الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

السلفية العلمية.. هل هي خطر جديد يهدد أمن الجزائر؟

23 ديسمبر 2006 02:07
الجزائر- حسين محمد: تدور منذ بضعة أسابيع حرب صامتة بين وزارة الشؤون الدينية وجماعة''السلفية العلمية'' بالجزائر· وقد بعثت الوزارة إلى كل الأئمة تعليمة بضرورة غلق أبواب بيوت الله بعد انتهاء كل صلاة ومنع أتباع هذه الجماعة من عقد ''حلقاتهم''· وتسبّب تنفيذ التعليمة في تعرض بعض الأئمة إلى اعتداءات بالسلاح الأبيض من السلفيين فاستنجدت وزارة الشؤون الدينية بوزارة الداخلية التي وضعت الأمن في خدمة الأئمة في مختلف المساجد الجزائرية كما أصبحت تراقب هذه الجماعات وترصد تحركاتها وتتابع نشاطاتها بغية الحؤول دون بروز أية نشاطات متطرفة تصب في خانة العنف والإرهاب· وهذه قراءة في أسباب تفاقم الصراع وخلفياته وأدواته· تدعيم من السلطات ظهرالتيار السلفي بالجزائر منذ السبعينات وتعاظم دوره في الثمانينات، ثم برز بشكل طاغ في التسعينات وساهمت كتيبات الجيب الدينية الوافدة من الخارج في انتشاره، كما لعب علي بلحاج نائب رئيس ''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' المحظورة وكذا رفاقه الهاشمي سحنوني وكمال قمازي دورا بارزا في انتشار هذا التيار وتغلغله في أوساط المجتمع وأعطته دفعاً قوياً بدخول غمار المعترك السياسي وطرح أفكاره علانية، وأطلقت هذه الجماعة على نفسها إسم''السلفية المعاصرة'' أو ''الحركية'' وأجازت العمل السياسي لنشر أفكارها وإعتبرته من ''المصالح المرسلة'' التي تُقدر ب''المصلحة المعتبرة شرعا''· إلا أن نشاطاتها لم ترُق لبعض السلفيين الذين يحرّمون العمل السياسي وتشكيل الأحزاب ومناوئة الحكام فإنشقت عنها جماعة سمّت نفسها ''السلفية العلمية'' ونادت بإجتناب''بدعة'' التحزّب والسياسة وتركها للسياسيين و''طاعة أولي الأمر ولو كانوا على خطأ'' إتقاءً للفتنة وحصر نشاطاتهم في دائرة نشر''العلوم الشرعية'' في أوساط المجتمع مثل علم الحديث وتصحيح الروايات والبحث عن مصدر''الأحكام الشرعية'' وطرق الاستدلال السلفي وبخاصة الحنبلي· وأدى إنفجار الأزمة إبتداءً من 11 يناير 1992 إلى بروز ''السلفية الجهادية'' كبديل ل''السلفية المعاصرة'' وأخذت تدعو أتباعها إلى ''الجهاد'' ضد السلطة لإقامة''الدولة الإسلامية'' بالقوة، وأسست جماعات مسلحة قارعت السلطة لسنوات وكانت قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الحكم في عام 1994 إلا أن السلطة إستعادت توازنها وتمكنت من القضاء على أخطر السلفيين المنضوين تحت لواء الجماعات الإرهابية فتراجع خطرهم وكذا عددهم من 27 ألف إرهابي في بداية التسعينات إلى أقل من ألف إرهابي حاليا يعملون تحت قيادة''الجماعة السلفية للدعوة والقتال''· وبسبب تعاظم خطر''السلفية الجهادية'' في التسعينات، دعمت السلطات ''السلفية العلمية'' بغية نشر أفكارها الداعية إلى تحريم الخروج على أولي الأمر وهجر السياسة بإعتبارها ''بدعة وتشبهاً بالكفار'' وإتخاذ نشر ''العلوم الشرعية'' سبيلا وحيدا لإحداث ''التغيير'' المنشود عوض محاولة التغيير بالقوة التي تتبعها ''السلفية الجهادية''· وتعرض العديد من عناصر ''السلفية العلمية'' للإغتيال بذريعة أنهم ''من أعوان النظام الحاكم''، وأجبر هذا الوضع عبد المالك رمضاني، منظر ''السلفية العلمية'' على ترك الجزائر والإلتحاق بالعربية السعودية ليقيم هناك بعد أن تلقى تهديدات بالإغتيال بحجة أنه ''ضلل العلماء السعوديين بشأن حقيقة الوضع في الجزائر'' ودفعهم إلى إصدار فتاوى