الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أمل القبيسي.. عروس بين القلاع

24 ديسمبر 2006 01:06
السعد عمر المنهالي: من أعماق تاريخ المكان، ومن بين ''الحصن'' و''الجاهلي'' و''المرَبع'' و''الفهيدي'' و''الضبابة'' كان الفرح حاضرا، وكانت العروس واحدة، خرجت في عرسها لترمم بيدها شقوق القلاع والحصون الشامخة وتعيد لها تألقها من الزمن القديم، بإمكانات الحاضر، لمستقبل أكثر جمالا وشموخا· ففي أول تجربة انتخابية برلمانية تشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة منذ نشأتها في الثاني من ديسمبر عام ،1971 تنتخب الإماراتية ''أمل القبيسي'' كأول امرأة نائبة في المجلس الوطني الاتحادي، والمرأة الوحيدة بعد أن أعلن عن انتهاء الانتخابات مساء يوم العشرين من ديسمبر عام 2006 باكتمال الانتخابات الجزئية في كل إمارات الدولة· ولدت ''أمل عبدالله جمعة كرم القبيسي'' في إمارة أبوظبي''، وهي على الأرجح من مواليد قبل اتحاد الإمارات السبع، غير أنها تلقت تعليمها في المؤسسات التعليمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد حصلت على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة الإمارات عام ،1993 التحقت فيما بعدُ بالدراسة في المملكة المتحدة وحصلت هناك على درجتي الماجستير والدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى، وقد خصصت دراستها في المعمار التراثي بدولة الإمارات، وفي عام 2000 انضمت الدكتورة أمل القبيسي إلى السلك الأكاديمي بجامعة الإمارات لتصبح بعد ست سنوات عضو هيئة تدريس في قسم الهندسة المعمارية بجامعة الإمارات العربية· لم تلتزم المهندسة ''أمل القبيسي'' بالعمل الأكاديمي فقط خلال عملها في جامعة الإمارات، بل تعدت ذلك بالقيام بدور آخر خارج جدار الجامعة، فقد شغلت بإبراز التراث المعماري لدولة الإمارات محليا وعالميا، وفي سبيل ذلك مثلت الدولة في العديد من المحافل الدولية، كما شاركت بعضويتها في العديد من المنظمات العالمية المتخصصة في مجال الهندسة والحفاظ على المباني التاريخية· وتشير المهندسة ''أمل''- كما ذكر في موقعها الإلكتروني- إلى دورها الأساسي في توقيع اتفاقية بين هيئة التطوير الاقتصادي والترويج السياحي لمدينة العين، ومنظمة اليونسكو العالمية لوضع استراتيجية للحفاظ على تراث مدينة العين· ورغم هذه الخبرة المهنية الصرفة في مجال الهندسة المعمارية والحفاظ على التراث المعماري، تقدمت الدكتورة المهندسة ''أمل القبيسي'' لترشيح نفسها للمجلس الوطني عن إمارة أبوظبي بين أربع عشرة مرشحة أخرى في إمارتها، وخمس وستين مرشحة على مستوى إمارات الدولة ككل· ورفعت في برنامجها الانتخابي هدفا سياسيا رئيسا وهو ''تطوير دور المجلس الوطني الاتحادي وتوسيع صلاحياته من الناحيتين التشريعية والرقابية''، وهو ما عادت وأكدت عليه بعد فوزها في الانتخابات الجزئية التي جرت في إمارة أبوظبي في السادس عشر من ديسمبر الجاري 2006 عندما صرحت بقولها: ''أول قضية سأتبناها وسأركز عليها هي تفعيل المجلس وتعديل صلاحياته واختصاصاته، وهذه هي القضية الأم والأهم التي لا يصلح حل قضية عداها إلا بتحققها''، وتقصد بخصوص القضايا الأخرى جملة الوعود التي أدرجتها في برنامجها الانتخابي في الحقل الاقتصادي والاجتماعي والتراثي· قرار رقم 3 لسنة 2006 عندما أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في الأول من ديسمبر عام 2005 في خطابه بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لدولة الإمارات، قرار الدولة بإجراء انتخابات غير مباشرة لنصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، فتح الباب بذلك أمام مشاركة شعبية في صنع القرار السياسي للدولة، باعتبار المجلس الوطني يمثل السلطة التشريعية في نظام الدولة الاتحادي· وكان قد أكد سموه أن الإمارات ''ستشهد في المرحلة المقبلة مزيدا من التحول نحو إشراك المواطنين في صنع مستقبلهم''، مضيفا في ذلك أن ''الهدف الاستراتيجي للمرحلة المقبلة هو تمكين المواطن من المساهمة أكثر في الحياة السياسية والاجتماعية''، مشددا على '' ضرورة تطوير المؤسسات والكوادر وتهيئة الظروف للانطلاق نحو آفاق القرن ·''21 كان ذلك بداية لدخول الدولة إلى مرحلة سياسية مختلفة تتحرك فيها الحياة النيابية بشكل مختلف عما شهدته خلال السنوات الأربع والثلاثين الماضية من عمر الدولة