الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كثرة خضوع المرضى للفحوص بالأشعة السينية تعرضهم للتراكم الإشعاعي

كثرة خضوع المرضى للفحوص بالأشعة السينية تعرضهم للتراكم الإشعاعي
16 سبتمبر 2012
قبل عدة سنوات خلت، قام طبيب الأسنان جيي فريدمان من لوس أنجلوس بإحالة مريضة زارته إلى طبيب أمراض الأنسجة الداعمة (هو فرع من علوم طب الأسنان يدرس الأنسجة والبنى المحيطة بالسن مثل اللثة والرباط السني السنخي والملاط والعظم السنخي). وبعد بضع سنوات، أخبرت المرأة الدكتور فريدمان أن الطبيب الذي أرسلها له يُخضعها سنوياً لفحص محيطي شامل بالأشعة السينية يُظهر كل سن من أسنانها من جذره إلى تاجه. فكان جواب فريدمان أن مرض اللثة يتطور ببطء شديد، وأنها لم تكن بحاجة إلى فحوص سنوية بالأشعة السينية. عادت المريضة لطبيبها وأخبرته بقلقها بشأن كثرة تعرضها لهذه الفحوص، فاستاء من كلامها ونصحها بأن تبحث عن طبيب غيره لتبديد قلقها، وقد فعلت ذلك فعلاً وكفت نفسها شرور التراكم الإشعاعي الذي يعد السبب الرئيس للإصابة بأورام الدماغ والمخ. لا شك أن التصوير بالأشعة هو أداة فعالة وناجعة تسمح لطبيب الأسنان بتشخيص تسوسات الأسنان، والتعرف إلى ما يهاجم الأسنان واللثة من جراثيم وأمراض تُسهم في تدمير العظم المحيط بالسن، ومكان ضرس العقل غير الناتئ بعد، وتحديد الأسنان التي تحتاج إلى تقويم وتصفيف، وغيرها من الحالات والأمراض، لكن ذلك كله مشروط بالاستخدام الضروري والسليم لهذه الفحوص الإشعاعية. وعندما يتم الإفراط في إخضاع المريض لفحوص الأشعة السينية، فإن النتيجة الحتمية تكون هي تعريضه لكميات كبيرة من الإشعاع غير الضروري، وتكليفه مصاريف كثيرة مقابل فوائد صحية قليلة جداً، وأحياناً معدومة، أو تحت الصفر باعتبار الأضرار الناجمة عن الإشعاع التراكمي. فحوص غير ضرورية يُدرك العاملون في الأوساط الطبية حجم الأرباح الطائلة التي تجنيها العيادات والمختبرات من هذه الفحوص التي لا يختلف اثنان على كونها أضحت مصدر دخل ضخم لقطاع كبير من الأطباء والممارسين. ويتحجج بعض أطباء الأسنان بالقول إن إخضاع المريض لفحص الأشعة السينية هو تدبير ضروري يحميهم من الوقوع في أخطاء بفضل تمكينهم من التشخيص الدقيق لأمراض الفم والأسنان وعلاجها من ثم كما ينبغي، بالإضافة طبعاً إلى تحصينهم من المتابعات القضائية التي قد يتعرضون لها في حال آلت الأمور مع مريض ما على غير النحو المنتظر. لكن خبراء يقولون إن هذه حجج واهية، ويعتبرون أن الممارسات الصحيحة لعلاج الفم والأسنان هي الضامن الوحيد لصحة المريض والحامي لمهنة الطبيب، وليس الأشعة السينية. ولا يوجد في الساحة العلمية البحثية للأسف إلا القليل من الدراسات القائمة على أدلة قوية حول الاستخدام الصحيح للأشعة السينية، لكن هناك اتفاقا على نطاق واسع بأن الإفراط في استخدام هذه الأشعة يعرض المريض لمخاطر التراكم الإشعاعي في الجسم، وخصوصاً لدى الأطفال. إحدى هذه الدراسات سبق نشرها في مجلة «السرطان» في أبريل الماضي بعنوان «الأشعة السينية للأسنان ومخاطر الإصابة بأورام الدماغ». وقد وجدت هذه الدراسة علاقة بين كثرة التعرض للأشعة السينية، وخصوصاً في مرحلة الطفولة، ونمو الأورام في المخ أو الدماغ. ومن حسن الحظ أن هذه الأورام تكون في غالبيتها أوراماً حميدة. وبالتالي فلا يمكن لأي طبيب أسنان لديه حس بالمسؤولية ويحترم أخلاقيات مهنته أن يوصي مريضه بإخضاع فمه وأسنانه لفحص سنوي بالأشعة السينية، على غرار ما فعل أحدهم مع مريضة الدكتور فريدمان بلوس أنجلوس. ويحصر خبراء طب أسنان أميركيون الاستخدامات غير الصحية وغير الضرورية للأشعة السينية فيما يلي: ? الفحوص الروتينية التي تصور تيجان الأسنان العلوية والسفلية خلال الفحص السنوي. ? الفحص المحيطي الشامل الذي يصور الفكين وجمجمة الرأس بكاملها قبل بدء علاج تقويم الأسنان. ? الفحوص التي تأخذ صوراً بانورامية للأسنان والفكين العلوي والسفلي من أجل تقييم درجة ألم والتهاب