الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

باتريك موديانو.. خرج إلى العالمية من شوارع باريس الخلفية

باتريك موديانو.. خرج إلى العالمية من شوارع باريس الخلفية
10 أكتوبر 2014 00:21
لم يكن اسم الروائي الفرنسي باتريك موديانو، خارج لائحة التوقعات التي تسبق عادة إعلان الفائز بجائزة نوبل للآداب. فصاحب «عشب الليالي» قاسم آخرين لوائح الترشيحات للجائزة الأدبية الأرفع في العالم، والتي يعدها في العادة نقّاد محترفون، وصحفيون يبحثون عن السبق الصحفي، وهواة أدب. وحتى ظهر أمس الخميس (بتوقيت غرينيتش)، كان موديانو مجرد اسم إلى جانب الياباني هاروكي موروكامي، والجزائرية آسيا جبار، وغيرهما. لكن عند منتصف نهار أمس، خرج السكرتير الدائم للاكاديمية السويدية بيتر انغلوند، أمام عدسات الإعلام، لكي يذيع اسم الفائز صاحب الرقم الخامس عشر، في سلسلة الفائزين بهذه الجائزة. وبحسب بيان الأكاديمية السويدية فتم تكريم موديانو بفضل «فن الذاكرة الذي عالج من خلاله المصائر الإنسانية الأكثر عصيانا على الفهم». وقال انغلوند إن عالم باتريك موديانو «عالم رائع، وكتبه تتحاور في ما بينها». وينظر الى أعمال الروائي الفرنسي على أنها ساحة ثابتة للأحداث، لا يقع فيها أي تفصيل من باب المصادفة. ويبلغ الكاتب الفرنسي المكرم 69 عاما، وهو ركز نتاجه الأدبي على مدينة باريس خلال الحرب العالمية الثانية، مع وصف لتداعيات أحداث مأساوية على مصائر أشخاص عاديين. ويمتاز أسلوبه بالوضوح والبساطة، وقد جعل ذلك منه أديبا في متناول الجمهور العام كما في الأوساط الأدبية. وقال انغلوند إن «كتبه تتحدث كثيرا عن البحث، البحث عن الأشخاص المفقودين والهاربين، وأولئك الذين يختفون، والمحرومين من أوراق ثبوتية، وأصحاب الهويات المسروقة». فأبطال روايات موديانو هم غالبا من الأشخاص الباحثين عن هوياتهم، يكبرون بين عالمين، بين الظلام والنور، وبين الحياة في المجتمع والمصير الذي يحلمون به. وترسم نصوصه صورا حية لباريس بدقة تحاكي الأعمال الوثائقية. يذكر أن موديانو نشر روايته الأولى سنة 1967 عندما كان في الثانية والعشرين من العمر تحت عنوان «لا بلاس دو ليتوال» (ساحة النجمة). وفي سنة 1972 نال جائزة الرواية الكبرى من الأكاديمية الفرنسية عن روايته «لي بوليفار دو سانتور» (جادات الحزام) وجائزة غونكور سنة 1978 عن «رو دي بوتيك أوبسكور» (شارع المتاجر المعتمة)، فضلا عن الجائزة الوطنية الكبرى لمجمل أعماله سنة 1996. كما كتب سيناريوهات عدة، ومحاولة أدبية مع الممثلة كاترين دونوف عن شقيقتها التي ماتت في سن مبكرة، وكلمات لأغان فرنسية عدة. وفي العام 2000 كان ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائي. وترجمت روايات باتريك موديانو إلى 36 لغة. وبالحصول على الجائزة، يخلف موديانو الروائية الكندية الكاتبة باللغة الانجليزية أليس مونرو، التي حازت الجائزة نفسها العام 2013. وكان آخر فرنسي يفوز بالجائزة قبل موديانو هو جان ماري لو كليزيو، وهو فار بها في العام 2008. وعلى مدى تاريخ منح الجائزة، كرم 27 أديبا باللغة الانجليزية، في مقابل 14 أديبًا باللغة الفرنسية، ومثلهم باللغة الألمانية. ومن المقرر أن يستلم الجائزة في حفل يقام في ستوكهولم في العاشر من كانون الاول (ديسمبر). ويقدم مبلغ قدره ثمانية ملايين كرونة (حوالى 878 ألف يورو) للفائز بهذه الجائزة. ولد باتريك موديانو، في باريس عام 1945، من أب إيطالي وأم بلجيكية، التقيا في باريس زمن الاحتلال. عاش طفولة ترنحت بين غياب الأب، وجولات الأم التي كانت تعمل ممثلة سينمائية. ترك موت أخيه «رودي» جرحاً لا يندمل في نفسه، وظل يهدي إليه أعماله المكتوبة بين 1967 و1982. ويقول عن ولادته: «المصادفة هي التي