الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معرضان للكتاب.. وفي كلٍّ عينٌ تقرأ

معرضان للكتاب.. وفي كلٍّ عينٌ تقرأ
18 سبتمبر 2013 21:31
مع نهاية سبتمبر، يتراجع عادة زحف الحرّ الشديد تاركاً لتباشير البرودة أن تبدأ في دغدغة القلوب التواقة إلى الشتاء.. في هذه الأجواء المفتوحة على توقع المطر، تقفل مدينة العين شهر سبتمبر لتستقبل نسمات أكتوبر التي تعد بجو أقل حرارة وأكثر ميلاً إلى البرودة، ومعه تستقبل “نسمات قرائية” يشيعها في الأجواء معرض “العين تقرأ” للكتاب.. المعرض الذي نذر نفسه ليكون للقراءة، وليفتح شهية أهل العين وما جاورها على المعرفة. في 29 سبتمبر من كل عام يصحو العيناويون على مظهر أو تقليد سنوي اعتادوا عليه، وصار بالنسبة إليهم موعداً دائماً مع الكتاب، ففي صباح هذا اليوم تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض “العين تقرأ” للكتاب، الذي تنظمه دار الكتب الوطنية التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، في مركز المؤتمرات في مدينة العين، وتستمر حتى الخامس من أكتوبر المقبل. ومع الفرح والمرح اللذين يحضران في الأنشطة والفعاليات والبرامج التي تقام على هامش المعرض الذي يبلغ في عامه هذا الخامسة من العمر، يعيش أهل المدينة سبعة أيام جميلة. في الأخضر وحده لا تتشارك العينان؛ العين التي في الرأس ترى وتبصر والعين المدينة المشرعة على الخضرة والحدائق، بل تتشاركان في الوعي والمعرفة التي ستفتح حدائقها المعرفية لاحتضان 50 دار نشر وجهة ومؤسسة إماراتية تعرض 50 ألف عنوان في مجالات المعرفة كافة، مصحوبة ببرنامج ثقافي محلي مئة في المئة، أريد له أن يكون نافذة على الثقافة المحلية وما يجري فيها.. ورافداً يقارب الكتاب ونشره وحضوره في سياق محلي، مضيفاً الرتوش الأخيرة على المشهد الذي يصنعه معرض أبوظبي الدولي للكتاب وهو يقارب الكتاب في سياقاته العالمية. بمعرضين وسياقين إذن تقارب أبوظبي الكتاب؛ واحد للداخل والثاني للداخل وللخارج، وفي كلٍّ خير، للكتاب والقارئ والثقافة، وفي كلٍّ... عيٌن تقرأ”. نمو واتساع مع ذلك، ما إن تنفتح سيرة معارض الكتب حتى يتساءل المرء عن حجم المقروئية في العالم العربي، وواقعها الذي لا يسرّ سوى الأعداء، وعن المشكلات الكثيرة، المتشابكة، والشائكة التي يواجهها الكتاب العربي، فالرقابات لا تزال مفتوحة العيون على آخرها لرصد الكتاب فيما الفضائيات تبث ما هبَّ ودبّ بلا حسيب ولا رقيب. ومما يحسب للإمارات أنها تجاوزت منذ فترة بعيدة، مسألة الرقابة على الكتاب أو الحجر عليه، وصار هذا نهجاً لها في معارض الكتب. هذا النهج الذي كرسه ورسخه معرض أبوظبي الدولي للكتاب منذ كان يقام في المجمع الثقافي.. وتالياً لم نسمع أو نشاهد منعاً للكتاب بسبب الفكر الذي يحمله، والكتب التي تمنع هي الكتب المزورة وتلك التي تخالف شروط الملكية الفكرية واتفاقاتها وقوانينها. لكن ماذا بخصوص الإمارات؟ ماذا تقول لنا الأرقام والإحصائيات الخاصة بمعرض “العين تقرأ” على سبيل المثال؟ يبدو أن الحال الإماراتية مختلفة، على الأقل بالنسبة للقائمين على المعرض، إذ تؤكد الأرقام والإحصائيات الصادرة عن دار الكتب الوطنية التابعة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، التي تنظم معرض “العين تقرأ” للكتاب أن المعرض في حالة نموّ تتقدم من عام إلى آخر وأن الإقبال عليه يتزايد ومساحته تتسع، يقول جمعة القبيسي، المدير التنفيذي لقطاع المكتبة الوطنية في الهيئة ومدير معرض “العين تقرأ”: “لقد تمكن المعرض خلال السنوات الخمس الماضية من جذب الناشرين المحليين إلى مدينة العين التي تعد واحدة من المدن التي تشهد تطوراً نوعياً في الاهتمام بالثقافة وصناعة الكتاب، خاصة أنها مدينة تتواجد فيها كبرى الجامعات الوطنية. فقد ازدادت مساحة المعرض أربعة أضعاف مقارنة بالسنوات الماضية، ففي سنة 2009 أقيم المعرض في البوادي مول، بمشاركة 18 عارضاً، وفي سنة 2010 أقيم المعرض في نفس المكان غير أنه شهد توسعة إضافية وذلك لمشاركة 25 عارضاً، أما في عام 2011 فقد أقيم المعرض في العين مول، بمساحة عرض أكبر تتسع لمشاركة 30 عارضاً، وفي العام الماضي أقيم المعرض في مركز العين للمؤتمرات، وضم 43 عارضاً. وفي هذا العام يقام المعرض في مركز العين للمؤتمرات أيضا لكن مع توسعة إضافية تستوعب أكثر من 50 دار نشر يتوقع مشاركتها”. وفي النموّ أيضاً، تؤكد الأرقام أن الدورة السابقة للمعرض 2012 حظيت باهتمام كبير من قبل أهالي مدينة العين حيث بلغ عدد الزوار ما يقارب الـ 23 ألف زائر، كما كان نقطة جذب لوسائل الإعلام المحلية وطلبة المدارس والجامعات الوطنية. ثمة نموّ أيضاً على صعيد الاهتمام بالكتاب الورقي، ويلاحظ جمعة القبيسي أن “الاهتمام بالكتاب المطبوع آخذ في التنامي، ويظهر هذا في حجم مبيعات الكتب في المعارض، وتزايد نسبة الإقبال على زيارة المعارض والمشاركة في حضور الفعاليات والمحاضرات التي تعقد على هامش كل معرض، والتي تنعكس بصورة أو أخرى بشكل إيجابي على المجتمع المحلي”. القراءة أولاً في العمق، يرفع معرض “العين تقرأ” شعار: القراءة أولاً، وإذ يركز المعرض على القراءة والمطالعة يعمل في الوقت نفسه على بناء علاقة مباشرة بين القارئ والكتاب. وهو يسعى إلى تحقيق غايته تلك عبر تنظيم جملة من البرامج الثقافية المدروسة التي تركز بشكل أساسي على الثقافة المحلية، وتتوجه إلى الشرائح المجتمعية المختلفة، وتحرص على زجّ المثقف المحلي في الفعل الثقافي المصاحب للمعرض سواء من خلال استضافته في البرنامج أو عرض إصدارته ومنتجه الإبداعي، إلى جانب التواصل مع طلبة المدارس والجامعات الوطنية ووسائل الإعلام المحلية. وفي العمق أيضاً، لا تخفى على أحد أهمية أن يقام معرض للكتاب في مدينة العين رغم وجود معرض دولي للكتاب في أبوظبي. والسبب يكمن في التخصص؛ معرض أبوظبي الدولي للكتاب يهتم بالكتاب والنشر المحلي والدولي مع التركيز على واقع الكتاب والنشر العالميين والمناشط المتعلقة بهما.. فيما يهتم معرض “العين تقرأ” بفعل القراءة نفسه، وبالكتاب المصنوع في الإمارات تأليفاً ونشراً وتوزيعاً، ويتجه بالأساس إلى الأطفال، قراء المستقبل المنتظرين. وهكذا لكل معرض وجهته وغايته ومراميه. وعليه، فإن معرض “العين تقرأ” بمثابة نافذة يطل منها الناشر المحلي والكاتب الإماراتي على جمهور القراء في مدينة العين وما حولها بهدف التعريف بإنتاجهم وتقديم الجديد، ولذا، يقول القبيسي، فإن المسمى الذي أعطي لمعرض “العين تقرأ” يعبر عن هدفه الرئيس بشكل مباشر، ألا وهو القراءة، مضيفاً: “صممم برنامج المعرض على نحو يخدم تحقيق هذا الهدف وتعزيزه في