الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التفكر ميزة الإنسان ومن أجله فضله الله على المخلوقات

التفكر ميزة الإنسان ومن أجله فضله الله على المخلوقات
22 سبتمبر 2011 21:46
من المؤكد أن التفكر أيا كان لونه في لبه وحقيقته فريضة إنسانية قبل أن يكون فريضة دينية، وآية ذلك أنه ميزة الإنسان وخاصته التي من أجلها كرمه الله وفضله على كثير مما خلق تفضيلا. وعلى هذا فلا ينتفع به أو يستفيد منه إلا الإنسان من حيث هو إنسان أيا كان جنسه أو لونه. وهذا يذكرني بأنماط من التأملات تساعد في حل المشكلات لدى أمم غير مسلمة بيد أنها استفادت بمنحة الله لها فأبدعت في دنيا المعارف من كل صنف بهيج، فيذكر أن رواد الفضاء في الولايات المتحدة عندما صعدوا فوق سطح القمر في ستينيات القرن الماضي واجهتهم مشكلة تدوين ما يشاهدون من ملاحظات ومعلومات، فمع انعدام الجاذبية لا تكتب الأقلام، فأجرت وكالة الفضاء الأميركية أبحاثاً كلفتها ملايين الدولارات حتى أنتجت قلما يمكنه أن يكتب على الزجاج، وعندما واجهت تلك المشكلة رواد الفضاء السوفييت تغلبت روسيا عليها بأن كتب رواد الفضاء ملاحظتهم بأقلام من رصاص فتغلبوا بنوع من التأمل البسيط على هذه المشكلة التي كلفت غيرهم أموالاً طائلة. الإبداع والفكر وأذكر كذلك أن شركة لإنتاج الصابون في اليابان تضررت سمعتها بسبب وجود حاويات فارغة مرت على خط الإنتاج دون أن تحوى المنتج، فاستخدمت نوعا من أجهزة الأشعة المسلطة على خطوط الإنتاج والتي تصدر صوتا عند مرور الحاويات الفارغة عليها، ثم خصصت عددا من العمال لإزالة هذه الحاويات، في الوقت ذاته واجهت تلك المشكلة شركة أخرى فاستخدمت مراوح قوية مسلطة على خطوط الإنتاج تتطاير لضغط هوائها الى هذه الحاويات الفارغة. يقودني هذا إلى تأكيد أن الإبداع والفكر والتأمل خاصية للإنسان من حيث هو إنسان بيد أنني أؤكد في الوقت ذاته أن المسلم هو أولى الناس بأداء هذه الفريضة ولا غرابة فدينه هو دين التفكر والإبداع الذي يحث على تنمية المهارات وتطوير الملكات حتى وجدنا عمر ابن الخطاب يقول في وصيته الجامعة “لا تقفوا بأبنائكم عند علومكم، فإنهم قد خلقوا لزمان غير زمانكم”. والمسلم لدى تفكره يمكنه أن يمارس هذا التفكر من خلال أمرين أولهما كون الله المنشور، وثانيهما “كتاب الله المسطور” القرآن الكريم أما الكون المنشور فيحوى دلائل التأمل في الأنفس والآفاق، حيث جعلهما الحق سبحانه مجالا للعظة والاعتبار فقال سبحانه (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فصلت 53. فظهر بذلك في كل شيء في الوجود آية تدل على أنه سبحانه هو الواحد وكما قيل “سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك، فإذا لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً”، ألم يتفكر الإنسان في السماء مع امتدادها كيف كانت سقفا محفوظاً رفع بلا عمد؟ صنع الله ويكفي ليدرك الإنسان بديع صنع ربه وخالقه أن يتأمل في وجهه فسيرى فيه فتحات أربع (الفم، والعين، والأنف، والأذن) تشترك في ما بينها في الدم والعروق، ولكن قدرة الحق سبحانه وتعالى شاءت أن يكون ماء الفم حلواً ولو كان غير ذلك ما تلذذ الإنسان بطعام أو شراب، وأن يكون ماء العين مالحاً ليغسلها من الأدران والأوساخ، وشاء أن يكون ماء الأنف حامضاً ليتناسب مع تنقية ما يستنشقه الإنسان من هواء، وشاء سبحانه أن يكون سائل الأذن مراً ليحمى الإنسان مما يؤذيه من الحشرات والهوام (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) لقمان 11. أما كتاب الله المسطور “القرآن الكريم”، فإن ذاتية المنهج القرآني تدعو إلى إعمال العقل والتدبر فيه، ألم يقل الحق سبحانه (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) القمر 17. ألم يأتنا في نبأ الأولين أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتلون آيات الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار، وكانوا لا يجاوزون الآية حتى يأتوها فهماً وعملاً وتطبيقا؟ من أجل ذلك نسمع كثيراً عن مسابقات لحفظ كتاب الله – وحق أن يحتفى بكتاب الله في كل زمان ومكان – بيد أننا نريد أن نساوي بين حفظ كتاب الله وفهم آياته علنا بذلك أن نسهم في حل مشكلات الواقع ومعضلات الحياة في ضوء نهج رباني حكيم (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت 42. وأضع بين يدى القارئ الكريم أمثلة ونماذج تعين على فهم ذلك منها: 1- قول الله سبحانه (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ ) يوسف 16 . هذه الآية الكريمة بعض الناس يقف على أعتابها فلا يجد فيها غير متعة قصصية تثير النفس وتحرك الوجدان، بيد أنها تمثل درساً واعياً لكل إداري وقاض ناجح فلربما يختصم إليه اثنان، ولعل أحدهما ألحن بحجته فيغلفها بزفرات النفس وقطرات الدموع فتذكره هذه الآية الكريمة أن البكاء ليس دليلاً على صدق صاحبه. 2 - كذلك نجد قول الحق سبحانه (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) طه 42. تأتى هذه الآية لتحمل رسالة لكل مسلم أن يحترم عقول الآخرين ويقدرها حق قدرها فيضع بين أيديهم الأقوال مشفوعة بأدلتها وبراهينها، مغلفة بقناعات عقلية تستثير النفس والجسد لنصرتها ومؤازرتها. لقد كان من الممكن أن يقول الله سبحانه لكليمه موسى (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ) وما كان لموسى أن يعصى لخالقه وباريه أمرا، ولكنه برر له الأمر بالذهاب فقال (إِنَّهُ طَغَى ) احتراماً لعقله، وتحفيزاً له في مهمته. 3- كذلك نجد قول الحق سبحانه (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى) القيامة 36 - 39. تأتى هذه الآيات لتحد عند التدبر فيها من الغلو الفكري لدى بعض المجتمعات، إذ تجد أناساً غيب الجهل عقولهم فأقاموا معارك وهمية مع زوجاتهم، وكثيراً ما شتتوا أسرهم ظناً منهم أن المرأة هي السبب في أن يرزق الرجل بذرية من البنات ، فيأتي قول الله سبحانه (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى) ليصحح هذا المعتقد ويرشد كل مسلم أن الذكورة والأنوثة في الأولاد والذرية مردها إلى ماء الرجل، وهو ما أيده العلم الحديث بعلومه ومكتشفاته، ولك أن تعجب من امرأة مسلمة عانت من هذه المشكلة في الزمن الغابر إذ رزقها الله بخمسة من البنات فظن زوجها أن هذه مشكلة تقف زوجته وراءها فهجرها وتزوج بجارة لها رزق منها بغلام أسماه حمزة فما كان من أم بناته إلا أن حاجته بمنطق القرآن ومفهومه. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©