الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بيت الشيخ سعيد آل مكتوم أيقونة معمارية حية في دبي

بيت الشيخ سعيد آل مكتوم أيقونة معمارية حية في دبي
22 سبتمبر 2011 21:44
ينتصب بيت الشيخ سعيد آل مكتوم في منطقة الشندغة شامخاً أمام خور دبي تحفة معمارية فريدة، تتحدى الزمن، حيث يحمل نكهة أصيلة في المنظر العمراني الممتد لمدينة دبي القديمة والحديثة، فهذا البيت الواسع يسحر العيون والعقول بجدرانه وأبوابه وشبابيكه وأقواسه وأبراجه كنموذج معماري غني بتفاصيله ومفرادته المدهشة. يمثل بيت الشيخ سعيد، وفق ما يؤكده عبدالله المطيري، المشرف على إدارة البيت المتحف، معماراً تقليدياً شكل ذروة الحداثة المعمارية في منطقة الخليج العربي في زمنه الذي وجد فيه حوالي عام 1896. (دبي) - قال المطيري إن بيت الشيخ سعيد تحفة حضرية وآية في الفن الهندسي التقليدي في زمن البداوة من جهة، وبدائية المساكن الخليجية في القرن التاسع عشر من جهة أخرى. العمارة العربية ويقول المطيري، إن مساكن تلك الفترة كانت متواضعة وتابعة لضرورات الطقس والمناخ صيفاً وشتاء، حيث كانت “العرشان” شائعة آنذاك في مدينة دبي في مناطق عيال ناصر وفريج المرر القديم والبراحة، إضافة إلى انتشارها في مدينة أبوظبي حتى فترة الخمسينيات من القرن العشرين قبل ظهور البترول، وأبرز أنواع هذه “العرشان”، العريش المزود ببارجيل متواضع، على العكس من البراجيل الضخمة والفخمة في المساكن الحضرية للمدن الكبيرة، كما هي الحال مع بيت الشيخ سعيد الذي كان نموذجاً واضحاً لرقي العمارة التقليدية في دولة الإمارات ودول الخليج كافة، حين كان تخطيط المنازل متشابهاً تقريباً تبعاً لتشابه الظروف الطبيعية والجغرافية والتشابه الحضاري والاجتماعي، والاشتراك في الدين الواحد والعادات والتقاليد، وهو الأمر الذي انعكس على ثقافة وروح المعمار. ويعتبر بيت الشيخ سعيدة وفق المطيري، أيضاً نموذجاً للعمارة العربية في القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى كونه نموذجاً لفنون العمارة والتصميم الإسلامي، فسقوفه مرفوعة على أعمدة عالية لتشكل مساحة للتأمل وفضاءً مريحاً للعين، كما أن أبوابه منقوشة ومزخرفة متينة، ومحاطة بالأقواس وشبابيكه المزخرفة مصممة، بحيث تسمح لسكان البيت أو الزوار بمشاهدة منظر واسع وعريض، دون أن يستطيع المارة في الخارج رؤية الداخل، ويتألف البيت من طابقين يحتوي الطابق الأرضي مجلساً واسعاً، مع غرف كبيرة للمعيشة ومستودعات ومطابخ تتوسطه لتكون مفتوحة على الفناء الداخلي، وقد تمت حمايتها من رياح الصحراء الساخنة بإنشاء جدران عالية، بينما يحتوي الطابق العلوي العديد من غرف النوم والشرفات المطلة على خور دبي والتي توفر منظراً بانورامياً شاملاً للمدينة فيرى الناظر عبرها مشهداً بديعاً لخور دبي عند نقطة انسيابه من الخليج العربي متوغلاً داخل دبي حوالي عشرة كيلومترات ليفصلها إلى قسمين هما ديرة وبر دبي. ويضيف “كما تم تزويد البيت بأربعة براجيل للتهوية، وهي أول وسيلة لتلطيف جو البيت في فصل الصيف، وتعد البراجيل اليوم محط إعجاب مختلف المهندسين العالميين الذين يرون فيها تفرداً خاصاً ينطلق من فرادة الثقافة المعمارية للمهندسين والمعماريين القدماء الذين كيّفوا مبانيهم الضخمة مع الطبيعة المناخية القاسية لمنطقة الخليج، فتصالحوا معها وتحايلوا عليها فأبدعوا بدلاً من الهرب منها”. قلعة حصينة عرفت دولة الإمارات الحياة الحضرية منذ حقب بعيدة، فقد ساعد ازدهار العلاقات التجارية منذ القدم مع الهند وأفريقيا وإيران على نمو المدن، ولوحظ أن المنزل الحضري التقليدي يتمثل في منازل دبي التي تعد واحدة من أقدم مراكز التجارة الحضرية في الخليج، ويمكن أن يجد المرء أمثلة لهذا المسكن التقليدي في حي البستكية الغني بمنازله التقليدية التي تتميز بخصائص جاءت كاستجابة مباشرة للعوامل المناخية في بعضها، واستجابة للوظائف المختلفة التي يضطلع بها المسكن التقليدي في بعضها الآخر، ناهيك عن اتفاق المسكن التقليدي مع الخصائص المعمارية الإسلامية في الإمارات وغيرها