الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

مؤتمر «كانكون»: نجاح النظرة الواقعية

مؤتمر «كانكون»: نجاح النظرة الواقعية
19 ديسمبر 2010 20:22
بادرت العديد من الدول حول العالم خلال العقدين الأخيرين إلى وضع سياسات وأهداف لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، إلا أن هذه الجهود، رغم أهميتها، تبقى فردية ومحدودة. فعندما يتعلق الأمر بقضايا مثل تغير المناخ والطاقة وآثارهما على البشرية في جميع أنحاء الأرض، تتضح الحاجة الماسة لاعتماد معاهدة دولية تتمتع بالصفة القانونية وتكون دليلاً إرشادياً للدول في جهودها لوضع سياساتها الوطنية الخاصة بخفض الانبعاثات. وفي هذا الإطار، تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة، بتوجيهات سامية من قيادتها الحكيمة، في المفاوضات الدولية الهادفة إلى التوصل لمعاهدة بشأن التصدي لتغير المناخ. وفي أعقاب عدم إبرام المعاهدة المنشودة في كوبنهاجن العام الماضي، سادت أجواء من الإحباط وفقدان الثقة بشأن مستقبل المفاوضات. وعندما توجه وفد دولة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في المؤتمر السادس عشر للأطراف في “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” الذي عقد مؤخراً في كانكون بالمكسيك، كانت النظرة التي نحملها متفائلة ولكن واقعية وضمن حدودِ ما يمكنُ تحقيقه منطقياً. وكانت هذه النظرة الواقعية من العوامل الحاسمة التي أسهمت في نجاح المؤتمر، لا سيّما أنها كانت سائدة لدى العديد من الوفود المشاركة. النتائج لم تكن الآمال كبيرة في التوصل إلى تطور جذري في كانكون، ففي العام الماضي وأثناء المؤتمر الخامس عشر للأطراف، طرحت اتفاقية كوبنهاجن مجموعة كبيرة من الأفكار الجديدة، بما في ذلك قيام كبار الدول المتسببة بالانبعاثات الضارة باتخاذ إجراءات لخفضها، والتعهد بتقديم 100 مليار دولار سنوياً وعلى مدى عقد كامل لمساعدة الدول النامية. ورغم مصادقة 140 دولة، بينها الإمارات العربية المتحدة، على اتفاقية كوبنهاجن، إلا أنه لم يتم إقرارها كإحدى المعاهدات الرسمية للأمم المتحدة. لكن في هذا العام، توصلت الدول الـ 192 المشاركة في كانكون إلى الاتفاق على صياغة سياسة دولية للتصدي لتحديات تغير المناخ، وذلك عقب أسبوعين من المفاوضات المكثفة والعمل الدبلوماسي الدؤوب. ومن شأن هذه القرارات تصحيح نتائج كوبنهاجن من خلال إرساء أرضية صلبة لمعالجة التفاصيل وتوفير مزيد من الوضوح لما يسعى العالم لإنجازه. وكمثال على ذلك، أشارت اتفاقية كوبنهاجن إلى ضرورة الالتزام بتوفير موارد مالية ضخمة للدول النامية، بينما حددت قرارات كانكون تفاصيل آلية دولية متعددة الأطراف هي “الصندوق الأخضر” من أجل جمع التمويل وإدارته. التعاون الدولي إلا أن العنصر الأهم الذي تحقق في المكسيك هو اعتماد اتفاقيات كانكون ضمن الأطر والأنظمة الرسمية للأمم المتحدة. وخلال العام المقبل، يمكن لأجهزة الأمم المتحدة بدء العمل على تفصيل وتطبيق هذه الاتفاقيات بمشاركة أعضاء المنظمة كافة. ومن النقاط الإيجابية التي تحققت في كانكون أيضاً هو وجود إجماع دولي واسع على النتائج الإجمالية التي توصل إليها المؤتمر، حيث كانت الولايات المتحدة الأميركية والصين والاتحاد الأوروبي والهند من المؤيدين لنتائج المؤتمر. وفي دليل واضح على الأهمية التي توليها دولة الإمارات العربية