الغرب والشرق عليه أن ينقش بالطريقة التي يمليها عليه داخله فقط'' ص·587 إن أورهان باموك يركز هنا على فترة مهمة من حياة تركيا في علاقتها بالغرب، إذ تدخل في صدام بين تمسكها بماضيها العريق وواقع تخلفها، لتقع فريسة لمشكلات التأثر بالآخر بين خوف على هويتها وبين رغبة في اللحاق بركب التطور، وبالرغم من ذلك فهي تحاول أن تتكيف وتستفيد من الآخر لكن بأقل الخسائر· وباموك مهتم جدا بموضوع الهوية في رواياته، وهو بارع في وصف تمزقات الهوية وما يصاحبها من صراعات عدة، لكن ما يميز فعلا هو إدراكه لطبيعة العلاقة المتداخلة بين الذات والآخر وكيف يتفاعلان معا· ومن هذه الفكرة فإن أدب باموك يدخل فيما بعد الحداثة، التي تشير إلى ازدواج الهوية، وتهجينها فهي ليست نقية بل مزيجا من الذات والآخر· üاستاذة في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية قسم اللغة العربية بجامعة الإمارات·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©