الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

شيخوخة الزجاج أم شيخوخة العالم في الأمم المتحدة؟!

26 ديسمبر 2006 00:28
الاتحاد خاص: ''حضرة الأمين العام لا يستطيع أن يكون بطة''، هذا ما قالته صحيفة ''لوكنار انشينه'' الفرنسية الساخرة، ولكن هل يستطيع أن يكون أفلاطونا أو أياً من أولياء الله الصالحين حين يقف أمام هذا العالم المجنون؟· ''بان كي ـ مون'' شخصية سلسلة، لا تعكر مزاج أحد، ولكن بالتأكيد يحتاج في لحظة إلى الصوت العالي لأن المنصب أكثر من أن يكون بيروقراطياً، فهل يستطيع ذلك الكوري الجنوبي أن يكون··· المايسترو؟· الحلم المنوّع لا تكفي الابتسامة هنا لكي يستطيع ''بان كي ـ مون'' أن يحقق استراتيجيته الخاصة بأن يجعل من القصر الزجاجي قصراً من الكريستال، كما في القصص الغربية القديمة، حيث السحرة يقيمون داخل هذا القصر ويقومون بأعمال خارقة· المسموح للأمين العام للأمم المتحدة الجديد، والذي يعرّفه بعض الناس بالأحرف BKM هو الحد الأدنى من الخيال· ''كوفي أنان'' حاول أن يتجاوز الكمّية المسموح بها، فقال: إنّ المنظمة هي نتاج مؤتمر يالطا الذي جمع في فبراير 1945 كلاً من: فرنكلين روزفلت، وجوزف ستالين، وونستون تشرشل· الآن تغيّر كل شيء، حتى الحرب الباردة وضعت أوزارها، وألمانيا لم تعد برلين المحطمة التي رفع فيها الماريشال جوكوف الراية الحمراء، واليابان لم تعد هيروشيما بذلك الصراخ الميتولوجي الذي قال فيه ياسوناري كاواباتا: إنه صراخ الموتى الذين بقوا، رغم أنف الموت، على قيد الحياة· يفترض أن تتغير، إذاً، بنية المنظمة الدولية، ولكن·· ذلك الرجل الآتي من غانا أثبت أن القارة يمكن أن تنتج رجالاً يملكون حرية التفكير، والقدرة على التفكير، لم يكن، كما قيل في البداية، مجرد موظف تابع لوزارة الخارجية الأميركية، بل تصرّف كما يقتضيه المنصب، ودون أن يزيح قيد أنملة· ولكن كأي أفريقي لا بد أن يحلم· هذا ممنوع، وممنوع التفكير في إعادة هيكلة الأمم المتحدة لأن ذلك قد يعقد الأمور أكثر، ويتحوّل مجلس الأمن إلى جمعية عموميّة، سكت أنان، لكنه قال إنه كان يشعر بالخجل حين يلتقي المندوب الهندي (أكثر من مليار بشري) ومندوب ألمانيا، بكل تألقها السياسي والاقتصادي، وكذلك اليابان، وغيرهما وغيرهما· الستاتيكو هوالمطلوب، و''كي ـ مون'' آت من دولة تعمل بمنتهى الصمت، ولا تعكر مزاج أحد، ولو كان مزاج ''كيم جونغ ـ ايل''· شكراً لروكلفر·· بداية المبنى، لا بد من كلمة شكر إلى جون روكفلر جونيور الذي اشترى قطعة الأرض بـ8,5 مليون دولار وقدمها للمنظمة· لكن المبنى الزجاجي المؤلف من 39 طبقة تآكل إلى حد بعيد، حتى أن جون بولتون، مندوب الولايات المتحدة المنصرف، كان يتعامل بازدراء مع كل شيء في المبنى، قال: إن إزالة طبقات منه لا تغيّر في الأمر شيئاً، وقد تفاوتت وسائل الإعلام في ذكر أشياء كثيرة قالها، ولا مجال لنشرها· كل شيء في الداخل يوحي بالخراب، لا مال للتصليح والترميم، بعض الوفود تشكو منه، إنه يمشي فوق الماء، وذات مرة، كان على مندوب إحدى الدول الاسكندنافية أن يصرخ بأعلى صوته لأن جرذاً قفز بين قدميه، هذه تفاصيل·· تفاصيل؟ لكنها تحوّلت إلى هاجس، فالمبنى خصص، أساساً لـ70 دولة، وبالطبع مع فريق عمل محدود· الآن ارتفع عدد الدول الأعضاء إلى ·192 ما العمل؟ إذا كنتم تنتظرون الإجابة من بولتون فهي كالتالي: اطردوا 122 دولة من المنظمة· أيضاً لا يتغير شيء·· وهكذا تستقيم الأمور في المبنى· على مدى كل تلك العقود، شهد المبنى كل أنواع الصراخ، من هنا مرّت الحرب الباردة، بكل تداعياتها، الحرب الكورية، حرب فيتنام، جميع حروب الشرق الأوسط ومشتقاتها، المذابح في أفريقيا والبلقان، وحتى مرض نقص المناعة المكتسبة، ناهيك عن انفلونزا الطيور، وعن جنون البقر·· وماذا عن حقوق الإنسان؟ ماذا ستفعل أيها السيّد ثح؟· الفضيحة·· إنه الأمين العام الثامن بعد تريغف لي النرويجي (1946-1952)، وداغ همرشولد السويدي (1953-1961) ويوثانت البورمي (1961 ـ 1971)، وكورت فالدهايم النمساوي (1972-1981)، وخافيير بيريز دو كويلار البيروفي (1981 -1991)، وبطرس بطرس غالي المصري (1992-1996) وكوفي أنان الغاني (1997-2006)· ولكل من هؤلاء طريقته الخاصة في العمل، ولكن هل مسموح أن تكون له فلسفته الخاصة أيضاً؟