الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العصابة الفاشلة

العصابة الفاشلة
9 أكتوبر 2014 22:45
انتفض الشرطي من على مقعده، كما لو كان لدغه ثعبان، وهب واقفا وهو يمسك بسماعة الهاتف، عندما أبلغه محدثه على الجانب الآخر أنه يعمل في شركة متخصصة في نقل الأموال بين شركات الصرافة والبنوك، وقد كان اليوم في مهمة عادية، لكن تعرض هو والسائق لعملية سطو مسلح وقامت العصابة بسرقة خمسة عشر مليون دولار، أثناء مرورهما بمنطقة غير مأهولة بالسكان، ورغم أن الشرطي يتلقى في الدقيقة الواحدة بلاغات عدة بين قتل وسرقة وتصادم سيارات وحرائق ومشاجرات ويتعامل معها بطبيعته ويقوم بدوره في توصيل البلاغ إلى حيث جهة الاختصاص، إلا أنه هذه المرة لم يصدق؛ لأن المبلغ المسروق كبير، لذلك كان أن يكذّب أذنه وهو يسمعه، فطلب منه أن يعيد على مسامعه تفاصيل بلاغه، فيعود الرجل الذي على الجانب الآخر فيؤكد مجدداً أنه تعرض لحادث سطو مسلح وسرقة كل المبلغ الذي كانت تحمله السيارة. طامة كبرى يلقي الشرطي بسماعة الهاتف من يده، كأنه يريد أن يتخلص منها، ويخرج مسرعاً إلى الضابط «النوبتجي» ليخبره بتفاصيل البلاغ المهم، وهذا من أوائل البلاغات التي تم تلقيها اليوم، فعقارب الساعة تشير إلى حوالي السابعة والنصف صباحاً، ولم تصل حركة السيارات والمارة إلى ذروتها بعد، ولم يكن اهتمام الضابط بأقل من اهتمام الشرطي، فقام من خلال جهاز اللاسلكي الذي يضعه أمامه بالاتصال برؤسائه وبوحدات البحث الجنائي، وكذلك بنقاط المرور والتفتيش المنتشرة على الطرق في المنطقة التي وقع بها الحادث لملاحقة الجناة بعد أن أدلى المبُلغ الأول بأوصافها. خلال دقائق معدودة كانت سيارات الشرطة بألوانها الزرقاء المعهودة، تصرخ وتطلق صافراتها المعروفة وتنطلق بسرعة فائقة نحو مسرح الجريمة، وجدوا السائق جالساً بجوار السيارة في حالة من الذهول، بينما حارس الأمن الذي قام بالإبلاغ، فقد كان واقفاً ينتظر حضورهم؛ لأنه هو المعني بالحراسة وكانت الطامة الكبرى أن الجناة استولوا على سلاحه قبل أن يحصلوا على هذا المبلغ الكبير، وكشفت المعاينة عن أن سيارة نقل الأموال مجهزة خصيصاً لهذا الغرض، وها هي متوقفة على جانب الطريق، وبدأت السيارات المارة والمسافرة تزداد على الطريق، ولكن المشهد يجعل الجميع يهدئون من سرعتهم وربما يتوقفون تماماً لاستكشاف الأمر، الذي يبدو من أول وهلة أنه سطو مسلح، فمجرد وجود سيارة الأموال يشير إلى نوع الجريمة، كان هذا السطو سببا في التكدس والزحام رغم أن رجال المرور يبذلون جهدهم لتسيير الحركة، لكن حب الفضول كان جارفاً. التخطيط للسرقة يبدو من تخطيط الحادث أن الجناة استوقفوا سائق السيارة وأجبروه على الانحراف يميناً على جانب الطريق، آثار الإطارات واضحة الأرض من خلال الاستخدام المفاجئ للمكابح، وهنا يتدخل السائق ليروي كيف تم ذلك، فيقول إنه كان يقود السيارة على سرعة تصل إلى