الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تناول وجبة في الظلام.. تجربة تحاكي عالم المكفوفين

تناول وجبة في الظلام.. تجربة تحاكي عالم المكفوفين
23 سبتمبر 2013 10:34
يتساءل البعض كيف يتعايش الكفيف مع وضعه، كيف يأكل ويشرب ويتذوق من دون أن يرى، وكيف يحدد الأشياء أمامه؟ وفي دبي يقدم مطعم مميز، افتتحه مؤخراً الشيخ زايد بن سلطان بن خليفة آل نهيان، تجربة عملية تكشف جزءاً من حياة المكفوفين من خلال تناول الطعام تحت شعار «عشاء في الظلام»، في واحدة من التجارب الجديدة كلياً في المنطقة، ينظمها مطعم «سبيكتروم أون وان» في فندق فيرمونت بدبي، بالتعاون مع جمعية «سايت سيفرز» الخيرية العالمية المعنية بالمكفوفين. في صالة استقبال المطعم في الطابق الثاني، يستقبل الزوار مضيفي المطعم بمشروب خاص، غالباً لم يتذوقه الزائر من قبل، وعند السؤال، ترد المضيفة، إنها «مفاجأة»، لتترك لك أن تفكر وتتوقع نوع المشروب، وتدخل في حالة تخمينات متنوعة. ويبدأ الاستعداد لتجربة الطعام في الظلام، من خلال تقديم حول دور الحواس الخمس في تناول الطعام، من خلال اللمس والشم، والتذوق، وربما السمع، ولكن تبقى حاسة البصر الأهم، لأن «العين تأكل قبل الفم أحياناً»، بل كثيرا، فالعين، البداية الأولى للتعرف على نوعية الطعام، وتهيئة الأجواء لوجبة شهية. ولكن ماذا لو كان الشخص فاقداً البصر، القضية ستكون صعبة، وتحتاج إلى توظيف مختلف الحواس الأخرى لتعويض الرؤية. 30 شخصاً في الممر إلى المطعم، تقف مجموعة من المضيفين، وعلى أعينهم نظارات ترى في الظلام بنظام الأشعة تحت الحمراء، مثل تلك التي يستخدمها الجنود في الحروب ليلاً، أو التي يستخدمها عمال المناجم في حالة الظلام. والموقع لا يستوعب سوى 30 شخصاً فقط، ويبدأ الدخول إلى المطعم في مجموعات، بعدد كل «طاولة»، الجميع يقف في طابور، يستمع للتعليمات، لابد من غلق الهواتف، إذ إنه ممنوع الرد على أي اتصال، حتى لا يظهر أي ضوء، ولابد من اتباع التعليمات في الدخول والخروج، وتوخي الحذر في ملامسة أدوات الطعام على المائدة، ولابد من التعرف عليها. في مدخل المطعم ستائر سوداء داكنة، يتقدم طابور المجموعة أحد المُضِيفين أو المُضِيفات، ليقود الطابور في ظلمة المطعم مستخدماً الأشعة تحت الحمراء، ومطلوب من أعضاء المجموعة وضع أيديهم على أكتاف من يقفون أمامهم، تفادياً لأي طارئ، ليدخل الضيوف في ظلام دامس، لا ضوء فيه سوى ضوء أحمر يخرج من عدسات نظارات المضيفين، ولكنها غير مفيدة في الرؤية. ويبدأ الجلوس فرداً فرداً على مقاعد الطاولات، ليبدأ الجزء الثاني من تجربة معايشة حالة «فاقدي البصر»، وتبدأ رحلة ملامسة ما هو موجود على طاولة الطعام، وحتما هناك من يراقب ذلك بالأشعة تحت الحمراء، على اليمين يوجد كوب ماء وآخر به نوعا من العصائر، وفي الجوار توجد سكينة طعام، وعلى الطرف الثاني تتلمس شوكة وملعقة، وأمام كل شخص طبق فارغ، وعلى اليسار قليلاً وبعد ملامسة محتويات الطاولة يوجد طبق به قطعة خبز. ويبدأ المُضِيفون في تقديم وجبة العشاء، تسمع همسات، وأقدام تتحرك، وأصوات أطباق، وتدور الأفكار في الذهن حول توقعات شكل وطعم الوجبة المرتقبة، وحتما هناك، نوعان من الأطباق، واحد لأكلة اللحوم، والثاني لأكلة الخضراوات، ثم يقدم المضيف «طبق المقبلات». القرار الصعب يأتي القرار الصعب، كيف ستأكل؟ هل تستخدم الشوكة والسكين، أم الملعقة، وحتماً جاء القرار سريعا، فالملعقة الحل الأمثل، في مثل هذه الحالات، فالرفاهية في هذا الموقف غير واردة على الإطلاق، وتبدأ رحلة شاقة وليست في الحسبان، لتناول الوجبة، فيدٌ تقبض على الملعقة، وبالأخرى تقبض على الطبق، وبهدوء تتلمس ما في الطبق، الملعقة الأولى تخرج فارغة، لم تلتقط شيئاً، وفي المحاولة تلتقط بعض اللُقيّمات، ويتكرر المشهد عدة مرات، تسأل نفسك أو من بجوارك ما هذا الطعام، وتأتي التخمينات متضاربة، وفي النهاية قد تضطر لتأكل بيدك ما في الطبق. وبحرص أشد تلتقط كوب المياه لترتشف منه بعض الماء، وفي الجوار ترتشف رشفات من العصير، وهو مكانه، حتى لا تفاجأ بما لا يُحمد عقباه، حتما لا تعرف إذا كان الطبق قد انتهى عن آخره، أم لا! لكن يرفعه المُضيف، وقد تفاجئ بأن الطبق قد اختفي. يأتي دور الطبق الرئيس، وتدخل في رحلة التخمينات الثانية، ومن الواضح أن «شيف» المطعم، قد راعى في الطهي والنوعية أن من يأكل لا يرى شيئاً، ولابد من تسهيل الأمور عليه، فكل شيء مطهي بشكل جيد، وفي شكل خليط، وباستخدام المعلقة، تتواصل تجربة الطعام تحت الظلام. ليس من المهم هنا الشبع، وكسر الجوع، في مثل هذه التجربة، بقدر ما هو معايشة حياة من فقدوا نعمة البصر، والتعرف عن قُرب على تفاصيل حياتهم اليومية، وواقع حياة هذه الفئة في كل المجتمعات، ويحاول المُضيف أن يساعد قليلاً في توجيه الضيوف، بالتقاط قطعة خبز. فجأة تتعالى الأصوات، فأحد الحضور فتح هاتفه، ليضيئ في ظُلمة المكان، وسريعاً ما يطلب المضيفون، إغلاق الهاتف، حتى لا يتم إفساد التجربة، ليأتي دور طبق الحلويات، حتماً لا تعرف ما هو في الطبق، وفي النهاية عليك أن تتخّيل ما فيه ربما قطعة كيك، أو كعكة صغيرة، ولتسهيل المهمة، تم وضع طبق الحلوى في ثلاث ملاعق، لتنهي التجربة، بعد نحو ساعة ونصف الساعة في واحدة من أهم التجارب الإنسانية، التي قد يخوضها الإنسان، لأنها قد تؤدي إلى تغيير الكثير من المفاهيم. 27 درهماً تشير الأرقام الصادرة عن مُنظّمة الصحّة العالميّة إلى أنّ عدد من يُعانون من الإعاقة البصريّة يُقارب 40 مليون إنسان حول العالم، وسيتم التبرع من خلال هذه الفعاليّة بمبلغ 27 درهماً عن كل شخص لصالح جمعيّة «سايت سيفرز»، التي تنتشر في أكثر من ثلاثين دولة لمساعدة من يعانون من مشاكل في البصر على استعادة بصرهم، ومواجهة حالات العمى. ويكفي ريع عشاء في الظلام لشخصين لسداد تكاليف العلاج لمريض «سداد العين» في الهند، بينما يكفي ريع عشاء شخص واحد لتأمين الدعم الغذائي الأساسي والتوعية حول مرض «عمى النهر» لطفل واحد في غانا. وتشير البيانات الطبية أن 80% من حالات العمى يمكن الوقاية منها أو علاجها، وعلى مدى العقود الستة الماضية، وفّرت «سايت سيفرز» أكثر من 262,5 مليون علاج للعمى، وأجرَت أكثر من 8,1 ملايين عمليّة لاسترداد البصر، ودرَّبت قُرابة نصف مليون من الفنيِّين القادرين على تقديم الرعاية الأوليّة للعينين، كما وفَّرت برنامجاً تدريبياً لإعادة تأهيل 123 ألفاً من المحرومين من نعمة البصر أو المُصابين بإعاقة بصريّة. تغيير مفهوم يفتح مطعم «سبيكتروم أون وان» أبوابه لوجبة «عشاء في الظلام» أيام الجمع والسبت والأحد والاثنين، من كل أسبوع في محاولة لتغيير مفهوم أن «الانطباع المرئي مُهمّ» من خلال تشجيع الضيوف على إعادة النظر بانطباعاتهم وحواسهم الأُخرى. إلى ذلك، تقول لورين سنكلير، الطاهية التنفيذية في المطعم «من خلال تجربة «عشاء في الظلام» لن ينظر الضيوف إلى طعامهم، وسيحكمون على أطباقهم من واقع طعمها ونكهتها ورائحتها، وربما من واقع الأصوات المُحيطة بهم، وليس بالاعتماد على طريقة تقديمها ومظهرها». ويقول كاميرون بيتريلي، المدير المساعد لمطعم «سبيكتروم أون وان»: «لم تُلغ هذه الفعاليّة ميزة النظر إلى الطعام فحسب، بل إن عناصر أخرى قد اختفت أيضاً بما فيها الجوّ العام للمطعم والديكور والتجهيزات الأساسيّة على الطاولة؛ حتّى إنّ الضيف لن يشعر بالآخرين يُحدّقون به، الأمر الذي يأخذه البعض بعين الاعتبار أحياناً ولا يقلّ أهميّةً عن الوجبة بحدّ ذاتها».
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©