تحرم ''الجهاد'' المزعوم ليأخذ عبد الحميد فركوس زمام قيادة السلفية بالجزائر· ومع تراجع''السلفية الجهادية'' في أواخر التسعينات بسبب الضربات الموجعة التي تلقتها على يد الجيش وإستسلام آلاف المسلحين في إطار سياستي الوئام المدني والمصالحة، برزت''السلفية العلمية'' بقوة ولفتت انتباه الجميع بكثرة عناصرها التي ترتاد المساجد في مختلف الصلوات وهي مطلوقة اللحى وترتدي عباءات وسراويل فوق الكعب· انحراف وغلوّ طغى نفوذ هذه الجماعة منذ ست سنوات تقريبا وكثر عدد أتباعها وملئوا المساجد ، ويمكن القول إنهم يشكلون نصف المصلين على الأقل علما أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن عدد المصلين يصل إلى 14 مليون يغصّ بهم 15 ألف مسجد بالجزائر· وبدأ أتباع هذه الجماعة ينحرفون بدورهم، فأخذ الكثير منهم يفتي دون علمٍ معتمداً على مراجع مذهبية أخرى غير المذهب المالكي السائد بالجزائر منذ قرون وهو ما أحدث بلبلة وتناقضا مع فتاوى وزارة الشؤون الدينية، كما بدأ بعض السلفيين يقترف سلوكيات غريبة عن الجزائريين ومنها الإفطار في رمضان قبل حوالي 20 دقيقة من آذان المغرب والتسحر بعد نصف ساعة من الآذان الثاني بذريعة ''تعجيل الفطور وتأخير السحور''· كما يحلو لهؤلاء أحيانا مخالفة باقي الجزائريين في يومي بدء الصوم وعيد الفطر، فضلا عن التشدد في أمور الدين والغلو فيها وعدم التيسير في فتاواهم للناس· والملاحظ أن الكتب القديمة التي تحمل أفكاراً غير أفكارهم قد بدأت تختفي من مكتبات المساجد، وبهذاالصدد كشف الشيخ شمس الدين بوروبي وهو أحد أبرز الشخصيات الدينية في الجزائر ل''الإتحاد'' أن غلاة السلفية أعدوا قائمة ل27 عالماً كبيراً يخالفهم الرأي والفكر وفي مقدمتهم محمد الغزالي والقرضاوي والبوطي، وأمروا أتباعهم بسرقة كتبهم من المساجد وإحراقها بذريعة أنها كتب ''بدع وضلال''! ودفع الغلوّ والتشدد بعضهم إلى إحراق 14 مسجداً منذ التسعينات إلى الآن بذريعة أن''الصلاة غير جائزة فيها'' لإحتوائها على أضرحة أولياء صالحين وذهب هؤلاء إلى حدّ تشبيهها ب''مسجد ضرار''· تعليمة ومشادّات قادت هذه الانحرافات شيئاً فشيئاً إلى انحرافات أخطر؛ فقد تخلى بعض السلفيين عن فكرة ''طاعة أولي الأمر ولو كانوا على خطأ'' وبدأ بعضهم يهاجم السلطات، إذ لم يتورع إمام سلفي في خطبتي عيد الفطر عن ''تكفير الحاكم ومن يعمل معه'' وهو ما يؤكد أن ما يفصل ''السلفية العلمية'' عن نظيرتها''الجهادية'' ليس إلا خيط رفيع قد يزول في أي وقت ليندمج الفريقان خلافاً للإعتقاد السائد بأنهما يقفان على طرفي نقيض· كما بدأت الجماعات السلفية تجتمع في المساجد فور صلاة الفجر وتمكث فيها طويلاً وتقيم فيها حلقاتها أيضاً في تحدّ واضح للقانون الذي يحظر على غير الأئمة إلقاء دروسهم في المساجد أو إقامة حلقات· وأدى هذا الوضع إلى إرسال وزارة الشؤون الدينية مذكرة إلى كل أئمة المساجد تأمرهم فيها بإغلاقها فور إنتهاء الصلوات ومنع أية تجمعات للمصلين· وإمتثل الأئمة للتعليمةِ إلا أن السلفيين تحاملوا عليهم وهددوهم بالويل والثبور إن هم تقيدوا بها، ونفذ بعضهم تهديداته فأقدم على طعن أئمة بالسلاح الأبيض مما أدى إلى مقتل إمام مسجد''دوّار الملح'' بولاية عين الدفلى، 144 كلم غرب الجزائر، ليلة عيد الفطر، بينما جُرح إماماَ مسجدي''العامرة'' و''خميس مليانة'' بنفس الولاية و8 أئمة آخرون بمناطق مختلفة من الجزائر بإعتداءات نفذها سلفيون· الاستنجادُ بالأمن وإزاء تفاقم الإعتداءات على الأئمةِ الرافضين لهيمنة السلفيين على المساجد وتعذّر