الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أميركا اللاتينية تستيقظ مع غروب الشمس

20 ديسمبر 2006 01:41
الاتحاد - خاص: مثل كل أهل اليسار في أميركا اللاتينية، يؤكد الرئيس الاكوادوري المنتخب ''رافاييل كوريا'' أنه لا يحارب طواحين الهواء، له قضيته· هو الرقم 9 في سلسلة الرؤساء اليساريين في القارة، ولكن دون أن يكون هناك مَنْ يشبه ''دو بوليفار'' و''زاباتا'' و''غيفارا''· ومع ذلك يُقال: إنّ أميركا اللاتينية قد تتحوّل إلى كوكب آخر، الكوكب الأحمر ينطبق على المريخ فقط· الاقتصاد الحرّ لم يعد يسمح بعبور الحلم، كما لو أن ''بابلو نيرودا'' كان يرثينا حين كتب عن ''أنين القمر''· الأطرف أن يوصف اليسار هناك بأنه عجوز ويرقص فوق الصفيح·· وفي هذا الشأن يلقي هذا التحقيق الضوء على مسار التغيير في أميركا اللاتينية: يسار عجوز ''كما لو أنك تستيقظ عند غروب الشمس''، يقول كاتب البيرو الشهير ماريو فارغاس للوزا: ''الأنهار شاخت، وكذلك القصائد''، إذاً لقد استفاقت أميركا اللاتينية في وقت متأخر جداً· اليساريون، والمعترضون يزحفون مجدداً، لكن شيئاً ما تلاشى أوتضاءل: الحلم·· تلك المجتمعات قد تصرخ، وتلوح بالأعلام، وتسير في التظاهرات، لكنها لم تتذوّق نكهة الحلم قط، الخبز هنا هو الخبز، والحرية هي الحرية·· لا أحد يشبه ''دو بوليفار''، أو ''زاباتا'' أو ''غيفارا''· يتحدث أحد كتّاب ''يو·إس·توداي'' عن ''ذاك اليسار العجوز الذي يرقص فوق الصفيح''، مجرد رقصة وتنتهي·· هكذا تم انتخاب ''رافايل كوريا'' رئيساً للاكوادور، البلد الذي أخذ اسمه من بعثة كانت تقوم بتحديد درجة ظل الهاجرة من خط الاستواء· الاكوادور عندنا، في العربية، هو الاكواتور في الغرب· بلد لا يُحكم، هذا هو المعروف عنه، فمنذ عشر سنوات لم يتمكن أي رئيس منتخب من إنهاء ولايته، الرئيس الجديد واثق من أنه سيبقى ''لأن أنينكم تحت ثيابي''، ولأن ''قضيتكم هي قضيتي''·· إنه دكتور في الاقتصاد، وكاثوليكي ملتزم يغمض عينيه ليتأمل خلال القداس: ''أصلي من أجل عذاب أقل لأهل بلدي''، يبدو أنه لم يعد يكتفي بالقدّاس، فلا بد من اختراق ما يسمّى بـ''حائط الذباب'' في أميركا اللاتينية· وعود انتخابية ·· يسخر منه أهل اليمين: ''إذا أخذنا بتصريحاته فلا شك أننا سنرى الفيلة وهي تطير''، ليس صحيحاً أنه يقفز كثيراً فوق الواقع·· كان عميداً لكلية الاقتصاد في جامعة العاصمة ''كيتو''، وهو يعرف ما الأمراض التي تعاني منها بلاده، ولذلك يجزم بأنه سيطوّر الشروط المعيشية للناس من خلال إعادة التفاوض حول الديون الخارجية، وكذلك إعادة النظر في العقود النفطية في بلد يصنّف خامساً بين الدول النفطية في أميركا اللاتينية· بعدما حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ايلينوي في الولايات المتحدة، مرّ في باريس ليقول لصحيفة ''ليبراسيون'': ''أميركا الشمالية لا تمثل النموذج بالنسبة ليّ لأني أقرأ نصوص الإنجيل بدقة، لكنني سأعمل لأثبت أنّ الجنوب لا يزال يستطيع أن يصرخ''، صرخ·· فانتخب ''رفايل كوريا'' الذي ينتمي إلى الفكر البوليفاري والذي تربطه علاقة وثيقة بالرئيس الفنزويلي ''هوغو شافيز''، رئيساً للاكوادور متغلباً على المليونير ''ألفارو نوبوا''، كان لا بد أن يفوز منذ أن حقق نجاحاً واضحاً في وزارة الاقتصاد التي شغلها، ولكن لم يكن هو صاحب القرار، ومع ذلك كان يتجوّل على الأقدام، في الأزقة البائسة بحثاً عن حل، ولذلك شارك في منتدى يعنى في إنتاج البدائل، ويضم اقتصاديين، وجامعيين، ورؤساء مؤسسات· وهذا المنتدى باشر عمله منذ أن قررت الحكومة في عام 2000 ''دولرة'' الاقتصاد· الصحافة التي وصفته بـ''المتسلل'' أخطأت، حسب قوله، ''لأنني غصت في كل المشكلات منذ سنوات، ورحت أبحث عن طريق يفضي إلى الأفق لا إلى المجهول''· طرد المهانة بالمكنسة منتقدوه يقولون: إنه ''شعبوي'' جداً، وقد تأخذه الإثارة بعيداً عن الاحتياجات الفعلية للناس· يستغرب، ويقول: ''هل يفترض أن أقبع في البرج العالي؟''، ولكن ليلاحظ أنه إذا ما تحدث شخص ما في الولايات المتحدة عن العدالة الاجتماعية اعتُبر ديموقراطياً، أما إذا فعل ذلك شخص من أميركا الجنوبية، للتو سيوصف بالشعبوية''، أي أولئك الذين يحاربون طواحين الهواء· يرفض ''كوريا'' أن يوصف بـ''دونكيشوت''، أو أنه شديد التأثر بـ''مكيافيلي''، أو أنه ''شيطان شيوعي''، كما قال فيه منافسه المهزوم على الكرسي الرئاسي ألفارو نوبوا، امبراطور الموز الذي ردّد خصومه بسخرية أنه ملك الموز تزحلق على قشرة الموز، يعمل على تأكيد نفسه كقائد يريد ''أن يطرد المهانة بالمكنسة''، فثمة فقر مدقع في بلاده، في مقابل طبقة ثرية تبدو وكأنها تعيش على كوكب آخر· أفراد هذه الطبقة دفعوا الكثير كي يفوز مرشحهم ''نوبوا''· ولكن حينما يكون هناك أكثر من 10 ملايين معوز من أصل السكان البالغ عددهم نحو 13,2 مليون نسمة، تفقد تلك الطبقة بريقها، هو الذي سأل أولئك الأثرياء ما إذا كانوا مسيحيين حقاً، باعتبار أن السيد المسيح جاع بل وسار على طريق الجلجلة من أجل الناس· صديقه ماركو ايرازر يقول: ''لأنه شديد الإيمان بالله، فهو لا يستطيع أن يتصوّر مرأى الفقراء في بلاده، في الاكوادور في البيرو، ترتدي الهياكل العظمية ملابس ممزقة''· كثيرون يموتون جوعى، و''كوريا'' يذكر أنّ أحد الموتى طلب أن يُدفن رغيف خبز إلى جانبه ''لكي تعرف الملائكة أنني أذهب إلى السماء جائعاً''· هناك مَنْ يحبّكم منذ البداية كان مؤمناً بقضية الفقراء، ''كوريا'' أبّ عائلة كاثوليكية تعيش في بحبوحة، وقد تابع دراسته في مدرسة رهبانية، وعمل في مشاريع تنموية لصالح السكان الأصليين على ارتفاع 400 متر في جبال الانديز، حياة خشنة وقاسية، لكنه كان يضحك ويقول: ''المهم أنّ هؤلاء الناس شعروا بأن هناك مَنْ يحبّهم''· لكن خصومه يقولون: إنه رجل قابل للانتفاخ، تغيّر كثيراً عندما تسلم حقيبة الاقتصاد لأربعة أشهر، وعندما يتسلم سلطاته الدستورية في 15 كانون الثاني / يناير المقبل، لا بد أن ينتفخ أكثر ويتحوّل إلى ديكتاتور· يقرأ هذا في بعض الصحف، يغضب ثم لا يلبث أن يبتسم: ''هل أنا غني، وكاذب، إلى ذلك الحد؟''