الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحكم بإعدام الهاشمي... تأجيج النعرة الطائفية في العراق

الحكم بإعدام الهاشمي... تأجيج النعرة الطائفية في العراق
11 سبتمبر 2012
حكم على نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بالإعدام غيابياً يوم الأحد الماضي على خلفية ما يؤكد أنها اتهامات بالإرهاب ذات دوافع سياسية، وذلك في أحدث خطوة تقدم عليها حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، ومن المؤكد أنها ستؤجج التوترات الطائفية في هذا البلد العربي المضطرب. كما صدر حكم بالإعدام شنقاً أيضاً في حق صهره أحمد قحطان. وكان الهاشمي، الذي يعتبر أرفع مسؤول سُني في البلاد، قد استُهدف بالمتابعة القضائية بعد أسبوع على رحيل القوات الأميركية من العراق في ديسمبر الماضي. ومنذ ذلك الوقت وهو في حالة فرار، ويقول لمن يرغب في الاستماع إن المالكي يعمل على الاستئثار بالسلطة وخلق الظروف المفضية لتجدد الحرب الطائفية في البلاد. وفي حوار معه قبل أسابيع على حكم يوم الأحد، قال الهاشمي، الذي كان يعتبر من أشد المنتقدين للاحتلال الأميركي في وقت من الأوقات، إنه يتطلع إلى مساعدة الولايات المتحدة وإن انفلات الطائفية من عقالها يهدد استقرار البلاد الهش. وقال لي الهاشمي في هذا الإطار: "إنني قلق جداً بشأن المستقبل، وأستطيع أن أقول إن بلدي وصل إلى نقطة تحول بسبب الإدارة الطائفية وغير المؤهلة للمالكي ومشاغبة إيران"، مضيفاً "الآن يمكن القول إن كل الإمكانيات مطروحة على الطاولة بسبب الظلم وتفشي الفساد. فالناس ملوا وضاقوا ذرعاً... وأخذوا يرغَمون على التفكير في حلول متطرفة أخرى للتخلص من المظالم الحالية... ولذلك، فإنني خائف جداً وأشعر بقلق كبير جداً بشأن المستقبل". التهميش المتزايد للسنة وإبعادهم عن العملية السياسية، كان هو الدافع الرئيسي لحصيلة القتلى المرتفعة هذا العام، مثلما تذكر بذلك حصيلة قتلى يوم الأحد التي تجاوزت الثمانين، والتي حدث الكثير منها قبل الإعلان عن الحكم. غير أن إدانة الهاشمي ستؤكد في أذهان الكثيرين اعتقادهم بأن السنة مواطنون من الدرجة الثانية وستؤدي إلى مزيد من الهجمات على الأرجح. "المصالحة" الموعودة التي كان يفترض أن تتلو زيادة عديد القوات الأميركية تحت قيادة الجنرال ديفيد بترايوس في السنوات الأخيرة لحرب العراق لم تحدث أبداً. وبدلاً من ذلك، بقي الزعماء السياسيون العراقيون السنة والشيعة والأكراد في معسكراتهم القبلية. وتحولت الحياة السياسية العراقية إلى حرب باردة طائفية طويلة، يتخللها من حين لآخر سفك للدماء؛ حيث تشير الأرقام إلى أن العراق فقد 3063 شخصاً بسبب الإرهاب في 2011، ليحتل المرتبة الثانية وراء أفغانستان من حيث عدد القتلى. وكان يوليو الشهر الأكثر دموية في العراق منذ 2010، حيث شهد مقتل 325 شخصاً. ورغم أن هذا الرقم انخفض إلى 164 في أغسطس، إلا أن هجمات يوم الأحد وقعت في 7 مدن على الأقل، وهو مؤشر على اتساع رقعة العنف. وقد حدث الهجوم الأكثر دموية في مدينة العمارة ذات الأغلبية الشيعية في جنوب البلاد، حيث أسفر انفجار سيارات مفخخة أمام مزار شيعي عن مقتل 16 شخصاً على الأقل. وكان الهاشمي قد اتهم من قبل الحكومة بتسيير فرقة موت تستهدف المسؤولين الشيعة، بعد نحو أسبوع على رحيل الجيش الأميركي في ديسمبر الماضي. وأجريت محاكمة مثيرة في غيابه اعترف خلالها حراسه الشخصيون ومساعدوه باغتصاب وتعذيب وقتل مسؤولين أمنيين رفيعين تنفيذاً لأوامر الهاشمي. وبدأت المتابعة القضائية المشحونة سياسياً عندما عرضت حكومة المالكي على التلفزيون الوطني عدداً من حراس الهاشمي الذين اعترفوا بسلسلة من جرائم القتل. ولكن هل تلك الاعترافات صحيحة؟ الهاشمي ينفي كل الاتهامات جملة وتفصيلاً، ويقول إنها اتهامات ذات دوافع سياسية وإن الاعترافات انتُزعت تحت التعذيب. والواقع أن التعذيب والتهديد بالتعذيب يستعملان بشكل روتيني من أجل انتزاع الاعترافات من المذنبين والأبرياء على حد سواء في العراق، كما أن كلمة "المستقل" التي يوصف بها "القضاء" في العراق غير دقيقة تماماً. غير أن لا أحد تقريباً من اللاعبين في الحياة السياسية العراقية خلال العقد الماضي معفى من اللوم. ذلك أن معظم السياسيين الكبار تعاملوا مع أعضاء" فرق موت" طائفية خلال تلك السنين، وعدد لا بأس به منهم قام بتسييرها مباشرة، حيث كانت زيارة السياسيين في العراق خلال ذروة الحرب، سواء كانوا شيعة أو سنة أو أكراداً، تتطلب المرور عبر حراسهم الشخصيين المدججين بالسلاح - رجال لديهم ابتسامات الذئاب ولا يخضعون للمحاسبة من أحد سوى الرجل الذي يدفع لهم أجورهم. غير أن لدى الهاشمي ادعاءات أيضاً إذ يقول: "أعتقد أن وضعنا من حيث حقوق الإنسان يتدهور أكثر مما كان عليه خلال نظام صدام"، مضيفاً "لقد أخذت حكومة المالكي أشخاصاً أبرياء، وبعد مرور 24 إلى 48 ساعة تم تسليمهم جثثاً لعائلاتهم. وكان كل ما قالوه لهم هو: "هذا ليس هو الرجل الذي كنا نبحث عنه ونحن آسفون بخصوص ابنكم". وهكذا، يمكن القول إن الحياة السياسية العراقية تعرف أعمالاً قذرة، ونظراً للسعي إلى تحقيق العدالة على نحو غير متساو، حيث احتمال تعرض خصوم المالكي للمتابعة القضائية أكبر بكثير مقارنة مع احتمال تعرض حلفائه لها، فإن أخطار المسار الحالي للبلاد واضحة وبديهية. فالكثير من السنة يتذكرون جيداً شنق صدام حسين في 2006، الذي صور بالفيديو ونشر على الإنترنت، فقد تعرض الديكتاتور العراقي للسخرية والتهكم حين اقتيد إلى منصة الشنق وحين كان يتم وضع حبل المشنقة حول عنقه، وملأت الأدعية الشيعية واسم رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر أذنيه في لحظاته الأخيرة. والجدير بالذكر هنا أن عمليات الإعدام شنقاً ارتفعت في العراق هذا العام، حيث نفذ 96 حكماً من هذا القبيل حتى السادس من سبتمبر، مقارنة مع 68 في 2011. وقد حكم على الكثير من المدانين وفق قانوني "الخيانة" و"الإرهاب". وكما يقول الهاشمي وحلفاؤه، فإن جروح العراق الطائفية التي لم تندمل بعد أخذت تفتح من جديد الآن. غير أن الهاشمي وجد نفسه في موقف غريب حيث يدعو إلى تدخل أميركي أكبر في شؤون العراق بعد أن كان لسنوات من أشد المنتقدين للاحتلال العسكري الأميركي للعراق. ومن جانبه، أخذ المالكي يتقرب أكثر من إيران، حتى في وقت تتفاوض فيه حكومته مع الولايات المتحدة حول صفقة أسلحة بقيمة 12 مليار دولار تشمل اقتناء 36 مقاتلة من طراز إف 16. ويقول الهاشمي: "ينبغي أن يفهم الشعب الأميركي أن المهمة لم تنته، بغض النظر عن الكلفة التي دفعت من حيث الأرواح الأميركية... وبالتالي فوفق الاتفاقية، يتعين على الولايات المتحدة أن تواصل مهمتها في العراق إلى أن تكون ثمة دولة حقيقية، ومؤسسات حقيقية، وديمقراطية حقيقية". وأضاف الهاشمي يقول: "إن المالكي يحتكر الآن وزارة الداخلية، والدفاع، والأمن القومي، والاستخبارات. وهو يستعمل الخطاب الوطني ولكنه في الوقت نفسه يتصرف بطريقة جد طائفية. إذا كنا نتحدث عن الديمقراطية، فلماذا يعتبر كل ما يحدث في العراق ديمقراطية؟ إن كل شيء تحت سيطرة رجل واحد وحزب واحد". ويترأس الهاشمي الحزب الإسلامي العراقي، وهو حزب سياسي على نموذج الإخوان المسلمين، منذ وقت قصير بعد الغزو الأميركي في 2003. غير أن الهاشمي، الذي كان من المنتقدين للاحتلال الأميركي والنظام السياسي الصاعد الذي يهيمن عليه الشيعة، كان مستعداً للعمل من داخل النظام السياسي. وخلال عملية الزيادة في عديد القوات الأميركية في العراق، كان الهاشمي أحد اللاعبين الرئيسيين في تشجيع شيوخ العشائر السنية للانضمام إلى "الصحوة"، وهي الحركة التي شهدت تخلي الميليشيات السنية عن التمرد ووقوفها إلى جانب الحكومة. وكان من الواضح أنه شخصية تحظى بتقدير واحترام المقاتلين السنة. ذلك أنه عندما تم الإفراج عن مراسلة صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" السابقة بعد ثلاثة أشهر من اختطافها من قبل جهاديين سنة، تم تسليمها لمكتب الهاشمي في بغداد. أما اليوم، فيمكن القول إن محاوراً للمقاتلين يمكن الاعتماد عليه قد جُمد وأخرج من العملية السياسية كلياً. دان مُرفي محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©