التصدي لهم وحدهم، إستنجدت وزارة الشؤون الدينية بوزارة الداخلية فقامت بوضع الأمن تحت تصرف الأئمة، خصوصا وأن التقارير التي تحدثت عن إجتماعات السلفيين في المساجد بعد صلوات الفجر قد أقلقت السلطات وبعثت في نفسها هواجس من أن تكون تجمعات هؤلاء مقدمة للتحضير لأعمال غير سارة كدعم النشاطات الإرهابية ل''الجماعة السلفية للدعوة والقتال'' وإمدادها بشرياً ولوجيستيكياً· ويقوم الأمن الآن بمراقبة نشاطات السلفيين ورصد حركاتهم وسكناتهم لإجهاض أية محاولة قد يقوموا بها لتعميق الأزمة القائمة والعودة إلى أجواء التسعينات التي شهدت فيها الجزائر أزمة دموية خطيرة أزهقت أرواح 150 ألف جزائري· غير أن للسلطات، بحسب محللين إسلاميين، دافعاً آخر للاتجاه إلى محاصرة السلفية العلمية التي طالما مدت لها يد الدعم طوال التسعينات وهو رغبتها بدعم ''الزوايا الطرقية'' التي تروج للفكر الصوفي ولا تخفي دعمها المطلق للسلطات وبُعدها التام عن السياسة· والملاحظ أن ''الزوايا'' قد بدأت تستعيد تألقها ووهجها الذي إختفى طوال 40 سنة من التهميش، بعد أن وصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة في 1999 وبدأ يعطيها دعما ملحوظا، مما أثار حفيظة السلفيين الذين هاجموها بشدة بإعتبارها تروّج ل''البدع والخرافات والتبرك بأضرحة الأولياء الصالحين ودعوتهم من دون الله''، لتتدخل السلطات بإتجاه تحجيم السلفية التي تمردت عليها لصالح الزوايا المدعّمة لها دون حدود· وتسعى الوزارة حالياً إلى غربلة المكتبات المسجدية من كتيبات السلفيين المحلّية والمستوردة، ونصّبت ''لجان قراءة'' في الولايات الجزائرية ال48 وكلفتها بالإطلاع على مضمون مختلف الكتب التي ''غزت'' المكتبات المسجدية من وجهات مجهولة ومصادرة المتطرّف منها أو تلك التي تروّج لغير المذهب المالكي· وكانت الوزارة منعت مشاركة زهاء 500 كتاب سلفي في معرض الجزائر الدولي للكتاب الذي أقيم بين 31 أكتوبر و10 نوفمبر الماضيين بسبب ترويجها ل''الفكر الجهادي'' و''تهديدها الوحدة الدينية للجزائريين'' وهي إشارة إلى ترويجها مذاهب أخرى غير موجودة في الجزائر التي تسعى إلى الحفاظ على وحدتها المذهبية وإتخاذ الإحتياطات اللازمة للحؤول دون انتشار مذاهب أخرى مما يعني ظهور الطائفية التي ظلت بمنأى عنها، وبالتالي تعميق الأزمة الدموية الجزائرية، ومع ذلك فلتت عناوين من المراقبة وضبطت فيما بعد تُعرض للبيع وهي تحرض على العنف بالجزائر وتعتبره''جهاداً''! وإذا كان السلفيون قد مالوا إلى موادعة الأئمة لتجنب الإصطدام مع الأمن، فإنهم حوّلوا نشاطاتهم إلى خارج المساجد؛ إذ لا أحد يستطيع منعهم من الإلتقاء في محيطها، وقد لوحظ في المعرض الدولي الأخير للكتاب مدى الإقبال المذهل لهؤلاء على الكتاب الديني المستورد الذي يروج للسلفية، ويقوم هؤلاء بالمتاجرة به على نطاق واسع في ''مكتبات رصيفية'' ينصّبونها قرب مختلف المساجد، مما يعني أن الصراع بينهم وبين الوزارة التي تريد الإبقاء على هيمنة المالكية، مستمر وبأشكال شتى وإذا سهُل على الوزارة مراقبة المساجد، فلن يكون بإمكانها مراقبة الأنترنت والفضائيات التي تروّج للسلفية ومختلف التيارات والمذاهب القائمة في العالم الإسلامي· وإذا كانت الوزارة تعتقد أن هؤلاء، وكذا الشيعيين الذين بدأوا يظهرون في الجزائر، يهددون الوحدة الدينية للجزائريين، فإن متتبعين يعتقدون أن إنتشار المسيحية البروتستانتية في منطقة القبائل خاصة هو الذي يهدد وحدة الجزائر وأمنها في الصميم·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©