الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرفة تسييس الدين

حرفة تسييس الدين
18 سبتمبر 2013 21:39
الكتاب الثالث لثروت الخرباوي، والذي يكاد مضمونه يسير في ذات الاتجاه للكتابين السابقين، بعنوان “أئمة الشر ـ الإخوان والشيعة أمة تلعب في الخفاء”، وصدر في طبعته الأولى، عن مركز المزماة للدراسات والبحوث في 265 صفحة من القطع المتوسط، ويشتمل على مقدمتين للناشر والمؤلف، وتسعة فصول هي: لماذ لا؟ المطية، إشعال النار في القط، الجذور، مسرح العرائس، الطين المعصوم، الغزل السياسي الرفيع، رفض الرافضة، دماء وإماء. ولا يغفل الكاتب من خلال هذه الفصول أن يقدم للقارئ لمحة تاريخية عن مفهوم الشيعة للدين، في إطار من التحليل والنقاش والتوثيق بالمعلومات الفقهية، والمستخلصة من أمهات الكتب الدينية والفقهية، كذلك تعرض للصراع الخفي بين الشيعة والسنة، وكيف يدار من أصابع خارجية. بيد أنه يخص الإخوان بنصيب الأسد من رؤيته ومعالجته لموضوع الكتاب ويقول: “كما أنني لا أعمم في الحكم أو التحليل، فأضع كل الاخوان في إناء واحد، وأضع كل الشيعة في بوتقة واحدة، ولكنني اتحدث عن أئمتهم الذين يقودونهم، فهم في تقديري أئمة شر، أما الاتباع فمعظمهم يتحرك بدوافع مشاعرية مخلثة، حتى لو كانت خاطئة، لذلك فإن كتابي هذا يتحدث عن الأئمة لا التابعين، القادة لا الجنود، أؤلئك الذين “نسوا الله فأنساهم أنفسهم”. نقتطف بعضا مما جاء في مقدمة الناشر لأن ذلك يدخلنا في عمق مضمون الكتاب: “أكثر ما يميز الكتاب الجديد للأستاذ ثروت الخرباوي، هو تبحره في تفاصيل مخفية في تاريخ الاخوان الذي اتسم بالسرية والغموض، وكذلك ربطه بين فكر حكم المرشد في إيران وطموحات مرشد الاخوان، والأهم من ذلك كشف العلاقة بين الاخوان والشيعة، والتي تعود إلى عشرات السنين، ففي قراءة “أئمة الشر” لا بد أن تتوقف عند محطات تضعك أمام حقائق مذهلة، تعيد إلى الأذهان أسباب الوقائع التي حدثت في عالمنا العربي، حيث نقف في الفصل الأول أمام العلاقة المخفية بين الولايات المتحدة وجماعة الاخوان وما يميز هذا الكتاب هو تقديمه تقصي لتاريخ نشأة الجماعة منذ أيام المؤسس حسن البنا، وكيفية انطلاق الدعوة التي عملت بطريقة ذكية بهدف استقطاب النخب الدينية والعلمية. ويشير الكتاب إلى أن الاخوان يعتبرون منهجهم متفقا مع منهج الشيعة، وهنا مكمن الخطر، ففي الفصل السادس يتطرق إلى رأي البنا في الشيعة، وسبب حبهم له”. ويحسن بنا أيضا أن نقتطف بعضا مما جاء في مقدمة المؤلف: “كانت جماعة الاخوان أمرا ضروريا في السياسة الايرانية، فالاخوان ظهروا في صورة البوابة التي سيدخل منها النظام الايراني الى المنطقة، ويوما ما قد يحكم الاخوان وأهل ايران من دهاة السياسة، لذلك عكفوا على دراسة جماعة الإخوان وتاريخها وأفكارها، جماعة الاخوان كانت قد بدأت مع الثورة الايرانية في تكوين تنظيم لها هناك، وقد أطلقت على نفسها اسم “جماعة الدعوة والاصلاح”، وأصبح هذا التنظيم جزءا من التنظيم الدولي للجماعة، وإن ادعى أنه يحمل استقلالية عن الجماعة الأم في مصر، وبسبب فطنة الايرانيين ودهاء قادة الاخوان هناك، لم يلفت تنظيمهم نظر أحد في العالم العربي، أو