الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا.. ومحدودية الدور الأميركي

سوريا.. ومحدودية الدور الأميركي
8 أكتوبر 2014 23:53
والتر بينكوس محلل سياسي أميركي متى يدرك معظم الأميركيين والعديد من القادة السياسيين - كما فعل الرئيس أوباما - أن هناك حدوداً لقدراتنا على حل مشكلات الدول الأخرى؟ ومتى نتعلم أن وجهات نظرنا لا تنجح مع الآخرين؟ إن هذا ينطبق بشكل خاص عند التعامل مع الثقافات والديانات واللغات والتواريخ التي لا نفهمها تماماً. نعم، إنني أتحدث عن الشرق الأوسط. إن الفيلم الوثائقي الذي أعدته «روري كينيدي» بعنوان «آخر أيام فيتنام»، والذي يحكي عن المكاره التي اعترضت الولايات المتحدة عند ترك سايجون، يوضح أن الأجيال اللاحقة لم تتعلم بعد الدروس المهمة. وقد كتب «روبرت ماكنمارا»، وزير الدفاع الأميركي، خلال الفترة الحرجة من حرب فيتنام، في كتابه بعنوان «نظرة إلى الماضي: مأساة ودروس من فيتنام» أن «سوء تقديرنا للأصدقاء والأعداء، على حد السواء، كان يعكس جهلنا العميق بتاريخ وثقافة وسياسة الناس في المنطقة، وكذلك شخصيات وعادات قادتهم». فما القدر الذي عرفته إدارة «جورج دبليو بوش» عن العراق برئاسة «صدام حسين» وتاريخها قبل أن تقود الولايات المتحدة تحالفاً غازياً، ومن ثم حاولت إعادة تشكيل حكومة بغداد؟ قبل ثلاثة أسابيع من بدء الحرب، ذكر نائب وزير الدفاع في ذلك الوقت «بول وولفوفيتز» للجنة الموازنة بمجلس النواب في 27 فبراير 2003، أن العراق لديه «صادرات نفط تقدر قيمتها بحوالي 15 – 20 مليار دولار سنوياً، والتي قد تستخدم في نهاية الأمر بطريقة أفضل من بناء قصور صدام». واستطرد قائلاً: «يوجد الكثير من الأموال هناك. ولكي نفترض أننا سندفع ثمن إعادة إعمار العراق بعد الحرب، فهذا افتراض خطأ». لكنه كان مخطئاً. ومثل غيره من مسؤولي «بوش»، قال «وولفويتز»: «إن العراق بها «23 مليون نسمة من أكثر الأشخاص تعليماً في العالم العربي، والذين سيرحبون بنا كمحررين». وأضاف: «إن فكرة أننا سنكسب المزيد من الأعداء من خلال الذهاب إلى هناك والتخلص من واحد من أسوأ الطغاة كما يعلم جميع العرب - والذين لديهم العديد منهم يحكمونهم - فهذا مجرد هراء». وقد ثبت أن هذا هراء. فنحن ما زلنا نحاول أن نفهم العراق. والآن ما الذي نعرفه عن سوريا، حيث تمت دعوتنا من أجل إجبار رئيسها الملطخ بالدماء «بشار الأسد» على التنحي؟ وماذا عن جماعة «داعش» الإرهابية الهمجية، التي نقوم حالياً بقصفها في سوريا والعراق وتدريب الجنود على القتال؟ هل يعلم الأميركيون أنه بداية من عام 2006، مرت أربع سنوات من الجفاف المدمر الذي تسبب في تلف محاصيل الفلاحين السوريين، الأمر الذي أدى إلى فقدان 800 ألف سوري لمصادر رزقهم، وفقا لتقرير الأمم المتحدة؟ ونتيجة لذلك، انتقل مئات الآلاف إلى المدن بحثاً عن وظائف، حيث تزدحم المدن بالفعل نتيجة لتدفق 200 ألف من اللاجئين العراقيين الذين فروا إلى سوريا عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. وعندما بدأت الاحتجاجات الأولى ضد نظام «الأسد» في 15 مارس، 2011، في بلدة «درعا» التي تقطنها أغلبية سُنية، كانت القضية تتعلق بفشل الحكومة في التفاعل مع مشكلة الجفاف، والتي تفاقمت مع إجراء تخفيضات في الدعم والرواتب. وانتشرت هذه المظاهرات لأنها كانت تؤكد غضباً علمانياً وعرقياً منذ عقود، والذي طالما كان يسود الأغلبية السُنية في البلاد، وكذلك الأكراد والدروز، وغيرهما من الأقليات السورية. وكان استخدام عائلة «الأسد» الوحشي للقوة يسيطر على هذه الإحباطات. وفي مطلع ثمانينات القرن الماضي، على سبيل المثال، دمر حافظ الأسد بلدة حماة، وقتل ما لا يقل على 10 آلاف شخص للقضاء على انتفاضة للسُنة بزعامة «الإخوان المسلمين». وكما كتب «وليم بولك»، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، في شهر ديسمبر في مجلة «أتلانتك» أن «الفشل في التصرف بحسم، كما أظهرت حماة، قد أدى حتماً إلى تمرد. ولا يمكن أن تحدث تسوية إلا بعد استتباب النظام. لذا فقد سار «بشار» على خطى والده الذي أمر بشن حملة قمع، والتي فشلت، لذلك فما بدأ كقضية غذاء وماء تحول تدريجياً إلى قضية سياسية ودينية». وماذا عن محاولات الولايات المتحدة لإيجاد سوريين معتدلين من أجل محاربة دولة «داعش» والرئيس الأسد؟ ومن أين تأتي هذه المئات، إن لم تكن الآلاف، من الجماعات المتمردة التي تعارض الأسد؟ تاريخياً، كانت الأراضي السورية موطناً لمختلف الشعوب الدينية والعرقية، والكثيرون منهم أتوا نتيجة لغزوات أو هجرات. وعلى مدار أربعة قرون في ظل الإمبراطورية العثمانية، عاشت الأغلبية من المسلمين السُنة بمحاذاة الجيوب والأحياء في مدن وبلدات استحوذت على الهويات الخاصة بهم. وقد احتفظ المسيحيون والمسلمون من الشيعة مثل العلويين والإسماعيليين، إلى جانب اليهود والدروز والإيزيديين والأكراد بعاداتهم ولغاتهم. وبعد الحرب العالمية الأولى، تم منح فرنسا الانتداب على سوريا، لكن الفرنسيين واجهوا عقوداً من الانتفاضات والانقسام بين المسلمين، ومن كل هذا جاء أول نظام للأسد عام 1971. وعلى ما يبدو، فإن الميليشيات التي تحاول الإطاحة بالأسد تشبه الجماعات التي حاربت الفرنسيين، وكل منها له أهدافه الخاصة. ويختلط بهذه الجماعات، «الجهاديون» الأجانب الذين يحلمون بتكوين خلافة إسلامية جديدة، تمتد لأبعد من حدود سوريا، ومن بين هؤلاء تأتي دولة «داعش». وينبغي أن يدرك الأميركيون أن هذه ليست معركة من طراز قديم بين قوى الحرية وطاغية، الخير والشر. ويبدو أن أوباما يدرك أنه بالنسبة للولايات المتحدة، لا توجد خيارات برية جيدة في سوريا لذلك، فإن البقاء في الجو هو الطريق الوحيد لأداء دورنا القيادي المحدود. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©