الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مواطن كفيف يستعين البصيرة بالأمل لإثبات ذاته

مواطن كفيف يستعين البصيرة بالأمل لإثبات ذاته
28 سبتمبر 2011 18:51
إبراهيم محمد كان الطفل الوحيد لوالديه، وكانت والدته رحمة الله عليها شديدة التعلق به والخوف عليه، وكان ذلك القلق من والدته سبباً في تغيرات كثيرة حدثت في حياته لاحقا، حيث رحلت أسرة إبراهيم عن إمارة الشارقة، وسافرت إلى الكويت بحثاً عن الرزق في زمن ما قبل النفط، والسبب الآخر لتلك الرحلة أن إبراهيم أصبح كفيفاً إثر مرض ألم به. عندما أتى ابراهيم من الكويت كان يحمل معه آلة كاتبة وكتباً طبعت بطريقة “برايل”، وكان ذلك الزاد الذي أعانه خلال فترة الدراسة في الكويت، وجعله يتواصل مع العالم من حوله، ويكون صداقات مع زملاء رحلوا إلى دول خليجية مختلفة، حين كانت المراسلة بالبريد رائجة للتواصل بين محبي الصداقات، وجامعي الطوابع والتذكارات. إلى ذلك، قال إبراهيم إنه كان مثل جميع الأطفال يحب اللهو واللعب، وقد تعرض لحادث الإصابة بالرمد عندما كان طفلا، فقامت الأسرة باصطحاب طفلها المصاب إلى إحدى الدول الخليجية للعلاج حيث علموا أن الجراحة قد تعيد البصر للعين المصابة. وقبل السفر للكويت سافرت الأسرة مع إبراهيم لإجراء جراحة لتلك العين التي أصيبت بالرمد، ولكن وقعت المصيبة الأكبر حيث قام الجراح أثناء العملية بإتلاف العين السليمة بواسطة المشرط، وهو يجري عملية العين المصابة، ولم تنجح في ذات الوقت عملية العين المصابة، وهكذا فقد إبراهيم البصر كليا، وعندما سافر الوالدين لدولة الكويت بحثا عن فرص عمل أفضل، كما كان يفعل معظم الرجال، سعيا هناك نحو هدف كبير وهو أن يتعلم إبراهيم حتى يحصل على الشهادات العالية. وعندما انطفأ نور بصره أوقد الله له نوراً من بصيرته، وقد أصبحت تلك البصيرة تقوى مع الوقت، وعززت الدراسة واحتكاكه بالطلبة من ثقته بنفسه، وكان دائما هناك من ينبهر بتلك الثقة، حيث يقول إنه في فترة الستينيات كان يكتب بالآلة الكاتبة الرسائل والملخصات، وكان يستطيع أن يعلم من لديه أمية في الطباعة بالآلة الكاتبة أفضل من أن يتعلمها من بصير، لأنه يحثه على حفظ أماكن الحروف دون أن يراها، أو أن يلقي بنظره خلسة إلى لوحة المفاتيح. يتابع أنه بعد عودته إلى الإمارات وصل وحيدا مع بعض أهالي الشارقة الذين يعودون في كل صيف لذويهم في الإجازات، وكان قد أنهى دراسته، وقد حل ضيفاً على أسرة تربط أسرته بها صداقة وأخوة، على أمل أن تلحق به أسرته المكونة من والدته والرجل الذي لم يبخل عليه بالحنان والرعاية، وكان أهم ما رغب فيه في المكان الجديد أن يتعرف على أركان وغرف المكان الصيفي، حيث من المهم أن يلمس كل شيء بنفسه. وبعد جولة صغيرة لم تستغرق أكثر من عشر دقائق، يقول إبراهيم إنه حفظ المكان عن ظهر قلب، ولم يكن بعد ذلك بحاجة لمن يعينه على التنقل. مفاتيح المعرفة يقول إبراهيم إن الإنسان ربما يفقد العينين ولكنه يستطيع أن يرى بشكل آخر إن قام بتنمية بصيرته، لدرجة أنه قد يتفوق على البصير الذي ربما تفوته شاردة لأنه يراها ولا يفكر بها، ولكن من ينمي البصيرة فإن تلك الشوارد الصغيرة لا تمر عليه مرور الكرام بل ربما يكتشف عطلا أو خللا في جهاز فحصه رجل بصير العينين. ومن أسرار ما تعلمه إبراهيم كي يعيش في نور أنه يضع مفاتيح لكل ما تلمسه أطراف أصابعه، فيكفي أن يلمس طبقا أو طرف كوب كي يكمل تناول وجبته دون أن يكبد أحدا عناء إطعامه ولا يلوث المكان الذي يتناول فيه الطعام، وتعلم من الظلام الهدوء، ومنحه الصبر رسم الابتسامة حتى في تلك اللحظات التي يكدر صفو روحه أمر، فإنه ربما يتغلب على الموقف برسم ابتسامة تبعث على الأمل أن لا شيء دائم فإن الحزن زائل والفرح ضيف زائر. ويكمل أنه بدأ بتلقي علومه في معاهد النور ثم تابع في ثانوية الشويخ في الكويت، وأكمل