خلقتني عام 1945، هي التي وهبتني أصولاً مضطربة، وهي التي حرمتني من محيط عائلي، فلا يمكنني أن أكون مسؤولاً عن الأفكار السوداء والقلق.. فأنا لم أختر، البتة، مادة كتبي». تعرف إلى الكاتب الفرنسي ريمون كونو وهو في سن الخامسة عشرة فأخذ بيده إلى عالم الأدب، بعد أن قرأ مخطوطة روايته الأولى «ساحة النجمة» عام 1967. وباتريك موديانو، ليس بعيدا عن الأوساط الثقافية العربية، على الرغم من أن شهرته بين قراء العربية لا تضاهي روائيين وكتّاب آخرين، سبقوه إلى المنطقة، عن طريق الترجمة، أو عن طريق الشهرة التي حققوها بعد فوزهم بجوائز مرموقة مثل سلفه الفرنسي جان ماري لو كليزيو. ولعل أهم ما يربط موديانو بالمنطقة العربية، هي روايته «عشب الليالي» التي عقدها على قصة اختطاف وإخفاء السياسي المغربي المهدي بن بركة في فترة الستينيات من القرن الماضي. فأحداث الرواية تدور في شوارع باريس، حيث خطف بن بركة، ومن بين شخصياتها يوجد من ينتمي إلى أجهزة المخابرات التي كانت تتعقب المناضل المغربي. وكان موديانو حينها في مطلع عشرينياته، وعن تلك الفترة يقول: «كانت مرحلة غائمة أو بالأحرى ضبابية. لم أكن قد بلغت 21 سنة. وكنت حينها أعيش، إلى حد ما، حياة مهاجر سري عابر في باريس، وأرافق أناساً يرتبطون، بشكل غير مباشر، بعالم مشبوه، وأتردد على أمكنة غريبة. وكانت توجد هنا وهناك مؤشرات على ما سيصبح لاحقاً معروفاً بقضية بن بركة». من خلال عملية التحري التي يجريها المؤلف، سرديا، عن عملية الاختطاف، فإنه يدخل إلى تلافيف المدينة، القذرة منها، والملتبسة والواضحة. من هنا يصبح قتل إنسان، في السرد، هو مجرد قتل كما يرد على لسان إحدى الشخصيات، أو إنها «مجرد رصاصات طائشة». وذكر بعض النقّاد عند صدور الرواية، أنها تتماهى في بعض محطاتها مع سيرة مؤلفها نفسه، على الأقل من خلال معايشته لمجريات مرحلة الستينيات، وعلى هذا الأساس فإنها تمثل «مقاومة النسيان وإعادة إحياء الأشخاص والأماكن، وذلك عبر تصوير شمولي وانطباعي». وهذا ما يؤكده موديانو في حوار نشرته مجلة «أنروك أبتبيل» الفرنسية، العام الماضي، مبيناً أن روايته تجسد صدى لمخزون ذكرياته لفترة الشباب، عن باريس وساحاتها وأهوالها ومخاوفها في العقد السادس من القرن العشرين. إذ طالما رآها حينها، مضمخة بالفزع والأهوال. ويضيف: «كانت باريس سنوات ستينيات القرن الـ20: خطيرة للغاية، مظلمة ومضطربة.. كانت على مرمى حجر من الحرب التحريرية الدائرة في الجزائر. أرّخت لنفسي عبر محطات في الرواية. فحينها لم أدرس، كنت قاصراً.. كانت باريس أيامها تخيفني، يمكننا أيضاً أن نلتقي بكبار السن الذين يخبرونك عن ذلك». ويستطرد قائلا: «بعض الأحياء في باريس كان مضطرباً أثناء حرب الجزائر، وخاصة في الحي الثامن عشر في منطقة ربورت كليانكور. فالناس الذين كانوا يزوروننا في شقتنا، كانوا يأخذونني إلى أماكن غريبة، وهي مرتبطة بحرب الجزائر، حيث تنتشر هناك مقاه في بورت دي اتالي في بوليفار فنسان ــ أوريول. كانوا بشراً مرتبطين برجال الشرطة من الفرنسيين أو الجزائريين. هؤلاء الناس يراقبون كل شيء. كل هذه الأشياء كانت تفزعني». بعيدا عن هذا «الجانب العربي» ـ إذا جاز التعبير ـ في إنتاج موديانو، فهو يعتبر «حكّاء باريس» بامتياز، منها ميادينها وأحيائها وشوارعها الفسيحة والضيقة، يستمد أعماله. والمثال الأبرز على ذلك، هي روايته «في مقهى الشباب الضائع». فأحداثها تدور في غالبيتها في الدائرتين 9 و18، ما بين لاترينيتي ومونمارتر. وهو في حوار مع مجلة «لونوفيل أوبسرفاتور»، يقول انه ما زال يتذكر المرة الأولى التي زار فيها تلك المنطقة عندما كان صبيا. يقول: «كانت أمي تؤدي دورا هامشيا في مسرح فونتين. فررت منها كي أتجول في ذلك الحي الذي