الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المفكرون والعُنف الرمزي

23 ديسمبر 2006 02:08
رسول محمد رسول: كما جاء في المقال الرئيس في عددنا هذا من صفحة (فكر)، كان الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي قد جادل خصومه الأدباء والشعراء بل والفقهاء في قضايا عديدة كانت مدار اهتمام المرحلة الثقافية والفكرية والفلسفية التي عاصرها المتجادلون في ذاك المشهد· كان ذلك في عراق نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن الذي تلاه، وما كان هذا الأمر غائباً في بلدان عربية أخرى ذات حراك ثقافي وفكري مثل مصر وسوريا ولبنان، وبدا مشهد كل ذلك أنه يكشف عن معارك فكرية هائلة، لكنها ما كانت وصلت يوماً إلى العُنف الدموي· ولا يعني هذا أن معاركنا الفكرية الراهنة قد توسَّلت العُنف الدموي في التعبير عن إرادة الخائضين في متونها، وإن كان الراحل نجيب محفوظ قد تعرَّض إلى طعنة بسكين جارح من خصوم فضلوا العُنف الدموي كتعبير عن اختلافهم الراديكالي معه، لكن تلك المعارك كشفت أيضاً عن عُنف رمزي كثير الأثر؛ ذاك الذي جرت صوره بين المفكرين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، خصوصاً بعد أن تسيَّدت الأيديولوجيات السياسية منصة الحراك الفكري في المنطقة العربية، والتي راح دعاتها يمارسون دوراً سلطوياً على المشهد الفكري والثقافي، وتحولوا إلى مفكرين عضويين جهويين لا ينظرون إلى الاختلاف إلا من منظور أُحادي، هو منظور الأيديولوجية التي يفكرون في العالم من حولهم بمقتضاتها· لكن الأمر، وفي راهنيتنا أيضاً، تجاوز مجرَّد العمل بالغطاء الأيديولوجي إلى ما ورائه من أغطية بل وأقنعة مصلحية جديدة تتوسَّل أساليب العُنف الرمزي في الحد من حرية المثقف أو المفكِّر، ومحاولة لجم خطابه والحد من اندلاقه، وبالتالي تقويض وجوده في الفضاء الثقافي والفكري الذي يتحرَّك فيه، كأن تخلق مناسبات لإلغاء مقالاته من النشر في مكانها المعتاد، وحرمانه من المشاركة في المناسبات الثقافية والفكرية، وقمع وصوله إلى الشاشة التلفازية ذات التأثير الخلاب على انتشار شخصية المفكِّر أو المثقف في عالمنا الحالي، والمس بعوائده المالية وبأرزاقه التي يعتاش على دراهمها وأسرته معاً· إن الأقنعة المصلحية هي اليوم تحرِّك قطاعاً واسعاً من الاختلافات الفكرية الراهنة، وفي سياقها هناك من يتحرَّك وفقاً للوبيات من المثقفين هي التي تهيمن على مشاهد فكرية معينة، وهناك من يتحدَّث عن مؤسسات فكرية أهلية هي التي تسمح أو لا تسمح لمفكِّر ما أن يحضر أو يغيب· إن كل تلك الضواغط هي تعبيرات عن عُنف رمزي بات يسيطر على الأداء الفكري في مشاهدنا الثقافية سببه الأقنعة المصلحية وما وراءها من نزوات شخصية ذات سلطة غالبة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©