السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استقراء كوارث العقل المادي

استقراء كوارث العقل المادي
13 سبتمبر 2012
يذكر مؤلف كتاب “مطارحات في العقل والتنوير” بشير ربوح ان الفكر الفكر العربي الإسلامي انخرط منذ عصر النهضة في توجه فكري قد تميز بنزعتين متباينتين، إحداها تسعى إلى تبني أسلوب نقل النصوص التراثية، والعمل على تحييدها في عصر غير عصرها، وزمان غير زمانها، وأخرى ترمي إلى نقل الفكر الفلسفي الغربي بمختلف مدارسه وتوجهاته بغية التواصل مع منجزات العصر الفلسفية، ومهما كان المسار الذي تبناه الفكر العربي، يعتبر أن النتيجة واحدة، وهي أنّ العقل العربي في كلا المسارين قدم استقالته، وتنازل عن حقه في الإبداع والتفرد برؤيته وذاتيته التي تعبر عن شخصيته الفلسفية، مستثمراً قدر المستطاع مكتسبات تراثه ومنجزات حداثة الآخر الغربي، غير أن الخروج من هذا الوضع المتأزم، وفي الوقت ذاته الاجتهاد في بناء فلسفةٍ ذاتيةٍ متجذرةٍ في تراثها التاريخي ومنفتحة على عصرها، يقتضي منه، إن أراد أن يحقق هذا المشروع الرهان، أن يجتهد في تطوير قدراته المعرفية والفلسفية وتفعيلها. يذكر ايضاً المؤلف إذا كان الموطن الأصلي لأي مقولة فلسفية هو النص الفلسفي ورؤيته، فإن التنقيب عنها يقتضي التوجه رأساً نحوه، والاشتغال عليه تحليلاً ونقداً، من أجل استكشاف الفكرة. وانسجاماً مع هذا، بدأ دراسة النص الفلسفي الغربي في مختلف تشكلاته، مبرزاً أن منبعها مصدر واحد وهو: العقل المادي. وقد باتت إشكالية البحث والتنقيب عن العقل المادي في النص الفلسفي الغربي المعاصر، إحدى المسائل التي خمن فيها المسيري تخميناً يذهب نحو تتبع واستقراء نتائج العقل المادي الخطيرة والكارثية على الفكر الغربي، بغض النظر عن مسار النص وحركيته المعرفية، بهذا المعنى الحفري حرص المؤلف على استنطاق النص الاقتصادي، والذهاب في تفسيره وتفكيكه أبعد مما ذهب إليه ماكس فيبر، ثم مساءلة مبدأ دوسوسير اللغوي الذي يؤسس لاعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول لمعرفة نتائجه المعرفية الكبرى، ومنها يكون المسيري قد اقترب من نص دريدا التفكيكي بنزعته الهجومية في تفجير النص الفلسفي من الداخل، حتى نقضي على المركز باعتباره الموطن الأخير للميتافيزيقا. ومن هنا، يكون اشتغاله الفلسفي متعلقاً أساساً بإشكالية العقل المادي الكامن في جوف النص الفلسفي الغربي، وكمقولة معرفية تحوز شرف السبق، وكمفهوم مركزي يتحكم في مسار العقل الغربي، ولا يكترث على الإطلاق بالمسائل التي يبحث فيها. ومنه يكون التساؤل المركزي والرئيسي الذي يحوي في داخله هذه الإشكالية. وفيما يتعلق بأهم الصعوبات التي واجهت تأليف الكتاب، فإن الصعوبة الأولى هي قلة الدراسات التي تعرضت لموضوع العقل عند المسيري، كموضوع مستقل بالدراسة والتحليل وارتباطه بالنسق الاقتصادي، والتأسيس اللغوي والمسعى التفكيكي، بالإضافة إلى قلة الدراسات حول فكر المسيري بصورة عامة، كونه من المباحث الجديدة في زمن طرحها، وفي طريقة معالجتها للقضايا، ومساءلتها المعرفية للمشكلات. يقول عن الميسري في هذا الكتاب كيف أنه قد لجأ الى استثمار الشواهد اليومية والمعطيات التاريخية والاجتماعية والاهتمام بالأقوال والمواقف بغرض استخراج النموذج المعرفي