الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ألفا روميو» تدخّن ولا تعود إلى الخلف

«ألفا روميو» تدخّن ولا تعود إلى الخلف
23 سبتمبر 2011 23:34
قمت برحلة من تنظيم نسيبي ويرافقنا فيها عديلي ونساؤنا وأطفالنا، ولا أدري لم قرر أن نطير إلى زيوريخ ثم نستأجر سيارة نسير بها إلى ميونيخ. قالت لنا موظفة التأجير إن السيارة التي حجزتها بالإنترنت من نوع «الفا روميو» غير متوافرة إلا بناقل حركة عادي، فقلت للمنظّم: آخر مرة استعملت فيها سيارة «جير عادي» كانت في اختبار الحصول على رخصة القيادة، فأخذ يضحك ورأيته يتجه صوب النساء ليخبرهن بهذه الفضيحة: رجل بالغ عاقل لا يعرف قيادة سيارة «جير عادي». فقلت له: تعال.. كنت أمزح. وفعلاً كنت أمزح، ففي الثانية الأولى من القيادة امتلأت مواقف السيارات بمطار زيوريخ بدخان أبيض كثيف خرج من سيارتي بسبب الصعوبة التي كنت أواجهها في ضبط دوّاسة البنزين مع دوّاسة «الكلتش»، وانطفئ المحرك مرتين أو ثلاث. ولأنني دخلت في حالة الارتباك التي تصيبني عندما أشعر بالخجل، فقد زاد الدخان بخروجي من المطار، ونفذت رائحة «صحن الكلش» المحترق إلى صدورنا، وازدادت كمية العرق التي تدفقت حتى من حذائي، فاضطررت إلى التوقف. جاء نسيبي وهو يضحك، ونزل عديلي وهو يقول: ما رأيك لو تعيد السيارة وتأخذ «جير أوتوماتيك»؟ وقال سائق حافلة مكتظة بالركاب: انزل «الهاند بريك» يا رجل. لكنني قلت إن المشكلة في السيارة وأنني سأقودها إلى ميونيخ بلا شك. ولأن نسيبي وعديلي خشيا أن تحترق السيارة في نهاية الأمر، فقد بقيا يسيران خلفي، ويعلم الله ماذا كانا يقولان لعيالهما عني، ولحسن الحظ أنهما أضاعاني عند أحد المنعطفات، لكن لسوء الحظ أنني وجدت نفسي في محطة حافلات والشرطية السويسرية تصفّر وتشير لي بالعودة وتقول إنني ارتكبت خطئاً كبيراً، وأنا أنظر في وجهها وأضحك ويدي في الخفاء تقرص بطن ولدي الذي كان يجلس خلفي ويقول: هل سنركب «باص» يا أبي؟ بقيت لأكثر من دقيقة في مكاني، إذ فشلت كل محاولاتي في وضع «الجير» في وضعية الرجوع إلى الخلف، والشرطية تشير بيدها وأنا أحاول بيد وأقرص بطن ولدي باليد الأخرى وعشرات الأشخاص ينظرون إلي وهم ما بين ضاحك ومبتسم. ولم يكن أمامي إلا التقدم إلى الأمام وصعود الرصيف والهروب من المحطة. بعد قيادة لنصف ساعة عاد إليّ صوابي واعتادت قدماي على الموازنة بين الدوّاستين، ولم تعد السيارة تكح، لكن الرحلة التي كان يفترض أن تستغرق ساعتين أو ثلاث، طالت أكثر من ذلك بكثير، خصوصاً أنني وجدت نفسي أقود بين الأحياء السكنية، ثم وصلتني رسالة من سفارة الإمارات في النمسا ترحب بقدومي إليها، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، نحن في النمسا بدلاً من ألمانيا. وبعد ألف رجاء من أم العيال بأن أسأل المارة، استوقفت رجلاً وسألته، فبسط يديه في الهواء وأخذ يبربر وهو يوشك على الضحك، فقلت: يبدو أنه مصدوم من سؤالي كما حصل معي في أحد الأيام حين استوقفني سائق سعودي وطلب مني إرشاده إلى الطريق إلى عُمان، فنظرت حولي فإذا بنا في سوق نايف في قعر ديرة، فقلت له وأنا أضحك: عفواً، لا أستطيع إرشادك. بدأت قدماي تؤلماني وأنا أحاول ضبط الدوّاستين في عشرات الشوارع المزدحمة والأحياء السكنية التي لا نهاية لها وجهاز الملاحة يحدّث خرائطه بين الحين والآخر إلى أن وجدت نفسي في شارع فرعي محشوراً في زاوية أمام جدار اسمنتي والمكان ضيق لا يمكن الاستدارة فيه وليس أمامي إلا الرجوع إلى الخلف. جلست عشر دقائق أجرّب كل قطعة في السيارة اللعينة لعلّي أهتدي إلى طريقة أعيدها فيها إلى الخلف، وكلما جرّبت طريقة تقدّمت السيارة إلى الأمام واقتربت من الجدار أكثر، وقلت لأم العيال إن الحل الوحيد هو أن تنزلوا وتدفعوا السيارة بأيديكم، لكن أهم شيء أن أخاك ونسيبك ذهبا في حال سبيلهما ولن يضحكا مني. وفي الأثناء اقترب منا مجموعة من المراهقين، ولا أدري ما هي الأفكار التي خطرت ببالهم في تلك اللحظة، فهم يرون شخصاً عربياً يجلس مع عياله في سيارة متوقفة أمام جدار في مكان معزول من أوروبا، في ألمانيا أو النمسا، يسندون رؤوسهم بأيديهم ومستغرقين في التفكير. وبعد قليل حضر رجل عجوز برفقة شاب واتجها صوب المراهقين، فنزلت وطلبت منهما إرجاع السيارة إلى الخلف، فقال الشاب: ضع «الجير» في وضعية الرجوع (R)، فقلت في نفسي: يبدو أنه رجل أحمق، ثم قلت: جرّب بنفسك، ففعل وأرجع السيارة إلى الخلف قليلاً، ثم أعاد المشهد بالحركة البطيئة كأنني غبي: رفع «الجير» قليلاً ثم نقله إلى حيث حرف (R). وبسهولة، استطعت إرجاع السيارة إلى الخلف وشعرت حينها بأنني أزحت جبلاً كان يجثم على صدري، فشكرت الشاب لكن المحرك انطفئ بسبب حالة الارتباك المعتادة، ثم انطلقت وأنا ألوّح لهم شاكراً وهم يضحكون. بعد ثماني ساعات من القيادة وصلت إلى ميونيخ واتجهت إلى الفندق مباشرة وأنا أشعر بالنصر، بينما عيالي في حالة يرثى لها من الإرهاق والجوع. وفي أثناء إجراءات حجز الغرفة وصل نسيبي وعديلي، وكانا مرهقين بسبب الضياع، وسألاني عن رحلتي، فقلت: كانت ناجحة خصوصاً في سيارة «الفا روميو» بناقل حركة عادي، فتساءلا: ولم تأخرت مثلنا إذن؟ فقلت: لم أفوّت المطاعم والمقاهي التي وجدتها في الطريق. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©