الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ساعة الفيل».. الأكثر دقة وإبهاراً في القرن السابع الهجري

«ساعة الفيل».. الأكثر دقة وإبهاراً في القرن السابع الهجري
20 سبتمبر 2013 21:01
أحمد الصاوي (القاهرة) - لم يتخلف الفن الإسلامي عن الإسهام بطرق مختلفة في دعم التطور التقني في الحضارة الإسلامية، فإلى جانب عنايته بإسباغ طابع من الجمال الفني على كل المنتجات، التي استخدمت في عمليات الإنتاج اليدوي، وفقاً لطبيعة التطور التقني خلال العصور الوسطى، كانت هناك أيضاً إسهامات فنية إبداعية في توضيح فلسفة عمل الآلات الميكانيكية. وتعد الساعة «الفيلية»، التي ابتكرها، ابن الجزري الذي عاش في القرن السابع الهجري «13م» الأكثر دقة وإبهاراً، وهي على هيئة فيل يقوده رجل بيده فأس يدق بها على رأس الفيل، وقد حمل الفيل هودجاً بداخله رجل وتنين وبأعلاه صورة شخص بالمقدمة وبنهايته طائر ربما يكون النسر. فكرة الساعة وتعتمد فكرة الساعة على قانون أرشيمدس للطفو، حيث وضعت بداخل الفيل آلة الساعة المعتمدة على ساعة الماء الهندية «غاتي» وجوهر الفكرة أن هناك 30 كرة مثقوبة تطفو بها وتمتلئ كل كرة بالماء خلال نصف ساعة فتسقط في فم التنين بعد تحرك الشخص، بمقدمة الساعة، فيؤدي ذلك لتحرك قائد الفيل ليطرق على رأسه، بينما يغرد الطائر محدثاً صوتاً منبهاً كل نصف ساعة مع سقوط الكرة في الماء. والجزري في تصوره الفني لتلك الساعة، التي كانت الأكثر دقة بين الساعات المائية في عصره، جمع بين عناصر عدة، تنتمي كلها إلى الإطار الإنساني لدار الإسلام، فمن الهند أخذ الفيل وساعة الماء، بينما أخذ من مصر طائر النسر أو حورس، والتنين من الصين، بينما وضع على ظهر الفيل سجادة فارسية وهودجاً عربياً، وجعل الأشخاص في صورته على هيئة عربية لا لبس فيها، بل هناك من يعتقد أن الرجل في مقدمة الساعة من أعلاها هو محض تخليد للقائد المظفر صلاح الدين الأيوبي. ونظراً للقواعد العلمية، التي اعتمد عليها الجزري في تصميم هذه الساعة، لم يكن من الصعب على الإنسان إنتاجها، حتى إن أحد الأسواق التجارية الشهيرة في دبي يعرض على زواره نسخة مكبرة من ساعة ابن الجزري تتجاوز بحجمها ثلاثة أمثال حجمها المفترض، حيث يبلغ ارتفاعها نحو 7 أمتار. والمتأمل في دور الفن الإسلامي في هذه الجوانب العلمية شديدة الجفاف والصرامة، سيجد أن المخطوطات المصورة حفلت بالعديد من الأمثلة، التي تبرهن على أهمية دور الفن في تغذية المعارف العلمية بتطبيقاتها الصناعية، والتعبير عن الخيال العلمي، والابتكارات التي حاول بعض علماء المسلمين الترويج لها، كأفكار قابلة للتطبيق في الواقع العملي، ولم تتوقف إسهامات الفن الإسلامي في هذا المضمار عند الاستخدامات السلمية للآلات الميكانيكية، بل شملت أيضاً المجال العسكري وأدوات القتال. كتاب ابن الجزري ويعتبر كتاب ابن الجزري الذي عاش بمنطقة الجزيرة شمال العراق، من أوائل الكتب العربية، التي عنيت بتوضيح بعض الابتكارات الميكانيكية، للمؤلف الذي عمل في خدمة بلاط بني أرتق في تلك الفترة، ولأن ابتكاراته لم تكن قد وجدت سبيلها للاستخدام التطبيقي، فقد أطلق الجزري على كتابه اسم «كتاب الحيل الجامع بين العلم والعمل». وتوضح صور النسخ المخطوطة من هذا الكتاب، وهي نسخ محدودة العدد بعضاً من الآلات، التي ابتكرها الجزري على قاعدة التسيير الذاتي أو الأتوماتيك لتخفيف الحاجة للعمل البدني الكثيف، وبذلك كان سابقا