الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نوبل للسلام.. وغياب الإنجازات الضخمة

12 أكتوبر 2014 00:00
في مطلع هذا الأسبوع، قلت في مقال لي إن جائزة نوبل للسلام عن هذا العام يجب حجبها لأنه ما من أحد يستحقها. وكانت حجّتي في ذلك أن مظاهر العنف والاضطراب التي يشهدها العالم يمكن أن تُعزى لفشل السياسيين كأفراد وحكومات ومؤسسات في التصدي لها. وبالرغم من تلك الإشارة، فإنني لا أعارض القرار الصادر عن اللجنة النرويجية لجائزة نوبل بمنح جائزة العام لملالا يوسف زاي وكايلاش ساتيارثي عن «نضالهما ضد قمع الأطفال والأحداث وعن حق جميع الأطفال في التعليم» وفقاً لماء جاء في الإعلان عن الجائزة. وربما كان الشيء الأكثر انطواء على المفاجأة حول جائزة هذا العام هو أنها لا تنطوي على المفاجآت. وذلك لأن جوائز السلام التي مُنحت في السنوات القليلة الماضية كانت غير مستحقة ولا متوقعة وخاصة منها تلك التي فازت بها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية العام الماضي، والاتحاد الأوروبي عام 2012، وباراك أوباما عام 2009. إلا أن «ملالا» على العكس من ذلك، وصفت بأنها المرشحة الأقوى والأكثر تفضيلاً في كل المناظرات التي انتهت بالإعلان عن فوزها بالجائزة يوم الجمعة الماضي. وهذه الفتاة ذات السبعة عشر ربيعاً، والتي سبق لها أن تلقّت إحدى رصاصات الإرهاب من تنظيم «طالبان» عام 2012 عندما كانت تقود الحملة المؤيدة لحق الفتيات في التعليم في وادي سوات الباكستاني، أصبح اسمها شهيراً على المستوى العالمي في مجال الدفاع عن الحقوق العائلية، وخاصة بعد خطابها المتقن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي ونشرها لكتاب مذكراتها الذي حقق أفضل المبيعات في مجاله. وأما الفائز بالنصف الثاني من جائزة السلام، الهندي «ساتيارثي»، الذي بلغ عامه الستين، فلقد قاد حملات متواصلة ضد تشغيل الأطفال القصّر في الهند، ولكنه بقي أقل تألقاً بكثير من «ملالا» وهو الذي اشتهر بالهجوم على المصانع التي تشغّل الأطفال. وكان في بعض الأحيان يواجه حراسها المدججين بالأسلحة. كما يعزى إليه فضل افتتاح مركز لإعادة تأهيل الأطفال الذين ينجح في تحريرهم. وهو أيضاً منظم ما أصبح يعرف في الهند والعالم باسم «مسيرة مارس ضد تشغيل الأطفال». وكان من إبداعاته النضالية الأخرى أنه دعا مستهلكي الأثاث المنزلي لعدم شراء السجاد إلا إذا كان مرفقاً بملصقة كتبت عليها عبارة (مصنوعة من دون استخدام الأطفال). وبالرغم من أن «ملالا» و«ساتيارثي» مناضلان رائعان ورقمان مهمان في الدفاع عن الحقوق المدنية، إلا أنني أظن أن منحهما جائزة السلام يمكن اعتباره دليلا على غياب الإنجازات الضخمة في صنع السلام. ففي السنوات الأولى لإنشاء الجائزة، كانت تمنح في معظم الأحوال تقديراً لإنجازات ضخمة في صنع السلام أو النجاح في عقد معاهدات لإنهاء الصراعات الدامية. ولهذا السبب رأينا كيف حصل عليها أشخاص لا يعرف عنهم ميلهم الشديد لوضع حد للحروب، ومن أشهرهم ياسر عرفات وهنري كسينجر. كما كانت هذه الجائزة تمنح أحياناً لأشخاص من ذوي الإسهامات الفعّالة في العمل لحل مشاكل خطيرة طارئة أو ضد الظلم الذي يتعرض له البشر، ومن أمثلتهم «آل جور» الذي كرّس معظم حياته للدفاع عن البيئة، وزعيمة المعارضة ورئيسة الجبهة الوطنية الديمقراطية في بورما «أونج سان سو كي». وإن كان من المؤكد أن جائزة نوبل يمكنها أن تمنح الشهرة على طبق من فضّة للأشخاص المحظوظين الذين يفوزون بها، إلا أن هناك القليل جداً من الأدلة والقرائن التي تؤكد أنها تشكل عوناً لهم في مجال نضالهم أو عملهم. ومن أمثلة ذلك أن منح الجائزة للمدافع الصيني عن حقوق الإنسان «ليو زياوبو» عام 2010 والقابع وراء القضبان، ربما يكون سبباً في تقليص احتمال إفراج السلطات الصينية عنه. ويرى بعض المحللين أن افتتان الصحافة ووسائل الإعلام الغربية بفوز ملالا يمكن أن يسبب لها المشاكل. وعندما تم استبعادها عن الفوز بالجائزة العام الماضي، كتبت المدوّنة الباكستانية والمدافعة عن حقوق المرأة «زينب توفاكسي» مقالاً استأثر باهتمام عدد ضخم من القراء جاء فيها: «لقد كُتب لنضالنا الذي استمر لعدة عقود في باكستان أن يُختصر بحكاية فتاة صغيرة اسمها «ملالا». وأضافت: «ولعل ما يفتقر إليه العالم الآن، ولجنة نوبل بشكل خاص، هو نوع من العمل المؤسساتي من أجل السلام يمكنه أن يحقق التقدم الحقيقي للشعوب». وبالطبع، فإن هذا الذي يحدث هو مشكلة لجنة جائزة نوبل لا مشكلة «ملالا» وأنا أعتقد بأنه لو أتت فتاة جريئة لتقابل الرئيس أوباما وجهاً لوجه وتقول له إن سياساته العسكرية، هي التي تعمل على تشجيع الإرهاب في العالم، فإن ذلك لن يحوّلها بالضرورة إلى صورة كاريكاتورية تستحق الإعجاب. وفي كل الأحوال، فربما يكون من الحكمة أن تكون لجنة نوبل أكثر عدلاً وإنصافاً في تكريم المشاهير من صغار وكبار السن الذين كرسوا حياتهم للعمل في نفس الاتجاه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©