الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيارة أخي وتوأم روحي

سيارة أخي وتوأم روحي
8 مارس 2009 04:25
تجربتي الأولى مع السيارة كانت مرعبة، فبدلاً من أركبها وألفُّ الدنيا، صدمتني إحداها حين كنت في الخامسة من العمر ألعب في الرمل أمام بيت الأسرة، وأعتقد أنه اللقاء الأول بيني وبينها، فلم أكن تلميذاً لأركب سيارة، ولم تكن باقي المشاوير تحتاج إلى وسائط، فكل شيء كان قريباً منا لأننا كنا نسكن منطقة نايف التي كانت في السبعينيات تمثل نصف دبي العامرة والمأهولة· تجربتي الثانية أيضاً كانت مرعبة، فبعد سنوات من الجلوس راكباً في الدرجة الخلفية أثناء الذهاب والعودة من المدرسة في صندوق سيارة أبي، فقد كنت أصغر إخواني، قررت أن انقلب عليهم، ولا أكتفي بمجرد الجلوس مثل ''الأوادم'' في المقاعد الوسطى أو الأمامية، وإنما الجلوس مكان السائق مباشرة· كنت في السادسة عشرة من العمر، أي في أَحَمق سنوات الإنسان، أخذت مفتاح سيارة أخي ودخلت في تحدٍ بيني وبين نفسي، هل سأنجح في قيادتها؟ والحمد لله أنني نجحت وأحرزت حادثاً كان يمكن أن ينتهي في المركز، أي مركز الشرطة، لولا أن المتضرر كان لوحة ''قف'' التي أوقفتني عند حدودي· تجربتي الثالثة كذلك كانت مرعبة لكنها كوميدية، فقد بشّرت أحد إخوتي بأنني نجحت في امتحان القيادة ويحق لي استخدام السيارة فوراً، فكافأني بسيارة إيجار كانت بيده، أخذتها وأركبت صديقاً ورحنا نثبت رجولتنا في الشوارع، وأثناء ذلك قررنا الاحتفال بالرخصة وأخذ قسط من سندوتشات الكافتيريا، نزلنا من السيارة وكنت حافي القدمين، فلم يخطر ببالي أنني سأنزل من السيارة أبداً بعد سنوات من الانتظار·· ولم يخطر ببالي أيضاً أنني نسيت المفتاح في الداخل· اتصلت بأخي الذي حضر غاضباً بسبب المفتاح وبسبب منظر قدمي الحافيتين أمام الناس، وبعد ساعة عاد ومعه مفتاح آخر أخذه من مكتب الإيجار، وبعد ساعة أيضاً كنت أتصل به وأقول له إنني نسيت المفتاح للمرة الثانية بعد قسط آخر من الراحة والاحتفال· بقيت لأكثر من سنة تقودني رجلاي بدلاً من الإطارات، لكن أخاً آخر كان يمتلك سيارة، وكنت على خصام معه منذ ثلاث سنوات، لكنني لم أكن أخلط بين الأمور، فأخي شيء وسيارته شيء آخر، لذلك كانت علاقتي بسيارته جيدة جداً، كنت آخذ مفتاحها في منتصف الليل، ثم أدقق النظر في طريقة وقوفها، والمكان، واتجاه الإطارات الأمامية، وكل شيء كنت أحصيه حتى عدّاد الكيلومترات، فإذا كان العدّاد متوقفاً على ،21,605 فكنت أعيد السيارة إلى مكانها بالرقم ،21,705 أو ،21,650 المهم أن تكون الأرقام متشابهة حتى لا يعرف أخي أنني أقيم علاقة آثمة مع سيارته· وفعلاً كانت العلاقة خاطئة، فلا هدف من القيادة سوى الطيران بها بأقصى سرعة من شارع إلى آخر· كل تجاربي مع السيارات أعدت صياغتها من جديد وكررتها في سيارتي الأولى التي كانت كفناً متحركاً لولا لطف الله ويقظة رجال المرور، وكنت من العشرة الأوائل في هذا العالم الذين حصلوا على رخصتي قيادة صادرتين من جهة واحدة، فكما طاردت الفتيات بسيارتي، وسابقت الشباب، و''لعوزت'' السائقين المحترمين وآذيتهم، فقد طاردني نظام النقاط السوداء الذي كان معمولاً به آنذاك في دبي فقط، وسبقني إلى المرور يشكوني، وألغى رخصتي الأولى· تحسّنت علاقتي بالشوارع بعد تلك الصدمة، ورحت أدلل سيارتي وأضيع الكثير من الوقت عليها، غسلاً وتلميعاً وتشحيماً وتصليحاً، فقد كانت توأم روحي وأختي التي أنسى مفتاحها فلا تغضب، وأختي التي لا أخاصمها أبداً مهما حصل· وبعد سنوات من تلك العلاقة الحميمية، أصبحت السيارة في نظري مجرد هيكل معدني متحرك· وفي هذه اللحظة عرفت أنني أصبحت إنساناً عاقلاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©