الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لزوم ما لا يلزم

لزوم ما لا يلزم
15 سبتمبر 2012
كانت مشكلة صديقي هذا هي صورة التلفزيون. كنا في عصر ما قبل الطبق والفضائيات، حيث كان اعتمادنا في التقاط الصورة يتم باستعمال الهوائي .. وكان الهوائي مشكلة دائمة لدى بعض الناس، فهو لا يثبت أبدًا .. يتحرك فتطير الصورة أو تتلاشى، دعك من أن هذا يحدث بالذات عندما تكون هناك مباراة مهمة جدًا مثل المنتخب الوطني أمام البرازيل، أو يكون هناك حدث جلل مثل عبور قناة السويس في أكتوبر 1973 .. هكذا عاش صديقي هذا في صراع مع الهوائي، وقضى زهرة شبابه على سطح البناية في أوضاع بهلوانية. كنا قبل عصر المحمول لذا ابتاع جهاز لاسلكي مما يحمله أمناء الشرطة (ووكي توكي) ليتمكن وهو على سطح البناية من سماع تعليمات زوجته بصدد الصورة: - «هكذا.. اثبت في هذا الوضع.. الصورة تلفتْ.. حاول أن تعود للوضع السابق.. تلفت.. ممتاز.. لا تحرك الهوائي عن هذا الوضع» وهذا ببساطة غير ممكن لأنها تقول هذا وهو يتدلى في الشارع ممسكًا السور بأنامله والهوائي بين أسنانه.. لو نجا- وهذا مستحيل- فلسوف تتلف الصورة ثانية.. ابتاع كل اختراع عجيب فكر فيه الصينيون، ومنها هوائيات تشبه الأطباق الطائرة أو مشابك الغسيل .. وابتاع كل جهاز غريب يبيعه مجنون في الشارع .. ثم قال له قريب له إنه استعمل حشية فراش قديمة أوصل بها سلكين، وكانت نتائجها ممتازة كهوائي. جرب هذا أيضًا.. ثم ابتكر جهازًا قريبًا من مانع الصواعق علقه على السطح.. لحسن الحظ أن بلادنا مشمسة وإلا لهوت صاعقة لتحرق البيت كله.. جرب هذا كله وظلت الصورة في منتهى السوء.. مجرد أشباح تتلاعب في الظلام .. إلى أن جاء اليوم الذي زرته فيه فوجدت معجزة: صورة التلفزيون رائعة كما أراد لها الخواجة (بيرد) مخترع التلفزيون أن تكون . أجمل وأنقى صورة تلفزيون رأيتها في حياتي، وسألته عن السر في هذه الروعة، فقال لي بلا مبالاة: -«لا شيء .. الجيران قاوا ببناء سور، وهذا أدى لقطع سلك الهوائي !» نظرت له في ذهول: -«هل تعني أن التلفزيون يعمل بلا هوائي الآن ؟» -«بالفعل !» كان حل مشاكله كلها يتوقف على أن يتخلص من الهوائي اللعين !... كان صديقي يتعاطى دواء قيل له إنه مفيد لدورة دم المخ، وكان يزداد تعاسة وفقدان ذاكرة وصار ينام جالسًا معظم ساعات اليوم.. اقترحت عليه أن هذا العلاج عديم الجدوى وربما مضر. تلك الأدوية الصينية المجهولة التي لا يعرف أحد مما صنعت ولا تركيبها الكيماوي. لكن صاحبي ظل مصرًا على أن الدواء ينقذ ما تبقى من خلايا مخه. عندما توقف استيراد ذلك الدواء واختفى من السوق أصيب بذعر شديد وظل يتوقع أن يبدأ في الصراخ والتشنج ثم يموت أشنع ميتة. ما حدث هو أنه تحسن جدًا واسترد عافيته وأفاق بالكامل .. نفس الشيء ينطبق على صديق آخر ظل مصرًا على ان ابنه الصغير مصاب بالربو وفي حالة خطيرة وسوف يموت بالتأكيد .. والأهم أنه سيموت أزرق اللون. ظل يمنعه من كل شيء ويحشوه بالدواء، حتى صار الصبي هزيلاً ممتقعًا يشعر أنه سقيم يختلف عن الآخرين. نصحت صديقي ألف مرة أن يجرب أن يترك الطفل يعيش حياة طبيعية .. لم يفعل هذا إلا مضطرًا عندما تكاثرت الآثار الجانبية على الصغير، والنتيجة أنت تعرفها: تبين أن الصبي كان طفلاً سليم الرئتين صحيح الجسد.. وما أجمل ضحكته وهو ينطلق ليلعب مع أصدقائه مبرهناً على أن رئتيه لم تعرفا الربو يومًا.. في فيلم فورست جام كان هناك طبيب عظام أجبر الصبي فورست في طفولته على ارتداء جهاز شديد التعقيد، كأنه قفص حول ساقه والسبب أن عظامه معوجة. ذات مرة تهشم هذا القفص فاكتشف الصبي أنه أسرع عداء عرفته البلدة !... لزوم ما لا يلزم .. على كل منا أن يبحث في حياته عن هوائي لا لزوم له .. اقطع السلك .. صدقني .. سوف تصير الصورة أجمل وحياتك أنقى. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©