الاتحادية، وبدأت خطوات ذلك عندما أعلن عن قرار رقم 3 لسنة 2006 بشأن تحديد طريقة اختيار ممثلي الإمارات السبع في المجلس الوطني الاتحادي في المادة الخامسة من الفصل الثاني المختص بالهيئة الانتخابية، وذلك في البند الثامن بتكليف اللجنة الوطنية للانتخابات المشكلة من وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، وعدد من وزراء الدولة بإصدار القواعد المنظمة لإعداد جداول أسماء الهيئة الانتخابية لكل إمارة، واعتماد الهيئة الانتخابية المشكلة من كل إمارة بعد التأكد من توافر الشروط القانونية والفنية في أعضائها· جاء هذا القرار ليحدد أعضاء الهيئة الانتخابية التي يسمح القانون لمن فيها فقط بأن يترشح لعضوية المجلس الوطني، أوأن يرشح غيره من المرشحين للمجلس، وبالفعل أُعلنت اللوائح الانتخابية والتي التزم بها حاكم كل إمارة من إمارات الدولة السبع، وجاء عددهم 6688 إماراتيا منهم 1190 امرأة، أي ما نسبته واحد في المائة من أعداد المواطنين الإماراتيين البالغ عددهم 800 ألف حسب تعداد سكان عام ·2006 جاءت التجربة البرلمانية الإماراتية الأولى ثرية في نواح كثيرة، فبجانب الجدل الذي أثارته الطريقة التي اختارتها القيادة في دولة الإمارات للتدرج في العملية الديموقراطية، وما رافقها من شد وجذب بين أفراد المجتمع الذين تضمنت اللوائح الانتخابية أسماءهم، والآخرين الذين لم تتضمنهم اللائحة، أعلنت الحملات الانتخابية للمرشحين وبرامجهم الانتخابية وما أسفرت عنه صناديق الاقتراح الوعيَ السياسي لمجتمع الإمارات، سواء الذين كانوا ضمن اللائحة أوخارجها· كان إعلان المرشحين عن أنفسهم ومتابعة وعودهم الانتخابية الهم الشاغل لمجالس الإماراتيين منذ إعلان بدء الحملات الإعلامية في الأول من ديسمبر الجاري ،2006 في حين كان تفحص وتصنف البرامج الانتخابية المعروضة وما احتوت عليه من وعود وما رافقها من آليات مقترحة لتنفيذها هم المحللين والمهتمين بالشأن السياسي الإماراتي· وبجانب هذا الوعي السياسي الذي ارتفعت درجته بسبب الانتخابات البرلمانية وما سبقها من حملات دعائية للمترشحين، لعب العامل القبلي بكل تأكيد دورا مهما في رفع نجاح مرشحين دون غيرهم، كما حدث في إمارة أبوظبي على وجه الخصوص، إذ حصل ثلاثة مرشحين من قبيلة واحدة على أحد المراكز العشرة الأولى، مع الأخذ في الاعتبار الوزن القبلي لهذه القبيلة داخل اللائحة الانتخابية عن الإمارة، وقد بلغ عدد أبنائها المتواجدين في اللائحة 118 عضوا، ترشح منهم امرأة وخمسة ذكور!· ويبدو هنا دور القبيلة كأحد أهم المؤسسات الاجتماعية تجذُّراً في وعي المواطن الإماراتي رغم تحول دورها السياسي لصالح الدولة، فقد استمرت القبيلة- بناء على ما توفره من روابط بين أبنائها سواء كانت هذه الروابط اجتماعية أواقتصادية- في تقديم نوع ما من الحماية لأفرادها توجب عليه في المقابل ولاء التدخل بشكل أوبآخر في الوظيفة السياسية للدولة· نساء·· ولكن بالتأكيد كان للعنصر النسائي الذي برز من خلال عدد المرشحات- بلغ عددهن خمسا وستين امرأة- وما فرضته طبيعة الحملات الانتخابية من ظهور نسائي إعلامي غير معتاد عليه، سواء في المطبوعات المحلية أووسائل الإعلام الأخرى أوحتى في إعلانات الشوارع، بالتأكيد كان لهذا دور في الإفصاح عن طبيعة المجتمع الإماراتي المنفتح، فقد قابل أفراده تلك الحالات بوعي كبير دلل على قدرة الإماراتيين على التعامل مع التغييرات المحيطة بسلاسة كبيرة لم تتوافر في مجتمعات أخرى قريبة صاحبة تجربة أكبر· ورغم عدم نجاح النساء في باقي إمارات الدولة- رغم رهان البعض على نجاح المرأة في إمارات معينة دون أخرى- إلا أنهن في الأغلب حققن نسبا عالية وكن ضمن العشرة الأوائل في إماراتهن، كالإعلامية عائشة سلطان التي حصلت على عدد 130 صوتا في إمارة دبي، وجاء ترتيبها السابع بين مرشحي الإمارة· لقد أثبتت هذه التجربة- على وجه الخصوص-ذكاء المرأة الإماراتية في التعامل مع معطيات واقعها بثوابته، فلم تظهر حالات تستفز تقاليد المجتمع وتثيره ضدها، الأمر الذي عزز من مكانتها ورفع من أسهمها كمواطن إماراتي قادر على التعاطي مع متطلبات المرحلة الديموقراطية بمعطيات البيئة الإماراتية· فحصلت بذلك عن جدارة على سبق تاريخي كأول سيدة تصبح نائبة بالانتخاب لا بالتخصيص ولا التعيين ولا التزكية في برلمان خليجي·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©