الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حوار الرصاصة والفكر

حوار الرصاصة والفكر
13 سبتمبر 2012
لا يحتاج الأمر الى اجتهاد كبير للتأكيد أن العنف يزداد في مجتمعاتنا، عنف يمارسه الافراد تجاه بعضهم، وعنف تمارسه جماعات بعينها تجاه جماعات أخرى، وعنف يمارسه افراد، أو جماعات تجاه السلطة، وفي المقابل عنف تمارسه السلطة تجاه الافراد والمواطنين، ولدى رجال القانون وعلماء الاجتماع وخبراء الجريمة الكثير من الدراسات والتحليلات حول هذه الظواهر التي تتسع عاماً بعد عام. علماء النفس لديهم كذلك تصورات لهذه الحالة، ومن أكثرهم انشغالاً بها د. قدري حفني استاذ علم النفس السياسي، بجامعة عين شمس، وفضلاً عن ذلك فقد كان في بداية حياته ضحية للعنف السياسي، تخرج في جامعة عين شمس عام 1958 وفي العام التالي مباشرة تم اعتقاله، ضمن حملة عبدالناصر ضد اليساريين في مصر، وظل معتقلاً حتى أفُرج عنه عام 1964 وتم تعذيبه بشدة طوال سنوات الاعتقال، من هنا فإن كتابه الاخير “العنف بين سلطة الدولة والمجتمع” ليس دراسة علمية فقط، لكنه يعبر كذلك عن خبرة خاصة عاشها هو ومر بها، وكتب عنها في الكتاب الذي بين أيدينا. المجرم والإرهابي العنف في القضايا العادية أمره سهل وحدوده معروفة جريمة أو جنحة، أما في الحالة السياسية فهو يختلط بكثير من المصطلحات والمعاني، مثل التطرف والتعصب والارهاب والاصولية والاستشهاد والتضحية والفدائية وغيرها، الأمر في النهاية يتوقف علي هوية المتحدث وموقعه الفكري والسياسي، الذي قام بعملية اغتيال رئيس وزراء مصر محمود فهمي النقراشي، كان يعد نفسه مجاهداً وأنه يسعى للشهادة، لكنه من وجهة النظر الأخرى، اعتبر إرهابياً وقاتلاً. ويلاحظ د. قدري ان العنف السياسي يدور في جوهره حول السلطة ورموزها، ومن ثم فإنه يتحرك في مسارين أساسيين، أولهما أن يكون متجهاً نحو الممسكين بالسلطة ورموزها بهدف انتزاع السلطة منهم وإسقاطهم عنها ليحلوا هم محلهم، او يكون لهم حق مشاركتهم بها. الثاني ان يكون العنف موجهاً من السلطة ورموزها إلى آخرين ينازعونهم إياها والهدف التخلص من هذه المنازعة بهدف استمرار البقاء في السلطة، مستميتين بها وحدهم مع إحكام سيطرتهم وقبضتهم عليها، وفي التحليل النهائي يصبح العنف السياسي عنفاً متبادلاً بين الطرفين ومن ثم فهو عنف يختلف عن أنواع العنف الأخرى. ويتميز العنف السياسي بالطابع الرمزي، في جوانب العنف الأخرى يكون هناك شخص يتم استهدافه لذاته أو استهداف ممتلكاته، لكن في الحالة السياسية لا يكون الشخص مقصودا لذاته بل يتم استهدافه بحكم منصبه كأن تقرر جماعة ما اغتيال وزير أو رئيس وزراء، أو اغتيال شخص لوضعه الاجتماعي او الفكري والديني وربما العرقي، كما حدث مؤخرا من اغتيال شيخ احدى القبائل في شمال سيناء، ولذا ففي الغالب لا تكون هناك اي علاقة شخصية، او مباشرة بين القاتل والمقتول، في جريمة اغتيال د.فرج فودة اعترف القاتل في تحقيقات النيابة بأنه لم يقرأ كلمة للدكتور فرج ولا يعرفه شخصيا، ولكنه كان ينفذ فتوى صدرت، ويتقرب إلى الله بتنفيذها، وانه يعتبر نفسه شهيداً لو تم إعدامه، أو لو قتل في تنفيذ العملية. رمزية العنف وحيث إن العنف سيكون رمزياً، فقد يتجه الى بعض الافراد، بعد ان يغادروا مناصبهم ومواقعهم، ذلك ان المسؤول لا يفقد صفته الرمزية اذا غادر موقعه، هل تتذكر اغتيال وزير الاوقاف المصري الشيخ الذهبي عام 77، بعد ان خرج من الوزارة؟، وهل تتذكر اغتيال شاهبور بختيار رئيس وزراء ايران السابق بعد اكثر من عقدين على خروجه من منصبه؟! الرسالة ـ هنا ـ واضحة، وهو ان ترك المنصب لا يحمي صاحبه من الاستهداف، ويكون عنفا موجها الى الآخرين الذين مازالوا في مواقعهم بأنهم لن يكونوا في مأمن. لا يتوقف البعد الرمزي على القيادات فقط، ولكن يمكن استهداف افراد عاديين ينتمون الى الجماعة الاخرى، وهذا يحدث في النزاعات الطائفية والمذهبية، كما وقع مؤخرا في لبنان. العنف أو الجريمة السياسية ليست فردية، بل نابعة عن عمل جماعي، عادة يكون هناك تنظيم يقرر القيام بالعملية، وهناك من يبدأ جمع المعلومات ثم وضع الخطة، أو الخطط وتحديد من يقوم بالتنفيذ وليست مثل الجرائم الاخرى التي يغلب عليها الطابع الفردي. ولا يملك د. قدري وصفة جاهزة، أو قاعدة جامعة مانعة لمقاومة العنف السياسي، لكنه يطرح تصورين.. الاول هو الفكر بالفكر أو الرأي بالرأي، أما الرصاصة فتتقابل بالرصــاصة، وهو هنا يدعو الى التفرقة بين الفكر والرأي في جانب والفعل أو السلوك في جانب آخر، وإذا كان من الخطأ مواجهة الفكر بالرصاص أو الاعتقال فمن الخطأ ايضا مواجهة الرصاصة بالرأي. الثاني: إنه لا حدود لحرية الفكر، بمعنى ان يطلق العنان لكل الآراء والافكار، سواء كانت تعبر عن مواقف قومية، أو مذهبية ودينية، أو حتى عرقية، هذا ما يضمن عدم ظهور العنف السياسي وتحوله الى الجريمة السياسية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©