الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذِكرُ الله والدعاء والدفاع عن الحرم.. أمر إلهي

9 أكتوبر 2014 23:00
كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم، فيقول الرجل منهم كان أبي يطعم ويحمل الحمالات ويحمل الديّات، ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم، وكانت عادة العرب إذا قضت حجها تقف عند الجمرة، فتفاخر بالآباء، وتذكر أنسابها وفعالهم، وتذكر أيام أسلافها من بسالة وكرم، وغير ذلك، حتى إن الواحد منهم ليقول اللهم إن أبي كان عظيم القبة، عظيم الجفنة، كثير المال، فأعطني مثل ما أعطيته، فلا يذكر غير أبيه، وروي أنهم كانوا يقفون بمنى بين المسجد والجبل يتفاخرون ويتعاظمون ويتناشدون، فأمرهم الله تعالى بأن يذكروه سبحانه بعد قضاء المناسك وهي أعمال الحج، كما كانوا يذكرون آباءهم في الجاهلية أو أشد من ذكرهم إياهم، فأنزل تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، «سورة البقرة: الآيات 200 - 202). والمراد تشبيه ذكر الله بذكر آبائهم في الكثرة والتكرار وتعمير أوقات الفراغ به، وليس فيه ما يؤذن بالجمع بين ذكر الله وذكر الآباء. ويقول الطاهر بن عاشور في تفسيره «التحرير والتنوير»، والذكر يشمل الدعاء، لأنه من ذكر الله وخاصة في مظان الإجابة من الزمان والمكان، لأن القاصدين لتلك البقاع على اختلاف أحوالهم ما يقصدون إلا تيمنا ورجاء، فكان في الكلام تقدير، كأنه قيل فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا وادعوه، ثم أريد تفصيل الداعين للتنبيه على تفاوت الذين تجمعهم تلك المناسك، وإنما لم يفصل الذكر الأعم من الدعاء، لأن الذكر الذي ليس بدعاء لا يقع إلا على وجه واحد، وهو تمجيد الله والثناء عليه، وهذا وعد من الله تعالى بإجابة دعاء المسلمين الداعين في تلك المواقف المباركة، إلا أنه وعد بإجابة شيء مما دعوا به بحسب ما تقتضيه أحوالهم وحكمة الله، وبألا يجر إلى فساد عام لا يرضاه. والمعنى، فإذا أتممتم أيها المسلمون مناسك حجكم فلا تنقطعوا عن أن تذكروا الله بتعظيمه وحمده، وبالالتجاء إليه بالدعاء لتحصيل خيري الدنيا والآخرة، ولا تشتغلوا بالتفاخر، فإن ذكر الله خير من ذكركم آباءكم، كما كنتم تذكرونهم بعد قضاء المناسك قبل الإسلام وكما يذكرهم المشركون الآن. ولا تكونوا كالذين لا يدعون إلا بطلب خير الدنيا ولا يتفكرون في الحياة الآخرة، لأنهم ينكرون الحياة بعد الموت، فإنكم إن سألتموه أعطاكم نصيباً مما سألتم في الدنيا وفي الآخرة، وإن الله يعجل باستجابة دعائكم. ويقول ابن كثير، يأمر تعالى بذكره والإكثار منه بعد قضاء المناسك وفراغها، والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل، ولهذا كان قوله «أو أشد ذكرا»، ثم إنه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره، فإنه مظنة الإجابة، وذم من لا يسأله إلا في أمر دنياه، وهو معرض عن أخراه، فقال: (. . . فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)، «سورة البقرة: الآية 200»، أي من نصيب ولا حظ، وتضمن هذا الذم التنفير عن التشبه بمن هو كذلك، وذكر سعيد بن جبير، عن ابن عباس كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف، فيقولون اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن، لا يذكرون من أمر الآخرة شيئاً، فأنزل الله فيهم: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)، «سورة البقرة: الآية 200»، وكان يجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون: (. . . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، «سورة البقرة الآية 201»، فأنزل الله: (أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، «سورة البقرة: الآية 202»، ولهذا مدح من يسأله للدنيا والأخرى، فقال: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، «سورة البقرة: الآية 201»، فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا، وصرفت كل شر، فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي، من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين. وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة، وأما النجاة من النار، فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا، من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام. وقال الإمام القرطبي، نزلت الآية ليلزموا أنفسهم ذكر الله أكثر من التزامهم ذكر آبائهم أيام الجاهلية وهذا قول جمهور المفسرين، وقالت طائفة معنى الآية، اذكروا الله وعظموه ودافعوا عن حرمه، وادفعوا من أراد الشرك في دينه ومشاعره، كما تذكرون آباءكم بالخير، وتحمون جوانبهم وتذبون عنهم، وعن ابن عباس، معنى الآية أن تغضب لله تعالى إذا عُصي أشد من غضبك لوالديك إذا شُتما. وقال الحسين بن مسعود البغوي، فإذا فرغتم من حجكم وذبحتم نسائككم أي ذبائحكم، فاذكروا الله بالتكبير والتحميد والثناء عليه كذكركم آباءكم وذلك أن العرب كانت إذا فرغت من الحج وقفت عند البيت فذكرت مفاخر آبائها فأمرهم الله تعالى بذكره وقال فاذكروني فأنا الذي فعلت ذلك بكم وبآبائكم وأحسنت إليكم وإليهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©