· هوذا اليساري التاسع في أميركا اللاتينية بعد فيدل كاسترو (كوبا) والذي يستعد شقيقه راؤول لخلافته، ولوي ايناسيو دا سيلفا أو لولو (البرازيل)، ونستور كيرشمر (الأرجنتين)، وتاباريه فازكيز (اورجواي) وهوغو شافيز (فنزويلا) وايفو موراليس (بوليفيا)، وميشيل باشليه (البرازيل) ودانييل اورتيغا (نيكاراجوا)· بطن الديناصور الرئيس الاكوادوري المنتخب يلوّح بالحرب ضد الشركات المتعددة الجنسيات، وهو يتحدث عن ''بطن الديناصور الذي ينتفخ مجدداً''· ما العمل؟ ردّه ''أن باستطاعتنا الإجهاز على الديناصور ولو بالدبابيس''، لذلك واجه بشدة توقيع البيرو وكولومبيا على اتفاقيتين للتبادل التجاري الحرّ مع الولايات المتحدة، وهو ما يعني طعنة في الظهر للمجموعة الاندينية للام (كان)، وبالتالي إعطاء دفع جديد لواشنطن من أجل إحكام سيطرتها على أميركا اللاتينية· ''كوريا'' تتجه للالتحاق بمجموعة ''ميركوسور'' التي تحدّ من القبضة الأميركية، وقد قررت فنزويلا والأرجنتين والبرازيل والبارغواي والاورغواي الانضمام إلى تلك المجموعة· هل حقاً أن أميركا اللاتينية تتجه لتصبح كوكباً آخر؟· لا، ليس كوكباً أحمر بالتأكيد، فهذا لون المريخ فقط، ولكن هناك ظاهرة لافتة في اتجاه التغيير، هذا يخيف أميركيين كثيرين، ومن بينهم صمويل هانتنغتون الذي وضع دراسة حول الخطر اللاتيني على الولايات المتحدة التي قد تصبح ذات يوم دولة هجينة، هل تتحوّل أميركا اللاتينية إلى همّ إضافي، واستراتيجي على مستوى عال من الحساسية، ملقى على عاتق الإدارة الأميركية ؟· الصراخ البرتقالي في كتاب تناول دور وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، يتحدث المؤلف عن رغبة هذا الأخير (التي تُرجِمَت إلى خطط) في أن يرى أميركا اللاتينية ''مستودعاً للجنرالات الذين يعرفون ما تريده أميركا''، فعل الكثير في هذا الاتجاه، وظهر جنرالات وكولونيلات كثيرون بشعارات فضفاضة، قبل أن يتضح أنهم مجرد ''ملابس منفوخة''· إنّ المشهد يتغيّر في ذلك الجزء الكئيب، والغاضب، والشاعري من القارة ''بابلو نيرودا'' تحدث عن ''أنين القمر''، ولكن إلى أين؟ اقتصاد السوق هو ''النجم الساطع'' في هذا القرن· قد تكون أميركا اللاتينية بحاحة إلى لحظات رومانسية أما اللحظات الثورية فقد أضحت أثراً بعد عين· شافيز يتحدث عن العولمة البديلة، ولولو يقول بـ''الاقتصاد البريء''، لكن القول شيء والفعل شيء آخر· مع ذلك ''الصراخ البرتقالي'' في أميركا اللاتينية يثير شيئاً ما في الذاكرة· هل حدث شيء من هذا القبيل من قبل؟ أجل، ثم··· انطفأ!· ''أورينت برس''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©