الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

لماذا تتحوَّل معاركنا الفكرية إلى شتائم؟

23 ديسمبر 2006 02:07
اختلافات القرن الماضي بين المفكرين نشأت لضرورة فرضها سياق النهضة الثقافي الاتحاد ـ خاص: شهدت الساحة الثقافية العربية في القرن الماضي عدداً من المعارك الفكرية والأدبية، خاضها كبار الأدباء والكتاب والمفكرين، واستخدموا فيها جميع أنواع الأسلحة المشروعة للدفاع عن آرائهم وأفكارهم· وتبارت الصحف والمجلات في نشر تلك المساجلات التي أثرت الحركة الفكرية، وبددت ركود الحياة الثقافية، وأهدت المكتبة العربية عشرات الكتب· لكن تلك المعارك المفيدة اختفت من حياتنا الثقافية الراهنة، وحلت محلها أنواع أخرى من الخلافات الشخصية، هبطت إلى مستوى السباب والشتائم، واستخدام جميع الأسلحة المحرمة ''لتكسير'' عظام الخصم! فهل يعكس هذا تراجعاً ثقافياً وفكرياً؟ أم أن طغيان المادّة في زمن العولمة جعل القيمة في ذيل قائمة الاهتمامات؟ وهل يمكن قصر الاتهام على الوسط الأدبي ـ الذي امتلأ بالأدعياء والدخلاء ـ أم أنها حالة عامة أفرزتها عوامل أخرى متشابكة؟ يؤكد تاريخ المعارك الأدبية أنها تمثل قطاعاً حيّاً من قطاعات الحياة الفكرية في الأدب العربي، ظهرت فترة صعود المشاهير إلى سلم الأدب والثقافة، خصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى· ولعل المعارك التي دارت حول اللغة العربية، كانت من أولى المعارك التي عرفتها الساحة الثقافية العربية، وفجرها ما نشره الشاعر والفيلسوف العراقي جميل صدقي الزهاوي في التاسع من أغسطس 1910 تحت عنوان ''لغة الكتابة ووجوب اتخاذها باللغة المحلية'' مطالباً فيه باعتماد العامية· وهاجمه على ذلك الرأي كل من علي يوسف، وحمدي النشار، ورشيد رضا، وفريد وجدي· كما كتبَ أحمد لطفي السيد مقالات عام 1912 دعا فيها إلى تقريب الفُصحى من العامية والعامية من الفصحى وهو ما أثار حفيظة مصطفى صادق الرافعي فهاجم هذا الرأي أيضاً· وجاء كتاب ''البلاغة العصرية'' الذي نشره سلامة موسى عام 1945 ودعا فيه إلى الأسلوب التلغرافي في الكتابة وإدخال الكلمات الأعجمية دون قيد والكتابة بالحروف اللاتينية، وقد اثارت هذه الآراء التي تضمنها الكتاب عددا من المفكرين فتصدى لها الدكتور أحمد الحوفي وعباس محمود العقاد· ربما يكون عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من أكثر المفكرين العرب الذين كانوا طرفاً في معارك أدبية وفكرية، فقد كانت معركة كتاب ''في الشعر الجاهلي/ ''1926 حيث شكك فيه حسين في وجود الشعر الجاهلي، من كبريات المعارك الأدبية التي شهدها القرن الماضي، وسببت أزمة خرجت بها عن نطاق السيطرة بحيث تقدَّم أحد أعضاء (مجلس النواب) ببلاغ هو الآخر يتهم فيه طه حسين بالتعدي على الإسلام· إلا أن هناك عدداً من الأسماء فرضت نفسها في تلك المعارك وحفرت وجودها في الذاكرة الثقافية منها محمود عباس العقاد الذي لم يكن يخرج من معركة حتى يدخل في أخرى· ومصطفى صادق الرافعي، بمنهجه البياني وصولاته وجولاته في معركتي ''تحت راية القرآن'' و''على السفود''· وزكي مبارك الذي كان مولعاً بالمعارك الفكرية والخصومات الثقافية (وليست الشخصية)، لأن هذه المعارك كانت تذكي عزيمته على حد تعبيره· جاءت مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي ليشتد غبار المعركة بين شعر التفعيلة وخصومه من المحافظين· إن ذكر تلك المعارك يصل بنا إلى نوع من الحزن على ما آل إليه واقعنا الثقافي رغم تعدد وسائل الاتصال التي كان من المفترض أن تساهم في تأجيج مثل هذه المعارك الرصينة التي تعود بالنفع على الجميع، وتبث الحياة في الثقافة العربية، إلا أنها على العكس أصبحت أداة طيعة في يد