الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عملية السلام... ومشكلة الشريك الغائب

14 فبراير 2010 20:39
تخبو حدة المواجهة الفلسطينية/ الإسرائيلية، ثم لا تلبث أن تنفجر. وآخر الحروب هي حرب غزة، ولكنها ليست الأخيرة. ففي فلسطين يتواجد خمسة ملايين ونصف مليون إنسان عربي فلسطيني على الأرض، وذلك بالإضافة إلى ملايين الفلسطينيين (بحدود خمسة ملايين) الذين شردوا من بلادهم على مدى الستين عاماً الماضية. ويعيش في الضفة الغربية أكثر من مليونين ونصف مليون فلسطيني بينما يعيش في غزة مليون ونصف مليون في حالة حصار، هذا زيادة على مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني عربي يعيشون في إسرائيل الرسمية ويعدون مواطنين إسرائيليين (ناقصي الحقوق الوطنية والإنسانية). ولو نظرنا لحالة الإنسان العربي في فلسطين لوجدنا أن الذي يربط فلسطينيي غزة والضفة وإسرائيل بفلسطينيي العالم هو الاضطهاد والشعور بالخسارة التاريخية للأرض أمام آلة عسكرية إسرائيلية تسعى لإحلال مستوطنين يهود مكان سكان البلاد الأصليين، كما تسعى لإفقار ومحاصرة سكان البلاد الأصليين في أحزمة من البؤس والفقر. إن أساس الحركة الصهيونية لا زال كما كان في السابق: أخذ الأرض من أصحابها وتهجيرهم إلى مناطق عربية أخرى. إن الحالة الإسرائيلية التي تمارس الاحتلال والحصار والمتواجدة على ساحل فلسطين، والمتفوقة عسكرياً على العرب، هي أقرب للحالة الأوروبية من حيث الدخل وقوة الطبقة الوسطى والامتيازات والاقتصاد والعلم الحديث وطريقة الحياة والرفاه. ومن جهة أخرى نجد أن عالم الفلسطينيين يتكون من أسلاك شائكة وحياة شائكة، ومناطق فقر ترزح تحت حصار وانتهاكات يومية وقمع واعتقال. وفي هذا يعيش الشعب الفلسطيني عملياً حالة فصل عنصري تفرضه إسرائيل في الحياة والأمن، وفي العمل والاقتصاد والاحتلال وطريقة الحياة، كما يعزز هذا الفصل جدار كبير لم تجرؤ حتى جنوب إفريقيا في السابق على تشييد مثيل له. ويقوم بحماية نظام الفصل العنصري هذا الجيش الإسرائيلي بالإضافة إلى نصف مليون مستوطن وضعتهم إسرائيل في كل من القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة. ومن هنا ظلامية الموقف الراهن وصعوبته. إن وضعاً كهذا قابل للاشتعال في أي وقت. وصراع البلدين في بلد واحد أو الشعبين في أرض واحدة متداخل وهو نموذج لصراع التحرر من الاحتلال، بكل المقاييس. فهذه مواجهة بين الخمسة ملايين فلسطيني المتمسكين بالأرض وهم يعيشون عليها وليس خارجها وبين الخمسة ملايين يهودي إسرائيلي الساعين لأخذ الأرض وتهويدها. إنه صراع لم يتوقف ليوم في المئة عام الأخيرة، ولكنه بالتأكيد لن يتوقف في العقدين أو الثلاثة القادمة. إن التركيز الكبير في الخطاب العربي على خلاف "فتح" مع "حماس" لا يغير من حقيقة أن "فتح" و"حماس" تعبير عن حركة مجتمع عربي مضطهد يواجه سياسة حصار واقتلاع بوسائل مختلفة. إن إسرائيل في وضعها الراهن، ليست مستعدة للسلام مع الفلسطينيين، وذلك لأنها تعرف جيداً أن السلام سيجعلها تدفع ثمناً لا تقوى الصهيونية على دفعه، فإسرائيل لن تتخلى الآن عن الاستيطان ولن تتخلى عن نصف مليون مستوطن في القدس والضفة الغربية، كما أنها غير قادرة على التعامل مع الفلسطينيين بعدالة ومساواة بما يعنيه ذلك من تعامل مع مشكلة اللاجئين بجدية ومسؤولية. كما أن إسرائيل تواجه تحدياً حقيقياً في مقدرتها على التعامل مع يهود العالم، إذ تنظر اليهم بصفتهم مشروع هجرة وتجنيد للجيش وقتال ودعم مالي لبناء مزيد من المستوطنات في أراضٍ عربية محتلة. ولهذا من الصعب في هذه المرحلة الإجابة على السؤال: هل تقوم دولة فلسطينية أم دولة واحدة ديمقراطية لجميع الديانات؟ فالإجابة الآن على السـؤال هي: لا هـذا ولا ذاك. إن الأمر الأساسي الآن هو في كيفية تحدي الاحتلال والحصار والسعي لبقاء الفلسطينيين على الأرض في ظل تنمية المجتمع الفلسطيني. وشعار اليوم هو المقاومة. ولكن المقاومة لا يشترط أن تكون عسكرية، فأشكالها كثيرة وطرقها عديدة، وهي تعني في الجوهر تحدي التمدد الإسرائيلي وإيقاف سعيه لابتلاع الأرض وطرد السكان ومحاصرتهم مع العمل على تنمية قدرات المجتمع الفلسطيني ومؤسساته. إن السلام لن يكون ممكناً من دون حدوث تغير كبير في المجتمع الإسرائيلي والرأي العام الإسرائيلي لصالح الاقتناع بأن مستقبل إسرائيل غير مضمون وغير ممكن في ظل أجواء الحرب والاحتلال. إن مستقبل إسرائيل الآمن يتطلب تغيراً جوهرياً في العقيدة الصهيونية يؤدي إلى مصالحة تاريخية، تقوم على الحقوق والاعتراف بخطأ ما قامت به الصهيونية بحق سكان البلاد الأصليين من العرب الفلسطينيين. ولكن هذا سيتطلب من إسرائيل التعامل مع القضايا الحقوقية الأساسية الخاصة بالفلسطينيين كما وقع مع مجتمعات كثيرة، تحررت من الاحتلال، مثلما حصل في جنوب إفريقيا على سبيل المثال لا الحصر. وسيتطلب الأمر صراعاً مريراً قبل وصول الشعب الإسرائيلي إلى نتائج وقناعات من هذا النوع. أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت ينشر بترتيب خاص مع خدمة «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©