الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البابا في بيروت... وسط ظرف إقليمي متوتر

البابا في بيروت... وسط ظرف إقليمي متوتر
16 سبتمبر 2012
وصل بابا الفاتيكان بينيدكت السادس عشر إلى لبنان يوم الجمعة الماضي، في زيارة تدوم ثلاثة أيام، يأتي في المقدمة من أهدافها إظهار الدعم والمساندة من جانب الفاتيكان للمسيحيين في لبنان وفي عموم منطقة المشرق العربي التي تشهد اضطرابات كبيرة في الوقت الحالي. وتأتي زيارة بابا الفاتيكان، والتي تعد الرابعة له إلى منطقة الشرق الأوسط، في وقت يعبر فيه بعض المسيحيين في دول مشرقية مثل سوريا ومصر ولبنان، عن مخاوفهم من تهديد الحركات والجماعات الإسلامية المتشددة التي اكتسبت قوة واضحة خلال التحولات الكبيرة التي جلبها ويجلبها "الربيع العربي" إلى تلك الدول. وهي مخاوف اشتدت خلال هذا الأسبوع في وقت اجتاحت فيه العالم الإسلامي مظاهرات الاحتجاج العنيفة التي أثارها فيلم مسيء للإسلام قيل إن أقباط المهجر كانوا وراء إنتاجه في أميركا بالتعاون مع مخرج يهودي معروف بعدائه للمسلمين. وقد شهد يوم الجمعة الماضي موجةً جديدة من المظاهرات المناوئة للولايات المتحدة، شهدتها العديد من مدن البلدان الإسلامية، بما في ذلك مدينة طرابلس الواقعة في شمال لبنان والتي تقطنها أغلبية سنية. الرئيس اللبناني ميشال سليمان، وهو مسيحي، استقبل البابا بينيدكت السادس عشر في مطار بيروت، إلى جانب رئيس الوزراء ورئيس البرلمان. ويرجح أن تؤثر زيارة البابا إلى حد كبير في المسيحيين في سوريا المجاورة، والذين حاولوا البقاء على هامش الحرب الأهلية الوحشية المستعرة هناك منذ نحو عامين، لكن رغم ذلك تم جرهم إليها جراً، بل ووجدوا أنفسهم مستهدَفين مباشرة في بعض الأحيان، لاسيما من طائرات الجيش النظامي التي استهدفت عدة كنائس ودور عبادة مسيحية. وحين كان في طريقه إلى لبنان، قال البابا لمجموعة من الصحفيين على متن الطائرة التي أقلته، إن "الربيع العربي" كان "إيجابياً"، حسب ما أفادت به وكالة أسوشييتد برس، ثم أضاف: "إنها الرغبة في مزيد من الديمقراطية، في مزيد من الحرية، في مزيد من التعاون، وفي هوية عربية متجددة". وقال البابا أيضاً إن وصول الأسلحة إلى سوريا يمثل "إثماً كبيراً"، حسب ما نقلت عنه وكالة أسوشييتد برس. ويشار هنا إلى أنه كثيراً ما قيل إن بعض الدول العربية وتركيا تقوم بتسليح جماعات الثوار في سوريا، لاسيما "الجيش السوري الحر"، في حين تُتهم إيران بإرسال الأسلحة والخبراء والمقاتلين وأنواع من الدعم اللوجستي إلى الحكومة السورية. إلا أنه من غير المرجح أن يتطرق البابا إلى مسألة صعود الإسلاميين في خطبه العلنية خلال هذه الزيارة، كما يتوقع كثير من المحللين والمراقبين. بل يتوقع بدلاً من ذلك أن يدعو إلى الوحدة بين المسيحيين والمسلمين وإلى نبذ الكراهية. والجدير بالذكر في هذا السياق أن المسيحيين السوريين حذرون ومتوجسون من "الجيش السوري الحر"، وذلك بسبب بعض التقارير التي تحدثت عن وجود جهاديين متشددين ضمن صفوفه، بعضهم أتى من خارج البلاد. كما أشارت بعض التقارير إلى أن بعض الإسلاميين السنة المتشددين، خلال احتجاجات مناوئة للحكومة في غرب سوريا في وقت سابق من هذا العام، هتفوا: "العلويون إلى الموت، والمسيحيون إلى بيروت". ويذكر هنا أن الرئيس السوري بشار الأسد والعديد من أعضاء دائرته الداخلية ينتمون إلى الطائفة العلوية التي تعتبر طائفة فرعية من المسلمين