الكثيرين الذين لا يتورعون عن استخدامها في التشويه· المعارك الأدبية في القرن الماضي، وإن انجرف بعضها إلى الأمور الشخصية في بعض الأحيان، إلا أنها في معظمها كانت لأسباب فكرية، ولا يمكن مقارنتها بمعارك الوقت الراهن التي تعمد إلى التشويه! ولا أدل على ذلك من المعركة الأخيرة التي فجرها الشاعر المصري أحمد الشهاوي عندما هاجم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، الذي يرأس (لجنة الشعر)، على خلفية ترشيح اللجنة لشاعر آخر لحضور مهرجان ''مديين'' ـ كولومبيا ـ العالمي للشعر في الوقت الذي تلقى فيه الشهاوي دعوة لتمثيل الشعر العربي في ذلك المهرجان، وأصدر الشهاوي بياناً ترك فيه القضية الأساسية متهماً حجازي بأن حواسه قد تعطلت عن الكتابة، وأنه يمارس كرهه لكل نجاح لعدم صدور ديوان له منذ سبعة عشر عاماً، وانبرت جريدة ''القاهرة'' الثقافية لتؤكد أن الشهاوي كان مدعواً بصفة شخصية، وأنه كان يريد أن تدفع له لجنة الشعر تكاليف تذاكر السفر، بينما ترشح اللجنة في كل عام شاعراً واحداً توفده إلى المهرجان وهي لم ترشح الشهاوي· واعتبر مسؤولو الثقافة أن هذه المعركة كانت نوعاً من الابتزاز غير المبرر، وهنا انتقلت القضية التي حاول الشهاوي طرحها على أنها محاولة من حجازي ولجنة الشعر لإيقاف شعر القصيدة الجديدة إلى مجرد خلافات شخصية حول مسائل مادية أبعد ما تكون عن المعارك الأدبية بمفهومها الحقيقي· ربما يكون الأدباء والمثقفون أقدر الناس على تشخيص ما آل إليه واقعنا الثقافي وطبيعة معاركه الجديدة، فالكاتب خيري شلبي يرى أن الأمر غاية في البساطة، ولا يتطلب خبراء لتشخيص الحال، ففي القرن الماضي كانت المعارك الثقافية تنشأ لضرورة يفرضها سياق النهضة الثقافية بعد ثورة 1919 التي قدمت منجزها السياسي في ثورة يوليو ،1952 وكانت هناك قضايا كثيرة يفرضها الواقع السياسي والثقافي والاقتصادي وتجد مَن هو في مستواها من حيث العلم والثقافة والرغبة الحقيقية في إيجاد حلول، أما الآن فلا توجد معارك لأنه لا يوجد سياق ثقافي أو سياسي، حيث تحكم وجهة نظر واحدة تجعل المعارك تمثل صوتاً واحداً، وأصبحت شخصية لأناس يدافعون عن مصالحهم الشخصية بإلباسها ثوب القضايا العامة، والكل يتوهم أنه يستحق ما لا يستحقه الآخرون''· ويؤكد شلبي أنه لا يمكن أن تنشأ معارك حقيقية إلا إذا عرفنا هويتنا الثقافية، وعرفنا ماذا علينا أن نفعل ليتحقق حلم قومي كبير، وبدون ذلك لا يمكن أن ننتظر عودة للمعارك القديمة· وحول رأيه في دور الفضائيات، وهل كرست مبدأ الخلافات الشخصية وحولت المعارك الأدبية إلى شتائم وسباب ووصلات ردح يفوز فيها الأعلى صوتاً؟ يرى شلبي أن الفضائيات ما هي إلا نتاج لما نحنُ فيه كعرب من السلبية، فقد خرجت هذه الفضائيات لتجد أنه لا توجد قضايا لطرحها فأصبحت تجتر ما هو موجود على الساحة بصالحه وطالحه· أما الروائي محمد البساطي فيرى أن المعارك الفكرية دليل على حيوية المجتمع الثقافي، من حيث كونها نقاشاً جاداً بعيداً عن الأمور الشخصية، ويصل في النهاية إلى نتيجة ترسخ المعرفة، ويقول: لا توجد معارك أدبية أو فكرية حقيقية الآن لأن الفساد الثقافي وصل إلى ذروته، فالمسؤول الثقافي همه الأول البقاء في الكرسي، ولذلك فهو يستقطب عدداً من المثقفين ويترك آخرين خارج الحظيرة -كما يقولون-، وهؤلاء الذين دخلوا لا يتورعون في الهجوم على كل من يعارض المسؤول طمعاً في مكافآته وهي كثيرة''· وفي ظل هذه الظروف لا توجد قضايا فكرية يمكن أن نناقشها لأن تلك النقاشات نوع من الرفاهية في الوقت الحاضر، ويمكننا أن نطرح قضية واحدة للمناقشة عنوانها ''متى يتولانا الله برحمته''؟! أورينت برس·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©