تعليمه الجامعي في جامعة الكويت قسم اللغة العربية وتخرج عام 1977، وفي الكويت كان معه في السكن الداخلي مجموعة من الأصدقاء، الذين تشارك معهم في الطعام والشراب والنوم والدراسة، وارتبط معهم بصداقة مستمرة. وكانت أول وظيفة لإبراهيم بعد أن حصل على وظيفة بعد عودته إلى الإمارات هي معلم في مدرسة “عبدالله السالم” حيث قام بتدريس اللغة العربية لمدة سنتين للصف الخامس والسادس الابتدائي، ثم انتقل لمدرسة علي بن أبي طالب ليدرس اللغة العربية والتربية الإسلامية. عما إذا كان واجه صعوبة في التدريس، يقول إبراهيم “على العكس تماماً حيث كان ينتهج أسلوباً ذكياً أساسه ألا يحرج الطالب أمام بقية الطلبة وكان يخبر الطلاب عن اليوم الذي سيسأل الطلاب أو يسمع لهم ما تم حفظه، كما وعد الطلاب ألا يطلب أي طالب بالاسم ليجيب وإنما على الطلبة أن يخبروه قبل بدء الدرس، من منهم جاهز للإجابة ومن منهم لم يحفظ، وقد جعل هذا الأسلوب الطلاب يقبلون على هاتين المادتين بحماس، حتى تحسنت أوضاع الطلاب ذوي المعدلات المتدنية”. أصبح الطلاب يذهبون من تلقاء أنفسهم إلى معلمهم إبراهيم كي يسألهم أو يناقشهم، كما تحسنت سلوكيات الطلبة المشاغبين وأصبحوا أكثر هدوء، وقد عمل مدير المدرسة اجتماع للمعلمين وطلب من إبراهيم أن يخبر بقية المعلمين عن الخطة التي اتبعها، والتي تجعل من الفصل الذي يشرف عليه إبراهيم هادئا في الوقت الذي تسمع فيه أصوات الطلاب وإزعاجهم في الفصول الأخرى، وذلك حتى ينفذها بقية المعلمين فتصبح الصفوف أكثر هدوء، ورغم إن إبراهيم ترك التعليم منذ سنين طويلة، ورغم إن طلابه أصبحوا رجال أعمال ومديرين وفي مهن مختلفة، لكنهم لا زالوا يتذكرونه إلى اليوم ويذهبون إلى منطقة الشارقة التعليمية، كي يسلموا عليه ويطبعون قبلاتهم على رأسه دليل الولاء والوفاء. «دينامو المنطقة» في عام 1982 ترك إبراهيم التعليم وانتقل للعمل كمسؤول عن الإعلام التربوي بمنطقة الشارقة التعليمية، حيث تم تكليفه بمهام إبراز أنشطة المدارس ومنطقة الشارقة لدى أجهزة الأعلام، والتنسيق مع المحاضرين الذين سيلقون بمحاضراتهم أو يقيمون دورات في المدارس، ولذلك وضع أسسا ثابتة جعلته محبوبا من كل الذين يعملون معه، وإن حدث وزار أي إعلامي إبراهيم الذي اشتهر بلقب أبوجمال في مكتبه، فسيجد أن معظم من حول إبراهيم يسألونه عن أرقام وأسماء ومواعيد، قد لا تكون من ضمن مهمته الإجابة عليها ولكن ذاكرة إبراهيم جعلت من حوله لا يستغنون عن اللجوء لطلب المساعدة منه، وهم يطلقون عليه “دينامو المنطقة”. من الأسس الثابتة لديه مراعاة الوظيفة كأمانة وأن حب العمل يذلل الصعوبات ويجعل الموظف ناجحا والمدير متميزا، وأن معاملة الناس والمراجعين بحب ومودة ضرورة مكملة لشخصية الإنسان ولذلك يبادل المراجعون والموظفون أبوجمال ذات الشعور، ولأنه يقظ وحاضر الذاكرة والبديهة فقد استطاع أن يحقق لنفسه التألق ويصنع تلك الهالة التي تحيط به من التميز، وهو يؤكد أن أهم ما في حياته أسرته ووظيفته، ولذلك لا يجد إبراهيم أي وقت ضائع لا يعرف ماذا يصنع به لأنه كرس جل وقته للبيت والوظيفة، وهو يرى أن أجمل ما حققه هو إصراره على أن يتعلم وينجح، وكان لا يفكر في الجلوس للاستماع إلى دردشة الأصدقاء حول اللعب أو المزاح وتضييع الوقت، وإنما يقضي جل وقته في الاستذكار والإطلاع، وبعد أن أصبح موظفا وزوجا وأبا منح الوقت لهذه العناصر التي هي سر سعادته وشعوره أن كل شيء جميل، وأن الإنسان هو من يصنع الجمال والسعادة ولذا عليه أن لا يبحث عنها بل ينتجها، ولذلك زوجته تؤكد أنها لم تجد بين من حولها من البشر، من هو أكثر حنانا وتفهما وديمقراطية من أبو جمال، حيث تعلمت على يديه كيف تحب وتسامح وتصبر وأن تتأن ولا تتسرع، وأن تتسم بالهدوء الذي أصبح سمة من سمات الأسرة.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©