حوالي المئة كيلو متر في الساعة، من الطبيعي أن تأتيه صافرات من السيارات لتطلب منه إفساح الطريق، لم يعد يزعجه هؤلاء السائقون الذين يبالغون في استخدام آلات التنبيه بسبب وبغير سبب، لا يهتم بهم، فإن كانوا يريدون المرور أفسح لهم الحارة اليسرى فيمرقوا منها مثل السهام الطائرة، وبالطريقة نفسها جاءه هذا الإزعاج رغم أن الوقت مبكر والطريق غير مزدحم ولم يهتم بمراقبة سلوك السائقين من حوله، وان كان يجب عليه أن يكون متيقظاً لذلك؛ لأن طبيعة عمله حساسة ومختلفة، فهو ليس مجرد سائق يقود مركبة، كان سائق السيارة القريبة منه يسير وراءه على بعد أمتار عدة، لم يشك في نواياه رغم أنه لازمه لمسافة تزيد عن العشرة كيلو مترات، ولكن هذا أيضاً قد لا يثير انتباهه ولم يحرك شكوكه، إلى أن فوجئ بهذه السيارة تضيق عليه الخناق، ويجبره سائقها على الخروج من على الطريق الممهد إلى الجانب الرملي، بل وأوقف سيارته أمامه حتى لا يتمكن من مواصلة السير، اضطر للتوقف. مشهد سينمائي كان المشهد سينمائياً، كما يحدث في أفلام العصابات والعنف، فقد فتحت جميع أبواب «الميكروباص» خرج منه عدد كبير من الأشخاص، ليس هذا وقت التركيز في عددهم، يحملون أسلحة جاهزة لإطلاق النيران، طوقوا السيارة كان بعضهم ملثماً، وبأصوات ونبرات حادة وأوامر حاسمة أمروا السائق أن يتنحى جانباً وأن يترك مفاتيح السيارة بعد أن أوقف المحرك، ورغم أنه لم يبد مقاومة إلا أن أحدهم صفعه على وجهه، بينما ركله الآخر من الخلف، وجاءته لكمة من حيث لا يدري، أفقدوه التركيز وهو ينظر إلى الأسلحة التي في أيديهم فلو أنهم لم يتعمدوا إطلاق النار، فمن المتوقع خروج رصاصة ولو بشكل خاطئ فيلقى حتفه، لم يكن أمامه إلا الاستسلام ورفع يديه إلى أعلى والانسحاب من المكان والاستجابة للأوامر. في الوقت نفسه، كان آخرون يطوقون «جمعة» حارس الأمن الذي يحمل السلاح، لم يكن ما تلقاه من ضربات وإهانات أقل من صاحبه، لكن الإهانة الكبرى له والتي جرحت كرامته أنهم أمروه بأن يلقي سلاحه وينبطح على وجهه على الأرض ليتأكدوا من عدم مقاومته وكي لا يلجأ إلى استخدام السلاح، أمروه بأن يقدم لهم مفتاح «باب» السيارة الخلفي للوصول إلى الصندوق الذي يتم إغلاقه على هذه الأموال، وفي دقائق تمت المهمة الإجرامية، وتم نقل صناديق الأموال إلى سيارة الجناة الذين انطلقوا بها في الطريق، ولم ينسوا أن يؤكدوا للسائق والحارس أن حياتهما في خطر، وأنه سيتم قتلهما إذا تحركا من مكانهما، ولحسن حظ الجناة فقد كان المكان خالياً من الأشخاص والسيارات، فهربوا وهم يشعرون بالأمان التام. صدمة الموت قامت سيارات الإسعاف بنقل «جمعة» حارس الأمن وزميله سائق السيارة إلى المستشفى لعلاجهما من الكدمات التي أصيبا بها، علاوة على حالتهما النفسية السيئة بعد الرعب الذي تعرضا له وعلى حد وصفهما فإنهما رأيا الموت بعيونهما، لم يصدقا أنهما مازالا على قيد الحياة بعد هذه المواجهة