من بلدان العالم الإسلامي ويأتي بيت الشيخ سعيد كواحد من أروع هذه المساكن حيث يقف شاهداً على تطور مدينة دبي. ويقول المطيري “شهد بيت الشيخ سعيد نقلتين كبيرتين في تاريخه، الأولى، عندما تم تعديله وتحويله من شكله الأصلي المبني على طراز القلاع والحصون إلى شكله الحالي في الفترة من (1910 - 1912)، حيث أدخلت عليه البراجيل، والنقلة الثانية حدثت عندما بدأت أعمال صيانته وترميمه عام 1986 فحصد بذلك على جائزة منظمة المدن العربية للحفاظ على المباني التراثية، ومنذ اكتمال أعمال صيانة هذا البيت الفريد، أصبح قبلة للمصورين والرسامين الراغبين في العثور على الأنماط التقليدية المميزة في الإمارات”. صور نادرة من زمن اللؤلؤ ويوضح أن هذا البيت يعد واحداً من أبرز الإنجازات المتحفية في الإمارات بأجنحته المتعددة التي تضم صور دبي القديمة والحياة البحرية ومعروضات القطع النقدية والطوابع والمستندات التاريخية وأنماط الحياة الاجتماعية في دبي عبر قرنين من الزمان، فجناح آل مكتوم يضم مجموعة نادرة من الصور القديمة التي تم التقاطها ما بين (1948 / 1953) قبل اكتشاف النفط، حيث تقود هذه الصور زوار البيت في رحلة تاريخية تبين مراحل تطور دبي بقيادة الراحل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، فيجد الزائر تصاوير لقلعة (الفهيدي) التي أنشئت عام 1787 لحماية المدينة ضد الغزو بالإضافة إلى صور لمدرسة الأحمدية التي كانت أول مدرسة نظامية في دبي، وصوراً أخرى لمستشفى المكتوم التي أصبحت أول مستشفى حديثة للعلاج، إضافة إلى مجموعة من صور سفن الصيد في الخور وصور للبراجيل. يقول المطيري “كانت علاقة دبي بالبحر علاقة وثيقة، ولهذا يضمّ البيت أيضا مجموعة نادرة من الصور والمجسمات والأدوات التي كانت مستخدمة في الصيد والغوص على اللؤلؤ، من بينها موازين من أنواع مختلفة، بالإضافة إلى مجموعة من السفن التي كانت تستخدم في الغوص وصيد الأسماك كالسنبوك والجالبوت والصمعا وغيرها من القوارب الصغيرة الخاصة بالمصائد قرب الشواطئ مثل البقارة والهواري، وموازين تستعمل لوزن اللالئ، حيث كانت دبي تعد مركزاً من المراكز العالمية لهذه التجارة”. ويضيف أن الزائر يستطيع أن يلقي نظرة عن كثب على الفنون التقليدية والرقصات التي تعبّر عن نمط الحياة الاجتماعية في الخمسينات، كما يتلمس حياة الترحال من خلال مجموعة صور تتجلى فيها الممارسة اليومية لحياة البدو، ما بين حفر الآبار في الصحراء ونقل التمور على ظهور الجمال، ونقل الأخشاب إلى السوق، بالإضافة إلى مشاهد سباق الهجن والصيد بالصقور، كما تتوافر فيه مجموعة من القطع النقدية والطوابع النادرة ويعود تاريخ بعض النقود النادرة إلى عام 1791، بالإضافة إلى أول طابع بريدي تم استخدامه في دبي، كما تتوفر مجموعة من العملات الورقية التي صدرت في عهد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مع مجموعة من الرسائل والاتفاقيات والمراسيم والخرائط ومسودات تبيّن تاريخ دبي الحديثة. متحف وطني توثيقي تم تحويل البيت من شكله الأصلي المبني على طراز القلاع والحصون إلى شكله الحالي في الفترة من (1910 - 1912)، حيث أدخلت عليه البراجيل، وتم صيانة وترميم بيت الشيخ سعيد بين 1986 – 1996م، وتم تحويله إلى متحف وطني توثيقي ليعرض مراحل التطور الحضاري لإمارة دبي، فحاز بذلك جائزة منظمة المدن العربية للحفاظ على التراث العمراني، وقد استقطب البيت منذ افتتاحه عشرات آلاف الزوار سنوياً، ومن بين هذه الشخصيات الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر وزوجته، وديكلارك رئيس جنوب أفريقيا الأسبق، والشيخ صباح سالم الصباح أمير الكويت السابق، والدكتور أسامة الباز، وإدارة البيت إدارة نشيطة ومنظمة ومتفاعلة بشكل كبير مع جمهور الزائرين ولن يعدم الزائر وقوف مدير بيت الشيخ سعيد الأستاذ عبدالله بن جاسم المطيري، إلى جانبه، مقدماً له شروحات وافية تفوح منها لغة عطرة وغنية بالمعلومات الموسوعية في تاريخ وتراث وأشياء إنسان هذه الأرض الطيبة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©