المتحدة للمساهمة بشكل فعال في التوصل للمعاهدة المنشودة، ترأس سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، وفد الدولة خلال مفاوضات هذا العام، وكان لوجود سموه وحنكته الدبلوماسية دور كبير في النتائج التي تم التوصل إليها. وأسهم وفد الإمارات في طرح وصياغة العديد من قرارات المؤتمر، بما فيها دعم عملية نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية، والتقاط وتخزين الكربون. كما تعاون وفد الإمارات بشكل وثيق مع رئاسة المؤتمر، ممثلة بالمكسيك، حيث قدم لها الدعم والمشورة طوال العام الذي سبق انعقاد المفاوضات وخلالها. وفي ظل إدراك الأطراف لصعوبة التوصل إلى إجماع بشأن عدد من القضايا، بما فيها على سبيل المثال مسألة تمديد “بروتوكول كيوتو” لفترة إلزامية ثانية، كان التأجيل المؤقت هو الحل. فقد أعربت أطراف مثل اليابان والاتحاد الأوروبي عن عدم استعدادها للالتزام بالبروتوكول ما لم يتعهد بذلك أيضاً كبار المتسببين بالانبعاثات الضارة مثل الولايات المتحدة والصين. وأفضل ما تحقق في كانكون هو قطع خطوات مهمة باتجاه المعاهدة التي ينشدها الجميع. وكلنا أمل أن يسهم الاجتماع المقبل لمؤتمر الأطراف الذي سيعقد في جنوب أفريقيا بمدينة ديربان في قطع خطوات أكبر. ورغم عدم التوصل إلى إجراءات ملزمة قانونياً، إلا أن مؤتمر كانكون نجح في تحقيق الكثير من الخطوات المهمة، فقد وضعت قراراته إطاراً رسمياً لتعهدات الدول المتقدمة والنامية بخفض الانبعاثات، الأمر الذي من شأنه تسهيل التوصل إلى المعاهدة المنشودة بشأن تغير المناخ في المستقبل. كما أرست هذه الاتفاقيات منهجية شفافة لتقييم مدى التقدم الذي يتم إحرازه نحو تحقيق هذه التعهدات، مما سيسهم في تعزيز ثقة الجميع بالجهود المبذولة على هذا الصعيد. وعلاوة على ذلك، تم تأسيس آلية جديدة لتعزيز التعاون الدولي بشأن التقنيات النظيفة وتشجيع نقل التكنولوجيا المتطورة إلى البلدان النامية. ورغم الحاجة إلى تحديد تفاصيل عمل هذه الآلية، إلا أنها ستشمل مبدئياً إنشاء شبكة من مراكز التميز التكنولوجي في مختلف أنحاء العالم والتي ستضم كوادر رفيعة المستوى من الخبراء والمتخصصين. أهمية نتائج كانكون لدولة الإمارات وفي إطار تشجيع الجهود الرامية للتصدي لتغير المناخ، تم التوصل إلى قرار أولي لدعم عمليات التقاط وتخزين الكربون، وهي تقنية مبتكرة لتخزين ثاني أكسيد الكربون في باطن الأرض مقابل أرصدة يمكن تداولها، وذلك وفق النظام الدولي المعروف بـ”آلية التنمية النظيفة” الخاص بالدول النامية. وتعد هذه الآلية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها من كبار منتجي النفط والغاز، حيث ستسهم في دعم المشاريع الاستراتيجية الجاري تنفيذها من خلال التعاون الوثيق بين “مصدر” وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) والهادفة إلى بناء شبكة متكاملة لالتقاط الكربون وتخزينه في حقول النفط لتعزيز استخراجه واستثمار الغاز الطبيعي الذي كان يستخدم لذلك الغرض. كما تقرر إنشاء “الصندوق الأخضر” بهدف تعزيز أسواق الطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم ومساعدة الدول النامية في التكيف مع انعكاسات تغير المناخ والتصدي لها. ويعتبر إحراز هذا التقدم في كانكون مهماً على أكثر من مستوى بالنسبة لنا في دولة الإمارات، فهو يوفر فرصاً اقتصادية جديدة من خلال تأسيس “الصندوق الأخضر” وإيجاد آلية لنقل التكنولوجيا. وسيسهم ذلك في تعزيز التعاون الدولي بشأن الطاقة النظيفة ويسهل الوصول إلى أحدث التقنيات والتمويل الدولي للعديد من المشاريع والمبادرات التي تقوم بها دولة الإمارات لخفض انبعاثات الكربون وحماية البيئة. ودون شك، يدرك المجتمع الدولي أن تغير المناخ يشكل خطراً كبيراً على الجميع، فارتفاع درجات الحرارة ومستوى سطح البحر سيكون لهما أثر كبير في كل أنحاء العالم، لا سيما في منطقتنا، مما يعني أن مصلحتنا تقتضي المبادرة إلى العمل من الآن لإيجاد الحلول الناجحة. ولقد قطعت الإمارات العربية المتحدة شوطاً كبيراً في ترسيخ مكانتها كإحدى الدول الرائدة عالمياً في العمل لتحقيق التنمية المستدامة، وتجلت هذه المكانة الرائدة من خلال الدور الفاعل الذي قامت به في المفاوضات الدولية الجارية بشأن تغير المناخ، خاصة خلال مؤتمر كانكون. جهود الإمارات لضمان المستقبل إن التوجه العالمي نحو التركيز على بناء اقتصادات نظيفة ومستدامة يتيح فرصاً كبيرة للابتكار ودفع عجلة النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل وتحسين مستوى الحياة وجودتها. وبتوجيهات من قيادتنا الرشيدة، فإن دولة الإمارات عازمة على القيام بدور فاعل في هذا النقاش العالمي حول الطاقة النظيفة وأهمية دورها الاقتصادي. وتشمل جهود الدولة على هذا الصعيد الاهتمام بتنويع مصادر الطاقة، حيث أطلقت حكومة أبوظبي مبادرة “مصدر” متعددة الأوجه بهدف الاستثمار في مختلف جوانب الطاقة المتجددة وأحدث التقنيات النظيفة؛ وتم تأسيس “مؤسسة الإمارات للطاقة النووية” بهدف إنتاج الكهرباء النظيفة؛ كما تعمل أبوظبي على تطوير وتطبيق تقنيات رائدة لالتقاط وتخزين الكربون. وفي الوقت ذاته، يجري العمل على تحسين كفاءة استهلاك الطاقة في المباني، والاستثمار في تطوير وسائل النقل العام، إضافة إلى إطلاق حملات إعلامية لا يقتصر دورها فقط على تعزيز وعي الجمهور بالمشاكل الناجمة عن الانبعاثات الضارة، ولكنها تهدف إلى توفير فهم عميق للخطوات الواجب اتخاذها للمساهمة في حماية البيئة. كما حققت دولة الإمارات إنجازاً كبيراً ساهم في تعزيز دورها في المجتمع الدولي، حيث تم اختيار “مدينة مصدر” في أبوظبي لتكون مقراً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة “أيرينا”، كما أن الدولة عضو مؤسس في “المؤتمر الوزاري العالمي للطاقة النظيفة”، الذي تستضيف أبوظبي اجتماعه المقبل في أبريل من عام 2011. وفي إطار هذه الجهود، تم تأسيس “القمة العالمية لطاقة المستقبل” التي تنعقد سنوياً في أبوظبي كمنصة فريدة من نوعها على مستوى العالم للتعاون والاستثمار وإبرام الشراكات في قطاع الطاقة المتجددة. وختاماً، تتجسد أهمية الدور الفاعل لدولة الإمارات في المفاوضات الرامية للتصدي لتغير المناخ، في أن شركاءنا الدوليين سوف يواصلوا النظر إلى الدولة كمساهم ناشط في الجهود الدولية. وفيما يتجه العالم نحو خفض انبعاثات غازات الدفيئة وتعزيز أسواق الطاقة النظيفة والاستخدام الأمثل للوقود التقليدي، فإن دولة الإمارات عازمة على استمرار دورها الفاعل لتكون في صدارة هذا القطاع، وتواصل السير على نهج التنمية المستدامة. مبعوث دولة الإمارات العربية المتحدة الخاص لشؤون الطاقة وتغير المناخ والرئيس التنفيذي لـ “مصدر”
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©