لجهود الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي في هذا المجال بأكثر من ثلاثة قرون. وقد زودت نسخ مخطوط كتاب الحيل، برسوم توضيحية غاية في الجمال الفني والدقة العلمية، وكان غرض المؤلف منها إقناع الحاكم الأرتقي بالإنفاق المالي لتنفيذ هذه الابتكارات العلمية، ثم تحول الهدف في النسخ اللاحقة، لتعريف الراغبين في تنفيذ تلك الاختراعات، بكيفية عملها والقوانين الميكانيكية التي تتحكم بها وتسير وفقها. وابتكر الجزري على سبيل المثال، آلة ميكانيكية تقوم مقام الجواري في تقديم الشراب بالمجالس، وكذلك عدد من آلات الري الأوتوماتيكية من دون حاجة إلى جهد الإنسان أو الحيوان، وإن بقيت ابتكاراته في مجال حساب الوقت بالساعات الميكانيكية الأشهر على الإطلاق. وهناك آلات عدة للجزري وردت رسومها بالنسخ المخطوطة من كتابه الحيل الميكانيكية، ورغم أنها أكثر فائدة للإنسان فإنها لم تحظ بذات الشهرة أو الاهتمام، ومنها آلة ري تعتمد على تقنية التروس وعامود نقل الحركة، المعروف لدى الفنيين بمجال ميكانيكا السيارات باسم عمود «الكرنك». وتوضح واحدة من الصور عمل آلة رفع المياه عبر نقل الحركة بين التروس والأعمدة، وحتى لا يظن من يرى صورتها لأول وهلة، أنها تدار بقوة سحرية، فقد عمد الفنان لرسم شكل بقرة من الخشب، تدور مع القرص الأعلى المحرك الأول للترس الأعلى، وذلك بإيعاز من المؤلف الجزري. كما قام أيضا بابتكار آلة أخرى تعتمد على قوة الحيوان في نقل كميات أكبر من ماء نهر عبر أنابيب عدة، اعتماداً على قانون الخاصية الشعرية، ويعتقد أن مثل تلك الابتكارات كانت سبباً في تطوير طرق الري، التي كانت تعتمد على الجهد البشري الكثيف، مثل نقل الماء بـ «الشادوف» في مصر، والاستعاضة عن ذلك بجهد محدود عضلي لحيوانات الحقل، وصولا إلى الاعتماد على قوة دفع المياه، لتعظيم حركة رفع المياه، مثلما نرى في نواعير حماه القديمة التي تعمل حتى اليوم. طواحين الرياح من الابتكارات التي عبر عنها الفن الإسلامي، الطواحين التي كانت تستخدم قوة الرياح في عملها، ولدينا صورة شهيرة لتصميم طاحونة هواء، من كتاب الدمشقي في القرن الثامن الهجري«14 م»، وهي توضح كيف يدار عامود بحركة الهواء، ليحرك الرحى لطحن الحبوب، وثمة عدد من طواحين قديمة عثر عليها في هراه بأفغانستان، تستخدم التقنية ذاتها، التي وردت في مخطوط الدمشقي. من أقدم المخطوطات يعتبر كتاب الرماحة الذي ظهـر فـي القرن السـابع الهجري «13 م»، إبان حقبة الحروب الصليبية، من أقدم المخطوطات التي احتوت صوراً للابتكارات الميكانيكية ذات الأغراض العسكرية، وأهمها مدافع النار الإغريقية، التي استخدمت بنجاح لهزيمة التحصينات الصليبية في عكا، حسبما أشارت إلى ذلك المصادر التاريخية. وهناك نسخ عدة من كتاب دليل المحارب لـ «ابن أرنبغا الزردكاش» أي المسؤول عن الزرد أو الأسلحة، الذي عاش في القرن الثامن الهجري «14م» بمنطقة الشام، وهي توضح بعض آلات الحصار من أنواع مطورة من المنجنيق والمقلاع، وتحتوي أيضاً شرحاً تفصيلياً ورسماً فنياً دقيقاً، لنوع من المدافع، كانت تستخدم فيه كرات من الحديد، كقذائف لدك الحصون أثناء الحصار. وهناك أيضاً عدد من المخطوطات المصورة، التي عنيت برسم بعض آلات الحرب، وتوضيح أشكالها والكيفية الميكانيكية، التي تعمل بها، بما في ذلك آلات الرمي، مثل المنجنيق والمدافع والمقاليع الضخمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©