الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جديد السودان... مبادرة زيناوي

25 سبتمبر 2011 23:29
بين السودان وأثيوبيا علاقات تاريخية قديمة قدم التاريخ، وممتدة من الماضي البعيد وصولاً إلى الحاضر باتجاه المستقبل. علاقات لم تصنعها الحكومات، ولكن مِن صُنع الشعبين السوداني والأثيوبي على مدى الأزمنة، تقويها المصالح المشتركة والأعراق والعقائد الدينية المتداخلة، وأكثر من ذلك المزاج الشعبي المتقارب. ومقولة إن أمن السودان واستقراره من أمن إثيوبيا واستقرارها، هي حقيقة تؤثر على الجانبين، ولها في التاريخ القريب والحاضر شواهد كثيرة لا يتسع المجال لسردها، وواحد من تلك الشواهد التاريخية أن دماء السودانيين والأثيوبيين اختلطت في حرب تحرير أثيوبيا من الاحتلال الإيطالي الفاشي خلال الحرب العالمية الثانية. لذلك لم يكن غريباً الدور الحميد الذي يؤديه الرئيس ملس زيناوي ومحاولاته الخيرة لحل الأزمات المتكررة والمتجددة بين "حزب المؤتمر الوطني" وحكومته وبين "الحركة الشعبية لتحرير السودان". ولا شك أن السودانيين، شعباً وحكومة قد شكروا لزيناوي مبادراته ومساعيه لتجنيب السودان حرباً يعلم هو بخبرته التاريخية أنها ستؤدي إلى تفتيت السودان وإرهاق شعبه وإضعاف مكانته الإقليمية والدولية، لذلك فقد حذر من استمرار الحرب الصغيرة حالياً في النيل الأزرق (الإقليم السوداني الأكثر قرباً من الأراضي الأثيوبية). وشخصياً، فقد قدرت لزيناوي مسارعته بالعودة إلى الخرطوم هذا الأسبوع بعد ذلك الموقف الذي وضعه فيه الرئيس البشير وحكومته برفض الاتفاق الأخير الذي مثل فيه الحزب الحاكم والرئاسة الدكتور نافع، ومثل فيه الفريق الآخر مالك عقار وياسر عرمان، وما صحبه من تداعيات انتهت بالبشير إلى إعلان حالة الطوارئ في النيل الأزرق وإدخال القوات السودانية المسلحة والدفاع الشعبي في حرب لا يعلم، وهو القائد العسكري من تجربته في الحرب المقدسة التي قادها وعبأ لها البلد ضد الجنوب، إلى أين تنتهي. وإلى جانب أن قرار الرئيس عزل الوالي (عقار) هو قرار يفتقد الشرعية الدستورية والقانونية، فإنه من الناحية السياسية يعتبر غير موفق. لذا فإن الذين حرضوا البشير على ذلك القرار لم يسيئوا إلى الدكتور نافع فقط، بل وجهوا لطمة قاسية لزيناوي نفسه؛ راعي ومهندس اتفاق أديس أبابا الأخير. لكن السياسي والدبلوماسي القدير تناسى كل ذلك وسارع بالحضور إلى الخرطوم عندما دعاه كل من امبيكي والبشير، وقال لمن حوله إنه سيظل يسعى ويعمل لتفادي عودة الحرب للسودان، والذي في تقديره وتقدير كثيرين غيره، يمكن أن يؤدي تفاقم الأوضاع فيه إلى إشعال النيران في الإقليم كله، وذلك ما سيدفع ثمنه الأهالي والمساكين. جاء زيناوي إلى الخرطوم هذه المرة ومعه مشروع مقترح جاد وسليم يمكن أن يمثل الفرصة الأخيرة لإنقاذ الأوضاع التي هي في الأصل متردية، إلى ما لا يعلم أحد نهايته. المقترح الذي جاء به الرئيس الأثيوبي (ولم يعد سراً) أن يرجع الرئيس البشير عن قراره بعزل والي النيل الأزرق المنتخب وحكومته التي يشارك فيها "حزب المؤتمر الوطني" نفسه، وذلك بهدف إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، مما سيسمح بالتفاوض والحوار والاتفاق بين الحكومة و"الحركة الشعبية" في شمال السودان. بمعنى آخر أن يرجع حكام الخرطوم عن قرارهم غير الدستوري، ويتخلوا عن طريق الحرب التي لن تحل مشكلة ما، وأن يعودوا إلى مائدة التفاوض ومعالجة المآسي والخسائر الذي سببها الهجوم على النيل الأزرق واحتلال الدمازين وغيرها من المدن... فذلك هو عين الحكمة والعقل، وما ينقصه فقط أن ينتبه الشعب السوداني وقادته وحركاته الديمقراطية وأنصار السلام فيه، وأن يُسمِعوا العالم ويؤكدوا أنهم ليسوا ضد حقوق بعضهم البعض، وأن ينهضوا بالوحدة والتضامن في حركة شعبية سلمية تدافع عن السلام وتستعيد السودان الديمقراطي المتسامح إلى مكانته التاريخية. إن نظام "الإنقاذ" الحالي، الآن وقبل الآن، بحاجة إلى مزيد من العقل والحكمة، وكثير من الرجال والنساء الذين اندفعوا نحو الحركة الإسلامية (منذ أن كان اسمها جماعة "الإخوان المسلمين") يعرفون هذه الحقيقة ويعرفون أن التنظيم الحاكم حالياً ما هو إلا واجهة لا حول لها ولا طول وأن "مجموعة صغيرة" استولت على التنظيم الذي بنوه عبر السنوات، فأقامت نظاماً عسكرياً هو اليوم أشد خطراً عليهم من خطره على المعارضة الشعبية. فهو محاط شمالاً وجنوباً، وتصدر عنه أعمال لم تعد مقبولة، ليس من شعبه فقط، بل ومن المجتمع الدولي والإقليمي، معتمداً على قوة السلاح والمال في مصارعة الخصوم. وهذا النظام لم يحتفظ بالشرعية التي أكسبتها له المعارضة الشعبية ما بين نيفاشا واتفاق القاهرة مع "التجمع الوطني"، لكن التاريخ يعلمنا أن أي نظام اعتمد على تلك الأسلحة في مواجهة شعبه، إنما يخصم من شرعيته. إن نظام "الإنقاذ"، ورغم مظاهر القوة التي يبرزها، يعلم أن أمامه في كل ركن من السودان أزمة، من الشرق إلى أقصى الغرب، إلى قلب العاصمة القومية التي أصبح العيش فيها صعباً وقاسياً على الفقراء ومتوسطي الحال، لذلك فهو يفجر كل يوم مشكلة من القضايا العالقة مع دولة جنوب السودان، إلى دارفور إلى النيل الأزرق! إنه يحاول وضع السودان وراء جدار سميك في وجه العالم، لكن عالم اليوم لم يعد عالم الأمس، والعالم يعرف ويشاهد سياساته، والإنذار بالفصل السابع ما هو إلا مقدمة للأسوأ القادم لو لم يعقل النظام ويقتنع بأن السودان ليس ملكاً ولا حكراً لمجموعة أو حزب سياسي، وأن يتصالح مع الأصول والتقاليد الحسنة التي عُرف بها السودانيون. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©