مفصل الفك. ? فحوص التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد باستخدام الحاسوب. وهي فحوص مشابهة لفحوص التصوير المقطعي ثنائي الأبعاد بالحاسوب، لكن مع درجة إشعاع أكبر بكثير. ويشيع استخدامها أكثر لدى عيادات تقويم الأسنان، وقبل عمليات خلع ضرس العقل. وينبغي أن يكون واضحاً أن أطباء الأسنان معرضون للخطأ كغيرهم من الأطباء، وربما أكثر منهم. فقد يُهمل أحدهم تسوساً ما في سن مريضه، أو تجمعاً صديدياً داخل تجويف سني، أو حتى كيساً كبيراً في اللثة، وهي إصابات قد لا تُشعر بالألم إلا بعد اكتمال تطورها قد يدوم لسنوات. ولذلك فإن على طبيب الأسنان الاطلاع على الفحوص السينية السابقة لمريضه كما لو كانت جديدة، حتى يتأكد مما إذا كان قد فاته شيء ما قبل تحديد ما إن كان يحتاج إلى فحوص سينية إضافية. فحوص ضرورية يقول الدكتور فريدمان إن جمعية طب الأسنان الأميركية وضعت رهن إشارة الممارسين المرخصين دليلاً إرشادياً يتحدث عن جميع أنواع الفحوص السينية ويحدد الضروري منها والثانوي، بالإضافة إلى الأعراض الجانبية لكل فحص. لكن فريدمان يضيف أن هناك دائماً استثناءات لكل قاعدة ولكل فحص. ومن ثم فإن الطبيب الماهر هو ذلك الذي يصيب في اجتهاده في مدى إخضاع المريض للفحص بناءً على أعراض الفحص بالنظر إلى حالة المريض، وكذلك في حال غَلَب يقينُه شكَه بأن شيئاً ما على غير ما يرام في فم المريض أو أسنانه. وبالنسبة للأطفال، لا توجد لديهم عادةً فراغات بين الأسنان. ولذلك فإن تصوير تيجان أسنانهم العلوية والسفلية الخلفية ينبغي أن يؤخذ خلال الفحص المبدئي. ففحوص تصوير تيجان الأسنان يمكن أن تتكرر بعد 18 شهراً إلى 24 شهراً بالنسبة للأطفال غير المعرضين لمخاطر الإصابة بتسوس الأسنان، أو غير المصابين بها بالمرة. ولكن الأطفال المصابين بتسوسات أسنان كثيرة، يجب أن يخضعوا لهذه الفحوص بعد 12 شهراً إلى 18 شهراً. وفيما يخص الراشدين، فإن الفحوص السينية المحيطية الشاملة، وتلك التي تصور مقاطع جانبية يجب أن تجرى في أثناء الفحوص المبدئية. ويمكن اللجوء إلى نسخ الفحوص السينية السابقة التي خضع لها المريض على يد ممارس آخر في السنوات القليلة السالفة في حال لم يكن المريض قد أصيب خلالها بأية أمراض في الفم والأسنان، ولا أية أعراض جديدة. وبالنسبة للراشدين الذين لديهم بضع تسوسات فقط أو ليس لديهم أي تسوس في الأسنان، فإنهم لا يحتاجون لتكرار الخضوع لفحوص تصوير تيجان الأسنان العلوية والسفلية إلا كل سنتين أو ثلاث سنوات. أما أولئك المعرضون للإصابة بالتسوس، فعليهم أن يكرروا الخضوع لهذا الفحص كل 18 شهراً، وهي الفترة التقريبية التي يحتاجها كل تسوس جديد ليصبح مرئياً عبر الأشعة السينية. وفي حال عدم وجود أية علامات أو مخاطر للإصابة باضطراب سني جديد ما، فإنه لا داعي لتكرار الخضوع لفحص الفم والأسنان المحيطي الشامل إلا بعد مرور عشر سنوات. وفيما يتعلق بعلاجات التقويم الروتينية وخلع ضرس العقل وعلاج اضطرابات التهاب مفصل الفك، فينصح الخبراء المرضى برفض الخضوع للفحوص السينية المحيطية الشاملة للفك والرأس، وفحوص التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد بالحاسوب، والفحوص الخاصة المستخدمة عادةً لتشخيص المصابين بالتهاب مفصل الفك. ولا ينبغي لأي مريض أن يجد غضاضة في رفض الخضوع لفحص أو طلب استبداله بفحص آخر غير إشعاعي. فأطباء اليوم منفتحون أكثر على مخاوف المستهلكين وهواجس قلقهم. وحتى إن صادف المريض طبيباً متعنتاً لم يرحب بطلبه، فما عليه إلا أن يستبدله بطبيب آخر دون تردد، فمن لا يحرص على سلامة المريض وتجنيبه المخاطر الصحية والأعراض الجانبية هو طبيب غير جدير بثقة المريض أساساً. كما ينصح الخبراء المرضى بالتشبث بطلب عدم الخضوع لأي فحوص مشبوهة أو غير ضرورية، وألا يتراجعوا عن طلبهم لو كانوا متأكدين بعدم ضرورة الفحص، حتى لو حاول الطبيب ثنيهم عن قرارهم. هشام أحناش عن «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©