الاسلامي، لأنه كان يدير نفسه بذكاء وحرص، فلم يسع إلى الاستعراض أو الاصطدام بالنظام الايراني أو محاولة هدم ثوابت الدولة، ولم يسع إلى الدعوة الى المذهب السني، فقد كان هذا من الخطوط الحمراء، التي لم يتجاوزها الاخوان هناك، وإن قام فرعهم هناك بدور كبير في التقارب بين الحكومات الايرانية، وجماعة الاخوان في مصر”. في الكتاب ثمة معلومات خطيرة، يكشفها الخرباوي في سياق سردي، مختلف عن الكتابين السابقين، فهو مثلا يكشف عن خطط أجهزة المخابرات الغربية بعامة، وخاصة أجهزة المخابرات الأميركية، لتقسيم الوطن العربي، ووضعها في أتون الفتن الطائفية، عبر مخطط خفي لدعم الشيعة في إيران، وهو أمر غير معتاد بالنسبة للكثيرين، كذلك دعمهم للاخوان، منذ عقود طويلة، لنكتشف من خلال معلومات الكتاب أن كل ما يحدث حولنا، وما نعيشه من إشكاليات، لم يكن بمحض الصدفة، وإنما كان مخططا له ومدبرا بطريقة مذهلة. ومن جملة ما قاله الكاتب: “كان لا بد أن نفتح هذا الملف لنعرف أمور الشر المخفية التي ارتدت ثياب الدين، ومن المهم أن نشير أننا لا ننعى على فهم الإخوان للدين، فهم وشأنهم، كل إنسان بفهمه يفرح، كما أننا لاننعى على الشيعة فهمهم للدين، فكل طائفة بمعتقداتها تمرح، لا تثريب عليهم هنا أو هناك، ولكننا ننعى على أؤلئك وهؤلاء، استغلال الدين لتحقيق مآرب خاصة، ومآرب سياسية ودنيوية، ننعى عليهم الوقوع في فخ الغرب الاستعماري، ننقم عليهم تسييس دينهم، وجعله حزبا ومشروعا يدخل في صراع مع باقي المسلمين، ليتحكموا هم بذواتهم في الأمة، ولو كان عن طريق الغصب والارهاب والتحالف مع أئمة الشر في العالم، حينئذ يتحولون هم من دعاة إلى أئمة الشر، يتشاربون في المشارب مع من تحالفوا معه”. بالاضافة إلى عنصر السرد، وجانب من مسحات الرواية، لا يخلو كتاب “أئمة الشر” من طرافة، سواء على مستوى اللغة والمفردات، او على مستوى الأجواء التي يصيغ بها معلوماته، وبخاصة المشهد الحواري الذي كشف من خلاله عن العلاقة بين الاخوان والبريطانيين: “الاتصالات السرية بين بريطانيا وقيادات الاخوان، خلال العدوان الثلاثي للاطاحة بجمال عبد الناصر. أنتوني إيدن قال في مذكراته: الهضيبي كان حريصا على علاقات ممتازة معنا على عكس ناصر”. وأيضا في المشهد ذاته: “وقبل منتصف خمسينيات القرن الماضي، أخذت المعاملات السرية بين البريطانيين والاخوان منحى آخر، إذ نظرت بريطانيا الى الجماعة باعتبارها معارضة مفيدة لسياسة عبد الناصر، ذات التوجهات القومية العربية، وأنها أفضل وأقل ضررا من التيارات القومية رغم أصوليتها الشديدة، ومن ثم عقد مسؤولون بريطانيون اجتماعات مع قادة الاخوان من اجل العمل كأداة ضد النظام الناصري الحاكم في اثناء مفاوضات اجلاء القوات العسكرية البرطانية من مصر، وكذا من اجل خلق موجة من الاضطرابات لتغيير النظام في البلاد”. على أن أسلوبية الخرباوي في هذه الكتب، لا تخلو من بعض العيوب، أهمها: إسهابه في الاطالة والشرح للتعبير عن مقصده، وهو يسرد جانبا من سيرته الذاتية مع خصومه من الاخوان، مضافا إلى كل ذلك بعض الاستطرادات والحشو الكلامي المتكئ على كليهشات كتابية سابقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©