الكامن فيها، كما ويعتبره من بين الصعوبات وقد واجهها في تأليفه، بالإضافة إلى عدم وجود بحث معرفي قائم بذاته في النسق العام لرؤية المسيري، ما يتطلب البحث في هذا الفضاء الموسوعي المترامي الأطراف. فابتساع الموضوع وملامسته لقضايا عديدة مرتبطة بالاقتصاد والألسنية والتفكيكية. كما وقد وصل إلى مرحلة الحديث عن المحطات الثلاث، والتي التزم بها من أجل بسط موضوعه الذي بحث فيه عن رؤية المسيري لمفهوم العقل في متون النص الفلسفي الغربي، بطريقة نقدية، كاشفاً عن أعطاله الفكرية وقدرته على توجيه الفكر نحو مسالك مادية خالصة. تحدت مؤلفه عن أهمية النقد في الفكر العربي/ الإسلامي وقيمة الموضوع الذي اهتم به المسيري من زاوية معرفية، والتي غدت، دوافع أساسية لالتزامه بهذا البحث، والإشكالية الرئيسية والمنهج المتبع في الدراسة، إضافة إلى صعوبات البحث. قدم “مقاربة تأسيسية” وفيها مقاربة لغوية وإصطلاحية لمفهوم العقل بأفق تاريخي، كما وعرض فيها أهم المحطات التي عبرها هذا المفهوم أثناء ترحاله في تاريخ الفلسفة الإنسانية بصفة عامة. ثم علاقة المفهوم بالرحلة الفكرية لحياة المسيري عبر لحظاته المعرفية، وبعد ذلك تحدث عن المصدر الرئيس الذي استقى منه المسيري فكرة العقل الأداتي، باعتباره تمظهراً أساسياً للعقل المادي، والعقل النقدي القادر على مناطحة العقل المادي/ الأداتي، والكشف عن فاعليته في التأثير على الفكر الفلسفي الغربي. وأعني بالمصدر “ مدرسة فرانكفورت”، ثم خلاصة لأهم النتائج. اما في” مقاربة تحليلية”، فاعتمد فيها على تحليل الرؤى المختلفة التي شكلت مادة تحليلية بالنسبة للمسيري، بداية من النص الاقتصادي لماكس فيبر، حيث اجتهدت أولاً، في تقديم عرض أولي لرؤية ماكس فيبر في كيفية نشوء الرأسمالية انطلاقاً من محضن بروتستانتي، ثم بعد ذلك استعراض رؤية المسيري لهذا النص، والشيء ذاته بالنسبة لأطروحة فرديناند دوسوسير الألسنية، التي يتحدث فيها عن اعتباطية العلامة اللسانية، وموقف المسيري منها، حيث رأى فيها منعطفاً نحو تكريس الرؤية المادية، والمسعى التفكيكي لجاك دريدا، وبالطريقة ذاتها تحدث عن استراتيجية التفكيك عند دريدا المبنية على مقولات الكتابة والتمركز حولها، والدال، والنص والتناقض الداخلي، ثم التطرق إلى رؤية المسيري لهذا المشروع لما لهو من بعد حداثي. وبعدها خلاصة لأهم النتائج. وفي” مقاربة نقدية” تطرق إلى مكاسب أطروحة المسيري المعرفية على مستوى الاقتصاد واللغة والتفكيك، ثم اللجوء إلى العقل النقدي للكشف عن المسارات المتخفية للعقل المادي في الفلسفة الغربية، والحديث بعد ذلك عن البديل الذي قدمه المسيري ممثلاً في العقل التوليدي الذي استلهمه من مصادر فلسفية عديدة، من بينها أعمال نعوم تشومسكي في مجال اللغة، واحتواء العقل عنده على بنية خفية تتضمن قدرات كامنة فيه، لم يكتسبها من التجربة، وفي الأخير قدم بعض النصوص التي أظهرت للمسيري محدودية طرحه في مجال رؤيته للعقل الغربي، ومنها أطروحة الباحث فتحي التريكي، ثم خلاصة تتضمن أهم النتائج. وفي ختام بحثه تتضمن قيمة المشروع الذي قدمه المسيري للفكر العربي/ الإسلامي، خاصة في جانبه التأسيسي المعرفي، وتحدث عن أهم الانتقادات التي وجهت إليه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©