الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا اللاتينية.. نهاية «زمن اليسار»

5 مارس 2016 01:17
تمثل الهزيمة التي لحقت بالرئيس البوليفي «إيفو موراليس»، في الاستفتاء الذي جرى الأسبوع الماضي، على مد فترة ولايته في الحكم، علامة جديدة على أفول زمن القادة اليساريين الشعبويين في أميركا اللاتينية، وبداية عهد سياسي جديدة فيها هو «عهد البراجماتية». فبعد 25 عاماً من الشعارات السياسية، التي بدأت مع الحكومات المؤيدة لنظام حرية الأسواق في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وفي فترة أحدث مع الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو شافيز عن ثورة «اشتراكية القرن العشرين» في الألفية الجديدة، باتت أميركا اللاتينية تشعر بالإنهاك الشديد في الوقت الراهن. يشار في هذا السياق إلى أن الناخبين في الأرجنتين، وفنزويلا، وبوليفيا، قد ألحقوا هزائم ساحقة بقادة بلادهم اليساريين الشعوبيين في الشهور الأخيرة، كما أن هناك علامات تدل على أن الرياح السياسية آخذة في التغير في الإكوادور، وفي البرازيل أكبر بلاد القارة. ففي نوفمبر الماضي، انتخبت الأرجنتين الرئيس «ماوريسيو ماكري» وهو مهندس ينتمي لتيار «يمين الوسط»، يأنف اللافتات الأيديولوجية، ويقدم نفسه على أنه رجل أعمال لا أقوال. و»ماوريسيو» يقف على النقيض تماماً من حكم الرئيسة «كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر»، التي كانت حليفة لفنزويلا، وكانت تلقى خطباً نارية ضد الرأسمالية على الطراز الأميركي، كل يوم تقريباً. وفي فنزويلا، وعلى الرغم من الترويع الواسع النطاق للناخبين، والنظام الانتخابي الذي تديره الدولة، والذي يعطي مزايا ضخمة للمرشحين الموالين للدولة، استطاع ائتلاف MUD «طاولة الوحدة الديمقراطية»، تحقيق فوز ساحق في الانتخابات التشريعية التي جرت في السادس من ديسمبر الماضي. وفي الوقت الحالي يتحكم هذا الائتلاف في الجمعية الوطنية، ويفكر في اتخاذ خطوات دستورية لإقصاء الرئيس الحالي «نيكولاس مادورو». وفي بوليفيا، وعلى الرغم من سيطرة موراليس على المحكمة الانتخابية، والكونجرس، والقضاء، وجزء كبير من وسائل الإعلام، تمكنت المعارضة من أن تحسم لصالحها استفتاء الحادي والعشرين من فبراير على مد فترة حكم موراليس لفترة ولاية رابعة. ولو كان موراليس قد فاز في هذا الاستفتاء، لكان معنى ذلك أن يظل في الحكم حتى عام 2025. وفي الإكوادور، قال الرئيس الراديكالي اليساري «رفائيل كوريا» إنه لن يسعى لإعادة انتخابه لفترة ولاية جديدة العام المقبل. يذكر أن الإكوادور تحت حكم «كوريا» قد قيدت حرية الصحافة، وأهدرت جزءاً كبيراً من ثروتها النفطية التي تدفقت عليها خلال العقد الماضي، وباتت تواجه في الوقت الراهن أوقاتاً اقتصادية صعبة، مما دفع الرئيس للتعهد بالتنحي عن الحكم. وفي البرازيل، أكبر بلاد القارة، تواجه الرئيسة «ديلما روسيف» احتمال التعرض لمحاكمة من قبل الكونجرس أو احتمال صدور قرار من المحكمة الانتخابية العليا بإلغاء فوزها الانتخابي عام 2014، والدعوة لانتخابات مبكرة على خلفية فضيحة التمويل المعروفة بفضيحة حملة «غسيل السيارة». ويشار في هذا السياق إلى أن «جواو سانتانا» كبير استراتيجيي حملة «روسيف» الانتخابية، قد أُلقى القبض عليه الأسبوع الماضي، بتهمة تلقي 7.5 مليون دولار أميركي في صورة مساهمات غير شرعية، من شركة بيتروبراس للنفط المملوكة للدولة، نظير الجهود التي قام بها في الحملة الانتخابية للرئيسة. كل ذلك، يدل على أننا نرى بداية دورة سياسية جديدة في أميركا اللاتينية. فبعد مرور 14 عاماً استفاد فيها الحكام العسكريون، الذين اعتنقوا أفكاراً يسارية شعبوية، من المداخيل الاقتصادية الضخمة، التي تدفقت على القارة - والتي تعد الأكبر من نوعها في التاريخ الحديث- بفضل المستويات القياسية التي وصلت إليها أسعار النفط، وغيره من الخامات والسلع، التي تشتهر بها القارة، أصبح هؤلاء الحكام- مع انخفاض أسعار النفط والسلع- مهددين باحتمال عدم توافر القدر الكافي من الأموال التي ينفقونها يميناً وشمالاً لضمان الولاءات، في الوقت ذاته الذي تفاقم فيه شعور شعوبهم بالامتعاض بسبب الفساد المتفشي، وفشل الحكام في الاستثمار في التعليم الجيد، والصحة، والبنى التحتية، وهو ما يجعل حكوماتهم معرضة لاحتمال الانهيار. الشيء الذي يدعو للأسى، أن الجيل القادم من قادة أميركا اللاتينية، سيجد نفسه مضطراً للتعامل مع التراجع الاقتصادي للقارة، وتبني إجراءات مطلوبة بشدة لشد الأحزمة. وإذا ما أرادت أميركا اللاتينية أن تكسر حلقة الأنظمة الشعبوية المتكررة، فإن جيلها الجديد من الزعماء البراجماتيين، يجب أن يسعى لأن يضع في دساتير بلاده ضوابط صارمة ضد الإنفاق غير المسؤول، مع الحرص على الاستفادة من مداخيل بلادهم لتوجيه قدر كبير من الاستثمارات الإلزامية لتمويل التعليم الجيد، والصحة، والبنية التحتية، لأن هذا وحده سيكون أفضل تركة ممكنة لعهدهم الجديد.. «عهد البراجماتية». * صحفي أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تربيون نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©