الشيعة. وعلاوة على ذلك، فإن باسيلوس نصار، وهو كاهن في الثلاثين من عمره من الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية الشرقية، قُتل بمدينة حماة السورية في شهر يناير الماضي، عندما كان يحاول إنقاذ رجل جريح وسط معركة بالأسلحة النارية، كما أفادت بعض التقارير الإعلامية. غير أنه من غير الواضح ما إن كان نصّار قد قتل بنيران الثوار أم بنيران الجنود الحكوميين. وفي هذا الإطار، تقول ماريانا، وهي مسيحية في السادسة والعشرين من عمرها من مدينة حلب، وكانت قد انتقلت من هناك إلى بيروت منذ حوالي شهر تقريباً: "إن مسيحيي سوريا يبحثون عن شخص ما ليوفر لهم بعض السلام"، ثم تضيف قائلة: "بشكل عام، هم سعداء بزيارة البابا لأنهم يريدون أحداً يقف إلى جانبهم ويدعمهم، وذلك لأنهم خائفون من صعود الإسلاميين إلى السلطة في سوريا". وفي مصر، شعر العديد من المسيحيين بالامتعاض من فوز "الإخوان المسلمين" في الانتخابات الرئاسية الماضية، وقبلها الانتخابات البرلمانية، وهي الانتخابات التي أبلى فيها السلفيون كذلك بلاءً حسناً، مما زاد مخاوف الأقباط من برلمان بدا على غير الهيئة التي ألِفوها في البلاد. أما المسيحيون في لبنان فهم أيضاً يوجدون بين "حزب الله" الشيعي، والمحافظين السنة الذين شعروا بالقوة بعد صعود المعارضة السنّية في سوريا. غير أن الأحزاب المسيحية في لبنان، وبدلاً من أن تتكتل وتتحد، انقسمت على نفسها بين معسكرين رئيسيين، حيث تدعم مجموعة منها فصيلاً يقوده "حزب الله" الشيعي، في حين تدعم مجموعة أخرى فصيلاً يوجد الآن في المعارضة ويشمل معظم السنة تقريباً. وفي هذا السياق، يقول بول سالمن، مدير مركز كارنيجي الشرق الأوسط في بيروت: "من الناحية السياسية، فإن المسيحيين في لبنان هم الطرف الذي يحافظ على السلام بين السنة والشيعة". بيد أن العديد من اللبنانيين رحبوا بزيارة البابا، بغض النظر عن انتمائهم الديني. وفي هذا الإطار، قال مصطفى ديلاني، وهو معلم في الخامسة والخمسين من عمره وينتمي إلى الطائفة السنية، "إن زيارة البابا تؤكد أن الوجود المسيحي في الشرق الأوسط أساسي ومهم للغاية"، مضيفاً القول: "إنه يستعمل الحب كسلاح قبل أن تبدأ حرب أهلية بين المسيحيين والمسلمين. أما الأشخاص الذين يحرقون الكنائس ويصنعون أفلاماً حول الرسول محمد فهم يسعون إلى تأجيج الفتنة وسفك الدماء". لبنان استعد للحدث، أي زيارة البابا، كما ينبغي: لوحات إعلانية عملاقة ترحب بالبابا نصبت على طول الطريق السريع إلى مطار بيروت، وأعلام الفاتيكان منتشرة عبر أرجاء المدينة، وأجراس الكنائس المرحبة بالبابا دقت في عدد من أحياء العاصمة اللبنانية صباح يوم الجمعة. حتى أن "حزب الله" قام بوضع ملصقات على طريق المطار كتب عليها: "مرحباً بالبابا في بلاد المقاومة". وقد قام منظمو الاستقبال بنصب منصة ضخمة على موقع محاذ للبحر من أجل تنظيم قداس يقام في موقع قيل إنه يستطيع استقبال ما يصل إلى 200 ألف شخص. كما تم تشديد الإجراءات الأمنية عبر كافة أنحاء ومداخل بيروت، حيث تم نشر الجنود والمركبات العسكرية في بعض المواقع والتقاطعات المهمة. ويشار في هذا الخصوص أيضاً إلى أن آخر زيارة لبابا الفاتيكان إلى لبنان كانت في عام 1997، عندما سافر آلاف المسيحيين من كل منطقة الشرق الأوسط إلى بيروت من أجل رؤية جون بول الثاني في ذلك الوقت. باباك ديهجانبيشيه بيروت ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©