· يدرك الأمين العام الجديد أنه يخلف أميناً عاماً لم يكن لينام، وأنه كان متابعاً هائلاً للتفاصيل، مع ولاء مطلق للمنظمة، وإن كانت فضيحة النفط مقابل الغذاء قد أثقلت عليه بعدما تبين أنّ ابنه متورط في صفقات معينة· حاول الاستقالة، لكن هناك مَنْ ضغط عليه، وأكد له أنّ عليه أن يبقى في مكانه لأن يديه نظيفتان، وكذلك ضميره، مرّت الفضيحة بسلام· الاستنتاج ليس دقيقاً كلياً، ثمة مَنْ لا يزال يلقي الضوء على الظلال، إن بالنسبة إلى موضوع النفط مقابل الغذاء، أو بالنسبة إلى عمليات التوظيف التي قال: إنها لم تكن تجري بالشفافية اللازمة· هناك تدخّلات، ورشى، وضغوط، ولكن ألا يحدث هذا دائماً؟· من أجل جنرال أميركي عندما يتغيّر الأمين العام يحدث ذلك الشيء القريب من الانقلاب· كل المساعدين ومدريري الأقسام الأساسية يقدمون استقالاتهم لإتاحة الفرصة أمام ''بان كي - مون'' وتشكيل فريقه مع اعتبار المصالح الحسّاسة للدول المؤثرة، فثمة وظائف محورية تتمسك بها الدول الكبرى، حالياً إدارة حفظ السلام، وهي إحدى الإدارات الرئيسة التابعة للأمانة العامة يشغلها ''جان ـ ماري غيهينو''، لكن لا شيء يضمن أن الوظيفة ستبقى بيد الفرنسيين بعدما ظهر أكثر من مؤشر على أن الولايات المتحدة تضغط من أجل إسناد المهمة إلى جنرال أميركي· دول الجنوب ما انفكت تطالب بمنصب نائب الأمين العام الذي يشغله، حالياً، البريطاني مارك مالوتشي براون· وتأميناً للتوازن، هناك اتجاه لاختيار امرأة للمنصب، حتى أذا ما تنازل البريطانيون عنه، فالبديل عندهم قسم الشؤون السياسية، ودون أن يبقى أمام الولايات المتحدة سوى أن تضغط من أجل الاحتفاظ بقسم الإدارة الذي يشغله، حالياً، الأميركي كريستوفر بورنهام الذي يضع صورة للرئيس ''جورج دبليو بوش'' في مكتبه· أما الصين فتسعى إلى رئاسة قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، فيما تفضِّل موسكو أن تظل ممسكة بمكاتب المنظمة الدولية في جنيف· ورشة خمسة نجوم اللعبة دقيقة· ويدرك ''بان كي ـ مون'' ذلك، وهو منذ أن أدّى القسم في 14 ديسمبر الجاري يواصل استشاراته ولقاءاته، لا سيما مع مندوبي الدول الكبرى، إذ لا يريد، ومنذ اللحظة الأولى، أن يكون في مواجهة مع أحد· المهمة ثقيلة، وهو الكوري الجنوبي الذي يدرك أنه كلما كانت دورة العمل سلسة كلما كان الإنتاج أكبر، معتبراً أنّ الانسجام بل والتفاعل ضروري جداً بين مختلف الأقسام، الأمانة العامة تستطيع أن تفعل الكثير إذا ما تمكنت من أن تتصرف بتوازن وبجدّية· لقد سبق لكوفي أنان وقال لكبار الموظفين: ''هذا المبنى لا يصلح أن يكون فندقاً حتى ثلاث نجوم، إذاً لنصنع منه ورشة خمسة نجوم''·· لا ريب أن للأمين العام رؤيته للعالم· يرفض دور ''البوسطجي''، ويعتبر أنّ المنصب حسّاس جداً وفعّال جداً إذا قرأ أحدهم ميثاق المنظمة الدولية· كتبت ''لوكنار انشينه'' الفرنسية الساخرة: ''حضرة الأمين العام لا يستطيع أن يكون··· بطة''· ماذا عليه أن يكون؟ ''افلاطون'' أم القدّيس ''بولس''؟ لا سبيل للحالتين داخل تلك البانوراما الرمادية التي تعني الكرة الأرضية، لكن مسائل كثيرة تعتمد على دينامية الأداء· ''بان كي ـ مون'' يتمتع بقدرات كبيرة، ويعرف، من خلال تجربة شبة الجزيرة الكورية، أي مأساة تواجهها الدول التي دفعت ثمن الحرب الباردة، وقبلها ثمن الحرب الباردة·· اللغة الكورية الملفات كثيرة أمام الأمين العام الجديد· يُقال: إنّه رجل يتقن صناعة الأفكاروالابتسامات أيضاً· على أرض الواقع ماذا؟ تقول ''لوس انجلس تايمز'': ''إذا كان عليه أن يتحدث عن عملية تحديث واسعة، وتشمل مجلس الأمن، فالرجاء أن يتكلم باللغة الكورية، هذه أفضل وسيلة لكي لا يفهم أحد الرجل، المهم لكي لا يحاربه''· إنه الرجل الذي وُلِدَ بين الحرائق· بلاده صنعت المعجزة لا يتصوّر هو أنه يستطيع أن يفعل ذلك الحد الأدنى من المعجزة؟ هذا مستحيل أيضاً أمام ذلك الطوفان الهائل من المشكلات التي تظهر أن ذلك العالم القديم لا يزال إياه: حين يجلس على مقعده، قد يتساءل: شيخوخة الزجاج أم شيخوخة العالم؟ الاثنان معاً··· ''أورينت برس''
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©