الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا.. هل تسير على خُطى البوسنة؟

18 سبتمبر 2015 21:46
اقتضى الأمر تقسيماً مؤقتاً من أجل إنهاء الحرب التي مزقت البوسنة في عقد التسعينيات، فلماذا لا يتم القيام بشيء مماثل في سوريا؟ والواقع أن ملامح سوريا مقسّمة باتت واضحة منذ الآن، بعد أن رسمتها خطوط الجبهة في الحرب الأهلية. فالرئيس بشار الأسد انسحب من الأراضي التي كان من الصعب جداً على قواته الحفاظ عليها، وتخلى عن محاولة إعادة فرض سيطرته على عموم البلاد. والأكراد أضحوا يبسطون سيطرتهم على الحدود التركية، بعد أن طردوا تنظيم «داعش». هذا في حين تشكل الفصائل المتنافسة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار السنة صورة أكثر تعقيداً؛ غير أن خارطة لشكل خطوط الجبهات هذا الصيف تُظهر الخطوط العريضة لتقسيم ممكن لسوريا إلى ثلاث مناطق: واحدة خاضعة لسيطرة النظام، وأخرى لسيطرة الأكراد، وثالثة لسيطرة السنة، بما في ذلك المنطقة التي يسيطر عليها داعش حالياً. «فابريس بالانش»، باحث بمجموعة البحث والدراسات المتخصصة في المتوسط والشرق الأوسط بمدينة ليون الفرنسية، يرسم خرائط للمجموعات العرقية والدينية في سوريا منذ ما قبل الحرب بوقت طويل. وكان قد انتُقد بشدة في 2001 لأنه قال إن ثقة الغرب في حتمية موت الأسد في غير محلها وإن ما سيحدث في سوريا هي حرب أهلية وتفكك للبلاد. ولكن «بالانش» يبدو أقل تفاؤلاً اليوم إذ يقول: «لدينا تقسيم بحكم الواقع، ولكن لا أحد يريد الاعتراف به. ففي دمشق، هناك ملصقات في كل مكان حول سوريا الموحدة. ومن جهتها، تقول المعارضة إننا لا نريد تقسيماً. ولكن التقسيم آت». «بالانش» يعتقد أن الحرب ستتواصل، ما سيؤدي إلى شكل من أشكال التقسيم، وذلك لأن تصميم قوى إقليمية ودولية على تأمين مصالحها مازال أقوى من أي رغبة في إنهاء القتال. ولكن ماذا لو كان من الممكن، على غرار ما حدث في اتفاقات دايتون في 1995، جمع القوى الخارجية، إلى جانب وكلائها داخل سوريا، وإتمام تلك العملية من خلال التفاوض، بدلا من الاقتتال؟ اتفاقات «دايتون» قضت بتقسيم البوسنة إلى كيانات يحكم ويؤمّن فيها المسلمون والصرب الأرثوذوكس والكروات الكاثوليك أنفسهم بأنفسهم، مع خلق مؤسسات فيدرالية حولهم تم ملؤها بالتوازي مع الاستعادة التدريجية للثقة. والأكيد أن ذلك كان حلا غير مثالي، ولكنه نجح في إنهاء إراقة الدماء. ويرى «بالانش» أنه إذا تم تقسيم سوريا على نحو مماثل، فإن النظام سيرغب في السيطرة على كل الحدود الإسرائيلية واللبنانية، إضافة إلى دمشق وحمص ومعقل العلويين الساحلي. وبالمقابل، سيضطر الأسد للتخلي عن حماة، إضافة إلى البلدات السُنية المجاورة. ولا شك أنه ستكون ثمة مشاكل صعبة سينبغي التعاطي معها؛ وأي تقسيم ستعتريه الفوضى، غير أن اتفاق دايتون النهائي لم يخلُ من الفوضى أيضا. والواقع أن عملية سلام واحدة مثل دايتون تظل أمراً مستبعداً في سوريا لسببين. الأول، أنه لم يكن في البوسنة أي شيء يشبه «داعش»، التنظيم المتطرف الذي لا يمكن أن يجلس إلى طاولة المفاوضات أو يُسمح له بالبقاء تحت أي تسوية. والثاني، هو أن العالم كان مختلفا في 1995. فرغم أن روسيا كانت تدعم صربيا، إلا أن الولايات المتحدة كان جد مصممة لدرجة أنها استطاعات أن تؤمّن دعم المجتمع الدولي للحل الذي أرادته. وهذا لم يعد واقع الحال اليوم. ومع ذلك، فإن اتفاقاً على شاكلة «دايتون» بين القوى الخارجية يمكن أن يبسّط النزاع السوري، حتى من دون ادعاء هدف إنهاء الحرب بشكل فوري. وهذا يمكن أن يوفر، في الحقيقة، قاعدةً لمعالجة حاجزين يعترضان طريق أي تسوية: تنظيم «داعش» وتضارب مصالح رعاة الحرب الدوليين. وكالعادة، هناك بلد واحد، هو الولايات المتحدة، يملك النفوذ والقوة لإقناع القوى الخارجية بقبول فكرة التقسيم ولرعاية اتفاق لوقف إطلاق النار بين الأسد والثوار الأقل تشدداً. وفي وقت تقوم فيه روسيا بإنشاء قاعدة جوية في طرطوس، وتصعّد فيه تركيا الحرب ضد المقاتلين الأكراد المتحالفين مع الأكراد الآخرين في سوريا، فلا شك أن هذه هي اللحظة المناسبة لتجريب شيء لديه، على الأقل، فرصة لتقليل إراقة الدماء. مارك شامبيون* *محلل سياسي بريطاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©