الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنا عمو...

أنا عمو...
20 سبتمبر 2013 21:04
هناك قصة جميلة جدًا للأديب المصري الكبير «مكاوي سعيد»، تحكي عن أديب في منتصف العمر يتوجه لعيادة طبيب أمراض قلب. هذا الطبيب هو والد الفتاة التي يحبها الأديب.. إن الأديب ينوي طلب يد فتاته هنا والآن.. وهكذا يجلس في صبر في غرفة كشف الطبيب الملول يجيب عن اسئلته ويستسلم لقياس ضغط الدم. هنا يكتشف– لا أذكر كيف- أن الطبيب أصغر منه!... أي ان أبا حبيبته أصغر منه شخصيًا!... بالطبع لا يجرؤ على الكلام أكثر ويبتلع لسانه. بعد الفحص أخبره الطبيب أن حالة قلبه خطيرة وكتب له بعض الأدوية.. هكذا يغادر هذا الشيخ العاشق العيادة وقد عرف مركزه بالضبط، وما يعنيه في الأمر هو أنه سيهتم بعلاج قلبه. أتذكر هذه القصة كلما جاء عيد ميلاد لي.. طبعًا لم أحتفل بعيد ميلاد منذ كنت في التاسعة من عمري، لأن بيتي كان يعتبر أي احتفال بعد هذه السن شيئًا رقيعًا لا يوصف. لا تنس أنني من الطبقة الوسطى التي تعاني ضائقة مالية معظم الشهر. وما زلت أشعر بالدهشة كلما رأيت صبيًا في الثانية عشرة مثلاً يحتفل بعيد ميلاده.. نفس شعوري عندما أرى رجلاً يبدد ماله على مائدة القمار. لكن الأمر يختلف كلما تقدمت في السن، إذ أشعر ان المفترض أن يكون كل عيد ميلاد لي حفل تأبين يصحبه العويل والبكاء. أسمع أرقامًا لم أسمعها من قبل.. كنت أعتبر أن أقصى عمر يبلغه الكائن البشري هو أربعون عامًا.. في هذه السن يكون المرء قد فعل كل شيء وعرف كل شيء وصار كل شيء.. يمكنه أن يجلس في المسجد يقرأ القرآن إلى أن يموت بالشيخوخة. فجأة وجدت أنني في الأربعين.. الخامسة والأربعين.. ثم سن الخمسين!.. هذه أرقام لم أسمع عنها من قط ولم أتخيل أنها ممكنة.. بدأت أشعر بالذعر عندما لاحظت ان الباعة يقولون لي «يا حاج».. والمراهقون يقولون لي «يا عمو». ثم ازداد الأمر سوءًا عندما صار الأولاد المهذبون يقفون لي في وسائل الموصلات كي أجلس مكانهم. أمس الأول رأيت سيدة مسنة تحمل حقيبة ثقيلة وتمشي في الطريق، فهرعت في شهامة لحمل حقيبتها عنها، ثم فطنت إلى أنني في الخمسين وقلبي مريض. شهامتي هذه ستبدو أقرب للسخف أو تجلب علي السخرية. مسن بعنف. مسن جدًا.. من المستحيل أن أجد أي شخص أكبر سنًا مني. أجلس في مجلس كبير فأكتشف ان كل الجالسين بين ثلاثين وأربعين عامًا.. الشيخ فيهم في التاسعة والأربعين!.. الحلاق الأشيب المسن الذي أحلق عنده سألني عن علاج النسيان، فقلت له إنه لابد أن يتوقع تصلب شرايين المخ في سنه هذه. قال في اتعاظ وأسى: ـ»بالفعل.. بعد 45 عامًا يجب ان يقبل الإنسان تداعي حواسه!» ـ»هل أنت في الخامسة والأربعين؟» ـ»نعم.. وأنت يا حاج ؟» ابتلعت لساني.. وفضلت الصمت. مع الوقت صرت أشعر كأن كل من في الخامسة والأربعين طفل كان يرضع البارحة ويبدلون له الكافولة. لهذا أحب جدًا صداقة اثنين او ثلاثة ممن يكبرونني سنًا. عم حسين البواب العجوز في بنايتنا.. كم هو شخصية رائعة ذكية.. إنه الصديق الأمثل. هؤلاء الذين في الستين.. أين هم ؟.. لماذا صاروا نادرين؟ أما أشنع اللحظات فهي حين ترى فتاة حسناء تروق لك، فتتودد لها ليكون أول لقب تناديك به هو «يا عمو». هذه أقرب لصفعة على وجهي بلا شك. ليس هذا أسوأ من صديقي طبيب الأطفال الذي قابل في إحدى الحفلات فتاة بارعة الجمال. كان مطلقاً يبحث عن عروس جديدة، وبدت له هذه الفتاة مناسبة جداً. وجد أنها تحدثه في حرارة وحب حقيقيين، وأعطاه هذا انطباعاً بأن الطريق ممهد لقلبها. قال لها: ـ»أشعر أننا التقينا في زمن ما في مكان ما».. قالت في مرح: ـ»بالفعل .. أنت كنت الطبيب الذي يتابعني وأنا في الحضّانة بعد ولادتي!.. لقد ولدت قبل موعدي كما تعلم»! طبعا يمكنني أن أتخيل ما حدث بعد ذلك.. لقد تبدل وجهه إلى اللون الأحمر واعتذر لها وانسحب.. اللحظة التي تتحول فيها من «كابتن» إلى أستاذ إلى «عمو».. هذه لحظة قاسية ومروعة.. إذا أردت ان تكون صديقي فلتحرص على أن يزيد عمرك على 51 سنة.. هذه هي الطريقة المثلى لتنال ثقتي وحبي بلا حدود!. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©