يتشكل من مرتفعات عدة، وقد أدهشني منذ المرة الأولى». عالج موديانو في رواياته موضوعات مؤثرة جعلت قراءه يتلهفون دائماً لمطالعة كل جديد لديه، خاصة انه كتب من وحي عذاباته الشخصية فهو وفي مجمل أعماله يبحث عن صورة الوالد الغائب، ويجمع بين مسألتين أساسيتين: البحث عن الهوية وبالتالي البحث عن الذات مقرونة بقضية عصرية وهي الشعور الإنساني الفردي بضعف الإنسان أمام الفوضى والعبثية في كافة المجتمعات، ما خلق بالتالي صورة خاصة للكاتب المراقب الذي يحاول أن يشير الى التفاصيل في الماضي كما في الحاضر ويربط بينها ويحلل وكأنه مؤرخ وعالم آثار ومحلل نفسي واجتماعي. وموديانو لا يستسيغ كثرة الحديث، فهو يدهش من هؤلاء الناس الذين يجيدون الكلام، ويكتب ليكتشف ذاته، أو يكتب عن صورته ويستلهم واقعه وحياته الشخصية، ويمزج بين السيرة والأحداث، وتخيله كله مبني على تنشيط ذاكرة التخطيط والأمكنة التي تكاد تكون لامرئية. ويرى أن الحياة عبارة عن مجموعة من الصور القديمة في صندوق الذاكرة، ويكتب «كسائق يقود في الضباب» كما قال في إحدى حواراته. ومن الملاحظات التي كتبها، ونشرها في بعض الصحف الفرنسية: «أنا أحب أن اختلط بالناس. لقد كنت أراهم كما لو كنت أشاهدهم من وراء زجاج حوض أسماك الزينة.. شعرت بالفعل أنني سوف أستخدمهم في الكتابة». و«كما شخصياتي، كنت أرتاد حرم الجامعة، وجناح المغرب دون أن أكون طالبا. كانت مثل إمارة غريبة على مشارف باريس مع طلاب حقيقيين ومنتحلي صفة الطلاب، مثل ميناء حر، تراقبه الشرطة». (الاتحاد ـ أبوظبي) «الأفق» الباريسي يتميز باتريك كوديانو عن الروائيين الفرنسيين، بعلاقته الوطيدة مع باريس إذ يتخذ من فضاءاتها مسرحاً لأعماله، كما فعل في رواية «مقهى الشباب الضائع»، الصادرة ترجمتها العربية عن «الدار العربية للعلوم ناشرون»، فانطلاقاً من مقهى «كوندي» ينسج الكاتب رؤية تكونها التفاصيل والمشاهد المتقاطعة. وهو ما يفعله أيضا في رواية «الأفق» حيث يتضح ذلك في هذا المقطع: راح يتمشى على طول شارع الاوبرا، وكانت الساعة نحو السابعة مساء. هل هي الساعة التي احاول ان احددها هنا في هذا الشارع القريب من الجادات الطويلة ومن شارع البورصة؟ الآن يتوضح امامه وجه ميرويه. انه شاب يافع يرتدي سترة وتبرز على كتفيه خصلات شعره الذهبي اللون، حتى انه يراه يرتدي بزة «خاصة بالموظفين الواقفين أمام المطاعم أو أمام الفنادق الضخمة، وهو يمتلك وجه طفل شاخ باكراً. كذلك وجه ميروفيه يبدو ذابلاً مع صغر سنه. يبدو اننا ننسى الأصوات ايضا مع مرور الوقت. ومع هذا، هو يسمع صوت ميروفيه، ويتذكر تلك النبرة الحديدية والمحددة لتتلفظ بكلمات جريئة ووقحة، تلك النبرة التي تطمح بأن تكون مثل نبرة «غافروش» أو اي «داندي» متأنق. وفجأة يتحول الى ضحكة عجوز. كان ذلك الصوت يصل من ناحية البورصة، نحو الساعة السابعة مساء عند خروج الموظفين من مكاتبهم. راح الموظفون يتوافدون الى الخارج مثل سيول هائجة فيصلون اليك ويأخذونك بالفيضان الهائل. عناوين في سيرة موديانو نشر باتريك موديانو خلال السنوات الأربعين الماضية قرابة عشرين رواية منها: «دائرة الليل» 1969، «شوارع الحزام» 1972 التى حصلت على الجائزة الأدبية الفرنسية. ثم «المنزل الحزين» 1975 التي حصلت على جائزة المكتبات. و«كتيب العائلة» 1977، و«شارع الحواديت المعتمة» 1978، و«شباب» 1981، و«أيام الأحد» في أغسطس 1984، و«مستودع الذكريات» 1986، و«دولاب الطفولة» 1989، و«سيرك يمر» 1992، و«محلب الربيع» 1993، و«بعيداً عن النسيان» 1994، و«دورا بروريه» 1997، و«مجهولون» 1999، و«الجوهرة الصغيرة» 1999، و«حادث مرير» 2003، و«مسألة نسب» 2005، وفي مقهى الشباب» 2007.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©