الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حين تصبح للمباني والأمكنة امتدادات شعرية

حين تصبح للمباني والأمكنة امتدادات شعرية
10 أكتوبر 2014 22:45
يقترح علينا الشاعر والمهندس المعماري المغربي عبد الواحد منتصر أن نشاركه الاطلاع والاستمتاع بيومياته التي كتبها وهو على متن قطار يقطع به المسافة الفاصلة بين مدينتي وجدة والدار البيضاء، عبر كتابه «المُدن الضوَاحي/ يوميات عبر القطار»، الصادر مؤخرا عن دار توبقال في الدار البيضاء، طبعة 2014، ثمرة رحلات ليلية عبر قطار البيضاء - وجدة/ وجدة ـ البيضاء، قام بها مرات عديدة،وشكل بها النص الرئيس لهذا الكتاب. في هذا الكتاب الذي زينته لوحات وتخطيطات بالأبيض والأسود بقلم وريشة الفنان عبد الواحد منتصر، يقول الشاعر المهدي أخريف، المكتوب بلغة شذرية مكثفة لماحة نلتقي برؤية منتصر المعماري الإنسان حقا، المعني بالمدينة، كل المدينة، ولا سيما ضواحيها وامتداداتها. كما نلتقي أيضا بأحلامه، تأملاته، وانشغالاته الخاصة. ذلك أن وحيد منتصر، كما أراه، ليس مجرد مهندس معماري أو مجرد خبير بالعمران، أنه لا يتوقف عن تطوير وإغناء أوجهه الأخرى المتعددة بصفته مبدعا وعارفا: متدخلا مباشرا في ميادين العمران والمعمار، عارفا شغوفا بالجماليات وليس آخرا، بصفته فنانا تشكيليا صاحب ممارسة وخبرة، إذ اهتم منذ الثمانينيات بتدوين يومياته بوسيلتين متلازمتين: التخطيطات والرسوم الأولية المصورة تارة، والملاحظات والخواطر المكتوبة تارة أخرى. وعبد الواحد منتصر يُجسّد على الخصوص درجة عالية من التناغم بين الإحساس والوجدان، أما مزاجه ومنهاجه الحياتي فبّيسوي (نسبة الى الشاعر الكبير بيسوا) من وجوه عديدة لا شك، نبهني على ذلك صديقنا المشترك خليل غريب. صارم جدا، منظم جدا في حياته المهنية، يحب الحياة ويحرص على الاستمتاع بمباهجها». هذه الشذرات إذن، من ضمن شذرات ونصوص أخرى شتى، هي من وحي الليل وحده الذي خص بها وحيدا دون سواه في أسفاره المتتالية عبر القطار، الرابط بين الدار البيضاء ووجدة ذهابا وإيابا. ويقول الشاعر المهدي أخريف «رافقته في آخر سفر، مطلع أكتوبر الماضي، وخلاله أملى علي الصيغة الأولى للشذرات». تجدر الإشارة إلى أن لوحيد مع القطار: قطار الليل والنهار حكايات مثيرة غنية تعود إلى سنوات الدراسة في مدينة ليل ثم برلين. لما كان يقطع من المسافات الطويلة عبر القطار، من شبه الجزيرة الخضراء حتى الحدود الألمانية مرورا بفرنسا وبلجيكا وهولندا. . ومازال منتصرا يحتفظ من تلك المغامرات السفرية بمذكرات تقع فيما يناهز مئتي صفحة مكتوبة بأكثر من لغة. يكتب الفنان والمهندس عبد الواحد منتصر في إحدى يومياته قائلا: «اللحظة إحساس بأننا نجتاز نفقا بدون معرفة الوجهة التي نمضي صوبها. هل نحن ماضون في اتجاه الشمال أم الجنوب؟ كل المباني التي أتبين بل قل «أتحسس» ملامحها من نافذة القطار الليلي تبدو متسمة بنفس الطابع: مبان فقيرة، عشوائية، كأنها «محطوطة» هنالك كيفما اتفق، واهنة الإضاءة، ليس فيها ما يستثير أو يثير. تجربة سفري الليلية وأنا أرى المدينة عبر القطار، تمنحني الإحساس بأنني أكتشف، أرى الواجهة الخلفية للمدينة، تلك الواجهة التي نراها من دون أن نراها في واضحة النهار، لأن النهار يحجب «حقيقة الأشياء» التي اعتدنا رؤيتها في المدينة. علينا إذن أن نختار متى وكيف نرى هذه الواجهة الخلفية للمدينة. وليس ثمة أفضل من قطار الليل وسيلة لرفع الحجب الكثيفة المتراكمة على مد الطريق الموصلة إلى المدينة. ما أحوج الساكنة الموزعين على مسافات قطار الليل والنهار إلى غابات تقيهم عراء الإقامة في شسوع الخلاء». وفي يومياته نرى الأستاذ عبد الواحد منتصر، يقترب من حياة مهندس معماري أمريكي شهير، وهو لويس كان، ويكتب عنه في مقصورته المنفردة في قطار الدار البيضاء ـ وجدة: ثمة لحظات فراغ وصمت تمر بي داخل مقصورتي المنفردة، في قطار الليل. تطول أحيانا مما يدفعني إلى اللوذ بحاسوبي الخاص فهو خزان ذاكرتي يحتوي على عدد وافر من المشاريع، من الأفلام ومن الصور المتنوعة لأسفاري عبر العالم ولأماكن ومواقع من بلادي ومن خارجها أيضا، من أبي رقراق، من البندقية، من روما، من برلين، إلخ. . في هذه اللحظات من ليلة هذا الخميس النوفمبري وأنا أقترب من تازة فضلت الاسترواح والاستبراك، مشاهدة فيلم وثائقي عن المهندس المعماري الأكبر في القرن العشرين الأمريكي لويس كان. لعلها المرة الثالثة التي أشاهد فيها هذا الفيلم من إنجاز ابنه المخرج السينمائي تعبيرا منه عن الامتنان وإعادة الاعتباري العائلي لوالده بعد وفاته في محطة قطار فيلادليفيا عام 1974 (ازداد عام 1901) إثر نوبة قلبية مفاجئة. يحكي الفيلم عن المحطات الأساسية في حياة هذا المعماري الاستثنائي مصورا عددا من منجزاته ولا سيما في بنجلاديش، الهند، الولايات المتحدة موطنه الأصلي. يتجول بنا الفيلم عبر منجزات كبرى للويس كان مثل المؤسسة الهندية، للتسيير الغداري، مقر حكومة داكا، مؤسسة صالك للدراسات البيولوجية، الكنيسة والمدرسة المتحدة، متحف كامبل. . . لكن في كل مرة أعود فيها إلى رؤية هذا الفيلم الوثائقي دائما يتوقف تفكيري عند معلمة كنيس الأطلال في القدس، ذلك الكنيس المؤسس على تصور مبني بشكل مربع بعلو 18 مترا، متجاوب مع مسجد روشي. ونلمس من خلال نصه «تسوماني» مدى شعور هذا الفنان بالغربة والاكتئاب حين يقول: أنا الآن في مقصورتي المنفردة مقيم، مستسلم، لا مفر، لعزلتي الليلة الممتدة بحميميتها وبما تبعثه في من اكتئاب وانكباب على ذاتي ولحظات سُهادي».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©