الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تجارب إماراتية تدمج التشخيص بالتجريد

تجارب إماراتية تدمج التشخيص بالتجريد
16 ديسمبر 2010 23:45
كشفت الأعمال التي قدمها مصورون إماراتيون في الدورة الثالثة عشرة من مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية التي تستمر حتى نهاية الشهر الجاري، عن أنماط فنية وحروفية زاوجت بين حداثة المعالجة وأصالة الفكرة، وخرجت معظم هذه الأعمال من معطف المعارض الجماعية المستقلة للمهرجان الذي حمل في دورته الحالية عنوان “نقش ورقش”. وطغت على المعارض الجماعية للمصورين المحليين المنضوين في جمعية الإمارات للتصوير الضوئي عناوين معبرة مثل “ابتسم للحياة” و”نقش من ضوء”، وغيرها من العناوين المسددة باتجاه المزج بين الصورة والإيحاء، أو بين المظهر والجوهر، ففي المعرض الأول استطاعت الأعمال المقدمة ترجمة الخطوط الجمالية التي يختزنها الوجه الإنساني، من أجل النفاذ إلى قيعان الروح التي تتهادى فيها الانفعالات وتتأجج وتبوح للآخر أو للغريب بالنوايا والأحاسيس التي تعتمل لدى الجانب الآخر. ويقدم الفنان أحمد سلامة مثلا صورة بالأبيض والأسود للوجه وهو يختزن ضوء المحبة، من خلال التركيز على انعكاس النور القادم من العينين، وكأن العين هنا تبعث برسائل مطمئنة للشخص المقابل، وتجود في ذات الوقت بالعاطفة التي لا تبذل كثير جهد كي تقول إن الوجه هو عنوان الروح، وإن الملامح تكتب لغتها اللامرئية في المسافة الفاصلة بين جسدين، وبين روحين، تجمعهما الابتسامة رغم غياب التواصل اللغوي المألوف والمتعارف عليه. أما الفنانة أسماء الشيراوي فتقدم في عملها وجها طفوليا خالصا، بحيث تتماهى الخلفية والتفاصيل المحيطة، وتذوب وتختفي في وضوح الوجه وبراءته أيضا، إن ابتسامة الطفلة في هذه الصورة تبدو وكأنها ابتسامة متواصلة ومستمرة منذ زمن غابر وبعيد، وكان للون الأصفر الأقرب للرمادي دور في طغيان الزمن وهيمنته على ثيمة العمل ومطلبه، فما يبوح به الوجه هنا لا يبدو معطى سريا بقدر ما هو بوح علني بأصوات وذاكرات الطفولة السارحة والمقيمة فينا. وفي عمل الفنانة أسماء درويش يبرز الحياد اللوني المحيط بوجه الطفل الباسم، بحيث تقدم الألوان الداكنة مساحة مضاعفة للوجه المشرق بأريحيته، كما أنها توفر كتلة صافية لا يمكن أن يخالجها أي لبس أو تشويش، ورغم أن الابتسامة هنا مواربة وخجولة إلا أنها ومن خلال التعبير المكتنز لعيني الطفل، تبدو وكأنها ابتسامة شفافة وطيّعة، تكتب حروف القلب المحب دون تكلّف أو قصد. في المعرض الثاني بعنوان “نقش من ضوء” ركزت الأعمال على توثيق النقوش الإسلامية من خلال الدمج بين التشخيص والتجريد، حيث إن الكاميرا الفوتوغرافية تقوم هنا بفعل مخاتل يتمثل في الانزياح والمناورة عند رصدها للخطوط والتفاصيل التي تبوح بها الكتابات الدينية والطرز المعمارية القديمة، فالكاميرا هنا تعيد إحياء التواصل مع هذه الأنماط الفنية الأصيلة والعريقة، ولكنها لا تتنازل أيضا عن استقلاليتها في تقديم وجهة نظر فنية خاصة، تعلي من الحس الحديث والمعاصر لمفهوم الفن ولبعده الجمالي المتأقلم مع الأشكال المتحركة والتفاعلية في فضاء العين الباحثة عما هو جديد ومختلف. وعمدت معظم أعمال المعرض إلى التركيز على التفاصيل الغنية للخط العربي والعمارة الإسلامية والتي تتجلى في الآيات والسور القرآنية المنقوشة على الحوائط الداخلية للمساجد، وكذلك النقوش التي تزين الجدران والأبواب والنوافذ والأعمدة والقباب والمآذن. ففي عمل للفنان سعيد عبدالله بن جمعوه تكتسي القبة الداخلية لأحد المساجد قيمة روحية مضاعفة من خلال الآيات القرآنية المكتوبة بماء الذهب، والتي تحمل خطوطها وتزييناتها انبهارا داخليا مشعا طورته يد الخطاط، لتكون الكتابة في آخر الأمر هي صوت الإيمان وصداه في ذات الوقت. في عمل الفنانة رجاء الطنيجي يبرز الاهتمام بالقيمة العرفانية للضوء المنهمر إلى داخل المسجد من خلال غلالة شفافة من النقوش الزجاجية الغالب عليها اللون الأليف للغروب وللحظة الشروق، وهي الألوان واللحظات التي ترتبط زمنيا وروحانيا بتجليات العبادة وذروتها. ويشرح عمل الفنانة سمية المرزوقي ما لا يمكن شرحه قولا وشفاهة لأن الكاميرا هنا ومن خلال إبداعات وابتكارات الفنان، تقدم لغتها الخاصة والحميمية التي يتحاور فيها الظل مع الضوء في جدل جمالي لا ينتهي، حيث تتعلّى هنا صورة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على طول الجدران الداخلية للمسجد، بينما يهبط شلال من الورع والخشية وبلطف بالغ على هذه الجدران الزاهية، ليصب كل ذلك في بصر وبصيرة المتلقي، وليكون الصمت الذهبي هنا هو منتهى الجمال وغايته القصوى.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©