الصعبة والموقف الذي لا يحسدان عليه، صحيح أن حادث السطو على سيارة أموال لم يكن الأول من نوعه، ويتكرر بين الحين والآخر، لكن هذه المرة فإن الأمر خطير، فالمبلغ كبير ويتخطى الخمسة عشرة مليون دولار ووقع الحادث نهاراً، وهذا ما جعل رجال الشرطة في حالة من الانزعاج والاهتمام بمتابعة الحادث، وبعد أن تم الاستماع إلى أقوال الحارس والسائق عادا إلى منزليهما لتبدأ مهمة البحث عن أفراد العصابة المسلحة. الأمر يبدو في غاية الصعوبة وقد بدأ ضباط البحث الجنائي يجمعون المعلومات حول الحادث، لكن كان الكشف عنه ليس صعبا، فقد لاحظوا أن عدداً من الأشخاص الخطرين والمسجلين والذين سبق أن ارتكبوا جرائم مختلفة خاصة السرقة قد اختفوا من المنطقة التي يقيمون فيها، وفي مقدمتهم «عاشور» الذي كانت تربطه علاقة صداقة مع «جمعة» حارس الأمن المكلف بحراسة السيارة والأموال وحمايتها من أي اعتداء، وتأتي المعلومات بمفاجأة لم تكن متوقعة. خطة محكمة «جمعة» عندما يعود من عمله، يتوجه إلى المقهى ويقضي معظم وقته مع صديقه «عاشور» الذي سبق اتهامه في العديد من قضايا السرقات المتنوعة، فهو يسطو على كل شيء يقع تحت يده، ولا حديث بينهما إلا عن الأموال، ويتولى «جمعة» الحديث عن المهام التي يقوم بها كل يوم وكيف أنه رجل مهم ويقوم بحراسة الملايين أثناء نقلها هنا وهنا بل إنه يطلق على نفسه «رجل المهام الصعبة» ويسهب ويطيل في وصف كميات الأموال، في الوقت الذي يسيل فيه لعاب «عاشور»، وهو يسمع عن هذه الملايين التي بين يدي صديقه، لكنه لا يملك منها دولاراً واحداً، فيلقي بأمنياته لو أنه وقع بين يديه حتى ولو صندوق واحد من تلك المحشوة بأوراق النقد، ويسرح بكلامه وبخياله انه سيفعل كذا وكذا. منذ يومين وفي جلستهما الليلة، كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة مساء عندما استأذن «جمعة» لينصرف لأنه سيستيقظ مبكراً لسفره في مهمة عمل في الصباح الباكر، فإذا بصديقه يبكته ويعنفه ويصفه بأنه «أهبل وعبيط» فكيف تكون كل هذه الأموال تحت يديه، ويعيش فقيراً فإذا بالآخر يستجيب ويتحسر على حظه العاثر، فألقى «عاشور» عليه بكلمات الإغراء وهو يعرض عليه الاستيلاء على تلك الصناديق، فانتفض «جمعة» مستنكراً، كيف ذلك وهو المسؤول عن حراستها، فانتحى به جانباً وأسر في أذنه بخطة مُحكمة، بأنه سيخرج في مهمته كالمعتاد، بينما يقوم هو ومجموعة معه بمهاجمته بشكل تمثيلي يبدو كأنه سطو مسلح ونستولي على الأموال وكأن شيئا لم يكن ونقسمها ونعيش حياتنا مثل الأغنياء. اقتنع «جمعة» بالفكرة، فقدم له خط السير وتوقيت التحرك ووجهته في الصباح، وتم الفصل الأول من التمثيلية الهابطة، واستولت العصابة على الأموال لكنها سقطت في تأدية الأدوار كما ينبغي، ألقي القبض عليهم قبل أن يتصرفوا في الغنيمة المنهوبة فلم ينفقوا إلا بضعة آلاف على الطعام والشراب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©