سياق يجتمع فيه الناشر المحلي والكاتب المحلي في سبيل التواصل مع القراء”. علاقة محلوم بها بشكل واضح، لا يقبل المواربة، يحضر المثقف الإماراتي في معرض “العين تقرأ” سواء من خلال الحضور الشخصي والمشاركة في البرامج المختلفة، أو عبر حضوره مكتوباً في إبداعه التأليفي. ويمكن قراءة اهتمام معرض “العين تقرأ” بالمثقف الإماراتي في ضوء رغبة القائمين على معرض العين في أن تكون له صبغة محلية وأن يعكس ما يجري في الدولة على الصعيد الثقافي، فقد كان القرار منذ البداية، كما يقول القبيسي، “بأن يتخذ المعرض طابعاً محلياً سواء على مستوى العارضين والناشرين والمشاركين أو على مستوى البرامج المصاحبة للمعرض، بهدف إبراز الكتاب المحلي والتعريف به، والترويج للكتاب الإماراتيين والتعريف بهم”. من هنا يمكن إدراك سرّ الطابع المحلي لمعرض “العين تقرأ” واقتصار المشاركة على دور النشر والمكتبات والجهات المحلية، وعدم النزوع إلى إشراك دور نشر خارجية حيث يسعى القائمون على المعرض إلى الحفاظ على النمو الطبيعي له. وهم يؤكدون أهمية أن يبقى المعرض محافظاً على تركيزه على النشر المحلي في دولة الإمارات من أجل تبادل الخبرات وتسليط الضوء على عملية صناعة الكتاب في الإمارات. باختصار، هذا معرض صنع، في بعض وجوهه، من أجل المثقف الإماراتي، وصنع في وجوهه كلها من أجل البشر الذين يعيشون على هذه الأرض بطيفهم الثقافي كله، لكي يدخلوا الى عمق الثقافة الإماراتية بتجلياتها المختلفة؛ الشفوية والمكتوبة. وسواء من خلال حضور الفعاليات والأنشطة أو الاطلاع على محصول الكتاب المحلي قديمه وجديده، فإن برامج المعرض. وتتسع لتشمل برامج مجتمعية وأسرية وتوعوية صممت بشكل مدروس لهدف واضح: بناء العلاقة القوية التي يفترض في المعرض أن ينجزها مع المجتمع المحلي، تلك العلاقة المحلوم بها من أي نشاط ثقافي. ومما يؤشر على جدوى وإيجابية هذه العلاقة مبادرة لافتة بدأتها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة منذ عامين، وبالتحديد في معرض “العين تقرأ” الثالث في 2011، ألا وهي مبادرة “تبادل الكتب” التي وجدت قبولاً ملموساً من جمهور المعرض ورواده، حيث شارك أكثر من 400 شخص العام الماضي في المبادرة وتبادلوا ما يقارب الألف كتاب. ويرى القبيسي أن هذه المبادرة تهدف إلى “تشجيع تبادل الكتب والتشارك في المعرفة، وأنها وسيلة لمنح “حياة ثانية” للكتب التي تُنمى بالقراءة لا بالإهمال والنسيان فوق رفوف المكتبات، بالإضافة إلى كونها وسيلة لـ “إعادة استخدام الكتب” بدلاً من التخلص منها”. ويمكن الاستدلال على ثمرة هذا السلوك الاجتماعية أو أثره الإيجابي على المجتمع إذا ما لاحظنا سعة قوس أو طيف المشاركين الذين جاءوا من مختلف الفئات الاجتماعية: أطفال المدارس، طلاب الجامعات، المتقاعدين، العائلات التي لديها أطفال يافعون، والأسر من مختلف الجنسيات، وهذه الشريحة بالذات لم تكن لتأتي إلى المعرض لو لم تجد ما تستبدله، وبالفعل وجدت كتباً بالإنجليزية والفرنسية والألمانية إلى جانب العربية. أما العناوين التي جرى تبادلها فتنبيك، وتنبئ المتخصص قبلك، بنوعية القراءة الشائعة أو الكتب الأكثر قراءة لدى الناس، وهي بحسب ما أظهرتها المجموعة المتبادلة في العام الفائت: الكتب الأدبية، بما في ذلك الأدب العالمي، والكتب المدرسية، وكتب الأطفال، والروايات، والشعر، والفن، وألبومات التصوير الضوئي، والكتيبات الهندسية، والإصدارات التراثية، فهل تتغير الاختيارات هذا العام؟ ربما تتغير العناوين، ربما تتغير الوجوه التي تتصفحها، لكن العبرة تظل ثابتة: مزيد من القراء، مزيد من الكتب التي تغادر الأرفف لتستقر في أحضان العقول المشغوفة بالاطلاع، مزيد من الشيوع القرائي أو تعميم عادة هي أجمل العادات البشرية على الإطلاق. قرّاء منتظرون في المعرض ورش فنية وحرفية وإبداعية تحفز ملكة التفكير الخلاق وتطرح الأسئلة على أذهان الأطفال حاثةً إياهم على اكتشاف الحلول وصقل التجربة، منها ورش عمل تحاكي صناعة الكتاب، وطريقة تصميم غلافه، وصناعة صندوق للاحتفاظ بالكتب.. وغير ذلك. في المعرض “ركن الإبداع” الذي يخصّ بشكل أساسي الأطفال والناشئة، وقد أعدت فعالياته لتعبر على نحو دقيق عن اهتمامات الاطفال والناشئة، وتركز فعالياته على القراءة وتقنياتها وتعزيزها والتعريف بالمكتبة ودورها في تنمية وتعزيز عالم النشء. في المعرض أجنحة للقراءة ورواية القصص التي تستثير الخيال وتسهم في خلق شخصية متزنة وفاعلة.. وثمة فرصة لتدريب الأطفال على فن إلقاء القصص المنتقاة لتطوير مهارات الاستماع وطرح الأسئلة ضمن برنامج مخصص يقدم الكتاب هدية من أجل تحفيزهم. في المعرض بعض الألعاب القرائية التي تنظم بالتعاون مع طالبات جامعة الإمارات العربية المتحدة وتبدو أكثر قدرة على جذب الأطفال الى عوالم القراءة الملونة. في المعرض إمكانية جميلة لتبادل الكتب، الاستغناء عن القديمة التي انتهى المرء من قراءتها بأخرى جديدة هي في رسم القراءة. في المعرض برنامج للتوعية المرورية ينفذ من خلال مسابقات متنوعة بالتعاون مع شرطة المرور في العين وركن خاص لتقديم “الاستشارات التربوية والأسرية” نظراً للتجاوب الواسع الذي لقيه البرنامج في الدورات الماضية. في المعرض قراءات وأمسيات شعرية وتواقيع كتب وندوات حوارية لكتّاب محليين، مع فتح المناقشات مع الجمهور والقراء، ودعوات إلى جلسات أدبية مفتوحة. وفي المعرض برامج متعددة لا تدير ظهرها للمثقف الإماراتي، بل تفتح بابها له ليكون حاضراً في كل مكان وفعالية. وفي المعرض كتب تندهك بشغف عاشقة لكي تمدّ يدك، وتقطف من حدائقها المعرفية ما شاء لك الهوى. وبالنظر إلى ما يحظى به الطفل من عناية من قبل القائمين على معرض “العين تقرأ” وتركيزه على نشاطات الأطفال بشكل ملحوظ، فإن من الممكن التفاؤل بأن يسهم المعرض مستقبلاً في رفد الساحة الثقافية المحلية بمواهب جديدة، بمؤلفين إماراتيين يضعون همهم في التأليف الأدبي او الفني او العلمي او التاريخي كل حسب ما يهوى ويطمح، لا سيما وأن المعرض يهتم أيضاً بتعزيز وتشجيع مهارات الكتابة والتعبير الفني لدى الأطفال. ولا أدري، هل بوسع المرء أن يذهب بعيداً في التفاؤل، خاصة في ظل التقدم العلمي الهائل على صعيد الاتصالات وما تتيحه الشبكة العنكبوتية من إمكانيات القراءة والبحث والمتابعة، وما يجده الشاب من مغريات قرائية من حيث شكل العرض، ويحلم بأن تكون علاقة الأجيال الآتية مع الكتاب والقراءة أفضل؟!. ثمة من يقول: ليس المهم من أين وكيف يقرأ من الكتاب أم من الإنترنت، ورقياً أم إلكترونياً، المهم أن يقرأ والأهم: ماذا يقرأ...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©