الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإرهاب.. خلفيّاته المستترة

الإرهاب.. خلفيّاته المستترة
16 سبتمبر 2015 21:45
الإرهاب في المصطلح الدولي المعاصر هو استخدام العنف المادي لتحقيق مكاسب سياسية، وقد أصبح في الفترة الحالية يدل على العنف السياسي الممارس باسم الدين. كانت السمة الأساسية للإرهاب في القرن الماضي مرتبطة بالماركسية واليسار عموما. وكانت خلفيته الثقافية أن التاريخ البشري هو مسرح الصراع العنيف بين الطبقات من أجل أو في اتجاه تحقيق التقدم نحو مجتمع المساواة. فالصراع الطبقي والعنف هما مولدا التاريخ في هذا المنظور. أما الإرهاب الذي انتشر في العالم العربي في نهايات القرن الماضي وبدايات القرن 21 فهو عنف سياسي يعلن أنه يستمد أو يستلهم العنف من التراث العربي الإسلامي. وهذا الصنف من العنف اقترن بالتحولات الكبرى التي حدثت في العالم العربي ابتداء من انهزام النظام السياسي القومي في مصر سنة 1967، وحدوث الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 وتوالد حركات الإسلام السياسي في المنطقة. كان المحضن الأول للعنف السياسي الديني المرتبط بالإسلام هو نشوء الأممية الجهادية في أفغانستان في أواخر السبعينات من القرن الماضي المتمثل في نشوء القاعدة التي تعتبر الجيل الأول لهذا الصنف من العنف السياسي والذي توالدت عنه العديد من جماعات العنف السياسي الديني المتدرجة نحو الأعلى في سلّم العنف. يبدو أن الخطوات التمهيدية الأولى لنشأة داعش هي قدوم سلالة القاعدة ثم أسلمة الجيش والدولة من طرف صدام، وهي الخطوات التي ألهبها أولا الغزو الأميركي للعراق سنة 2003 وتسريحه للجيش العراقي المؤهل والمؤدلج ثم سيطرة إيران على مفاصل الدولة العراقية واندلاع العداء السني الشيعي. غير أن المعالجات العربية لهذه الظاهرة تتسم بالكثير من التجزئ أو الاختزال. فالظاهرة الإرهابية ظاهرة كلِّية بمعنى تكاثف وتراتب وتفاعل كل العناصر الموجودة في المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وسيكولوجيا وإيديولوجيا وثقافيا... هذا طبعا منظور الباحث الذي تهمه الرؤية الشمولية وهاجسه الاستيفاء والشمول بينما تميل المعالجات السياسية الرسمية إلى التركيز على عناصر دون أخرى كالعوامل الخارجية أو النفسية (المرضية)... مع التستر الخجول عن العوامل الثقافية العميقة سواء في وجهها الفكري أو في التكييفات الإيديولوجية للثقافة العربية الإسلامية على مدى عقود وقرون في اتجاه ترسيخ تطرفها وإضفاء طابع سلفي متشدد عليها دفاعاً عن الذات أو مواجهة لاتهامات الغرب أو لما تسميه «الغزو الثقافي». فالظاهرة الإرهابية ظاهرة كلية بمعنى أنها على الرغم من ملامحها السياسية البارزة فهي ظاهرة تتصل بكل مكونات البنية الاجتماعية بمعنى تعدد وتداخل وتراتب وتضافر مختلف المكونات والعوامل والأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية والثقافية في إطار فهم كلي وغير اختزالي للظاهرة. لكن المشكل الابستمولوجي والإجرائي معا هو أن الكثير أو على الأقل أغلبية المحللين وصناع القرار يرددون ذلك في نوع من التعميم والهروب اللاواعي من تحديد دقيق ومضبوط وتراتبي للعوامل المذكورة متأرجحين في التحليل بين العوامل. في هذه العجالة أود أن أسهم في تقديم اقتراح بصدد تراتب هذه العوامل وذلك بالتمييز: أولاً: بين العوامل العامة المشتركة، كالعوامل الاقتصادية المتمثلة في الفقر والبطالة وانعدام السكن وضآلة الحقوق الاجتماعية... والعوامل السياسية المتمثلة في الاستبداد وغياب الديمقراطية والتهميش السياسي... والعوامل المباشرة أو العينية المتمثلة في التجييش والتعبئة حول فكرة أو شخص واستخدام أدوات التواصل الافتراضي، بما في ذلك التعبئة المؤامراتيَّة تمويناً فكرياً وتمويلًا مالياً... وأخيراً العوامل الثقافية والنفسية، وفي تقديري أنها عوامل حاسمة أو بتعبير الرياضيات فهي شرط كاف وليست فقط شرطاً لازماً وضرورياً. فالشرط أو المعطى الثقافي أساسي بمعنى ضرورة توفره وحضوره في كل تفسير عام أو تشخيص لحالة محددة وذلك لأن الثقافة هي المخزن المعنوي والدلالي، وهي الحاضن الأساسي لكل أشكال العنف السياسي/ الديني الذي نشاهده، كما أنها الخلفية العميقة للفعل الإرهابي وذلك بغض النظر عن المستوى الثقافي للفاعل. وتصبح المسألة الثقافية ذات أهمية قصوى في فهم وتفسير ومعالجة المسألة الإرهابية، على وجه الخصوص بالنسبة لثقافة جرى توجيهها وتأويلها في اتجاه اعتبار الماضي بكل بنياته وأشخاصه مثالاً ونموذجاً يجب استلهامه، وتوظيفه لخدمة منظور مغلق للهوية التي يتم شحذها واعتبارها سمة مميزة ترفض ما عداها، وتستثمر ذاتها لإذكاء مشاعر النرجسية الثقافية التي تعوض عن خيبات الحاضر، وتلعب دور ووظيفة ثقافة لجوء (Culture refuge) وتعويض وطمأنة وبلسمة. يمكن أن نعيد تصنيف (والتصنيف يتضمن معيار الترتيب) مجموعات العوامل هاته وفق التصور التالي: أولا العوامل الكامنة وهي بمثابة خلايا نائمة وهي العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تشكل عمق هذه الظاهرة وبنيتها الأساسية. ثانياً: عوامل اليقظة أو العوامل الحاسمة وهي من مستويين: العوامل السياسية في وجهيها السلمي والمؤامراتي أو المخابراتي، والعوامل الثقافية أي ثقافة التحريض على الكراهية وممارسة العنف والإرهاب. فالعامل السياسي/ المخابراتي، والعامل الثقافي هما الشرطان الكافيان لحدوث الفعل الإرهابي أو بتعبير آخر أن الشرطين السياسي والثقافي يأتيان «في المحل الأخير» بمعنى أن حضورهما كاف لتوافر أركان الجرم الإرهابي. هذا التصور يقوم على تمثيل الفعل الإرهابي على شكل هرم قاعدته الأساسية هي المعطيات الاقتصادية والاجتماعية ورأسه العوامل السياسية والثقافية. غير أن معظم المعالجات السياسية العربية تتجه عموما نحو تغييب أو طمس أو حجب الأبعاد الثقافية لعدة اعتبارات بعضها واع وقصدي وبعضها لاواع لأنه يتعلق بالبنية الثقافية العربية ذاتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©