الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العقل الغربي: دروس الصعود!

17 ديسمبر 2010 22:24
تجلت ديناميكية العقل الغربي (الأوروبي - الأميركي) في ملاحظة أن العالم في تحرك وتغير دائمين، وبالتالي لابد له من رصد هذا الواقع المتغير، برؤية ومنظور جديدين، فجاء السعي للتوفيق بين العلوم العقلية والعلوم النقلية، أي إيلاء الاهتمام للأولى، وغربلة الثانية، أي عرضها للنقد، لتجاوز ما يمكن تجاوزه، والبناء على ما يمكن الاستفادة منه. وقد دشن الغرب في العصر الحديث ثورته على الواقع في البدء بتحطيم سطوة ثنائي الإقطاع والكنيسة، وبالتالي الفصل بين الدين والدولة. وقد توجه الغرب إلى رصد الطبيعة والمجتمع والإنسان الفرد، بعد الاستفادة من تركة واسعة من الثقافة ورثها عن الإغريق والرومان. كما عمل على تحقيق التقدم المطرد، في حقول التنمية البشرية والاقتصادية والثقافية، والنهل من العلوم الحديثة، فجاء الحث على انتشار حركة العلمانية، وبهذا تم اختفاء كثير من القيم طواها الزمن مع استهلال العصر الحديث، لتنفتح الطريق أمام إرساء قيم جديدة، فتمت مواجهة بعض القديم بنزع إهاب القداسة عنه، والتشديد والتأكيد على قيمة الإنسان، ومحوريته في الحياة، ووجوب تحريره من طلاسم الماضي، وسلطة رجال الكنيسة، وإتاحة حرية التدين له، بعيداً عن التعصب، والانقياد الأعمى، وما يسببه ذلك بالتالي من شلل فكري. ومنذ القرن السادس عشر أي في بداية العصر الحديث، تبنى الغرب العقل والعلم، فبهما يمكن تخطي الحاضر المثقل بأغلال الماضي، ومواكبة ركب التقدم الحضاري، فإذا ما اعترض إشكال ما، أو معضلة اجتماعية أو اقتصادية، فسرعان ما تلتئم مؤسسات الغرب بمختلف مناهلها الفكرية والسياسية، للكشف عنها، والخروج بمعالجة مناسبة. كما أعار الغرب أهمية كبيرة للأفكار، فرأى فيها قوة حافزة تهيئ الفرد والجماعة لمواجهة الواقع، وإيجاد حلول لمشكلاته، فلا يمكن فصل الفكر عن الواقع، ولا قراءة الواقع دون خلفية فكرية، فالفكر والواقع متلازمان. في هذا المسار وتساوقاً مع الفكر الغربي، ظهرت حركة فكرية في الغرب عرفت بالحركة العقلانية، وهي بمثابة مجموعة من الأفكار، تعين الإنسان لفهم واقع الحياة، وحقيقة الكائنات. كما أولى الغرب أيضاً اهتماماً كبيراً للعلوم الطبيعية، فأنشأ أكاديميات لهذه الغاية، كما أوجد جمعيات علمية للغرض نفسه، وعزا بعضهم هذا التقدم الهائل إلى العامل الاقتصادي، ولكن كل هذا كان مرتبطاً بالعلم، فالعلوم الطبيعية تأتي انعكاساً للبيئة الاجتماعية، وقد أدرك الغرب حقيقة العلاقة بين العلوم الطبيعية، وبين درجة تطور الفرد وحريته، فوجد أن توفر الحرية للأفراد والمؤسسات، يعني مزيداً من التقدم العلمي، ومن هنا جاء التركيز على الحرية. وفي خضم هذا الصراع ظهرت الليبرالية كمذهب جديد، ومن أهم سماتها الدعوة إلى حرية المعتقدات بين من يؤمن ومن لا يؤمن، وأثرت عنها عبارة شاع انتشارها تقول: "كل حرٌّ في دينه" أي الليبرالية في الدين، وعنت الحرية في ممارسة المعتقدات الدينية، وأيضاً الحرية بين الإيمان والإلحاد. وبمضي الزمن وازدياد عدد المتعلمين، وتحقق كثير من التقدم، تنبه الغرب لرسالة الإنسان في هذا الكون، وكيف أنها تقود حتماً إلى الوفرة والسعادة، وزوال كثير من الرذائل والآثام، حيث طغت نظرة أخلاقية متسامحة، وكان الهادي في كل هذا هو العقل، وعلى العموم فقد حقق الغرب ما عمل من أجله، من تقدم في مختلف الميادين، فضلاً عن الوفرة، والسعادة، والحرية. أما في العالم العربي فكلما فكرنا في نقل شعوبنا إلى مصاف الأمم المتقدمة، تذكرنا الماضي، وذرفنا الدموع لزوال تلك الأمجاد، فلم نزل نعيش في الماضي، الماضي الذي لن يعود، وهذا تعبير عن عجزنا. أما أن نفكر في المستقبل والأخذ بأسباب التقدم، فهذا مثار اختلاف بيننا، فمن جانب لا نولي العلم الأهمية اللازمة، ولا نفك القيود عن حريات الناس، ولسنا بصدد تغيير مقاربتنا للعلم. إن الإبداع لا يأتي في ظل الجوع والكبت وغياب الحرية. والمهاجرون من سكان العالم العربي الذين يعيشون في الغرب ربما يقدرون ذلك ويفهمونه أكثر من غيرهم. دهام حسن - كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©