الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

هد الطير الدرس الثاني في عالم القنص

29 ديسمبر 2006 00:46
باكستان- السيد سلامة: كانت رحلة طائرة الشحن التى أقلتنا من أبوظبى الى رحيم يار خان '' بردا وسلاما'' ' فالمقاعد الخشبية التى يدعى الاعلامى اللبنانى تحسين الخياط راعي محطة '' نيو·تى·فى'' أنها تؤلم ظهره وماجاوره كانت بمثابة ريش نعام' وذلك مقارنة بجلسة القرفصاء التى ظل دقائق يحاول تعلمها حتى '' برك'' بجسده الضخم فوق العرقوب 'ولم يتقنها' وهبوط الطائرة الذى لم يعجبه كان هو الاخر متعة مقارنة بهبوطه من فوق '' البعير'' الذى ركبه تحسين للمرة الاولى فى حياته ' والذى كادت تهبط حياته معه ' فقد خارت قواه خلال ثوان معدودة رفع فيها '' البعير'' رأسه ' وقبل أن يفكر '' البعير'' فى فتح ساقيه للريح كان صراخ تحسين قد أسمع من فى القبور' ولم يشفع له من هذه النهاية الغريبة إلا '' خزام '' الجمل الذى انقض عليه تحسين بكل قوته حتى هوى بجسده على الرمال الناعمة التى تسللت الى كل جزء فى جسده! أما حمام طائرة الشحن الذى لم يستوعب جسده الضخم' والذى كان يضعه فى مقارنة بحمامات منتجعات '' السبع نجوم'' فكان هو الاخر متعة ' إذ وجد تحسين نفسه فى تحد مع حمام مفتوح بامتداد البرية لايحده طول أو عرض ' وكان عليه أن يقضى فيه حاجته مستمتعا بالخلاء والهواء الطلق! جهود مقدرة كانت هذه أول مرة يسافر فيها تحسين بطائرة شحن' ومن هنا جاءت مخاوفه التى رصدناها فى الحلقة السابقة 'ولكن هذه المخاوف فيها من المبالغة القصصية' والاثارة والتشويق أكثر من الواقع 'وهذا الواقع نكن فيه كل التقدير لهؤلاء الجنود المجهولين من رجال الطيران الذين يواصلون الليل بالنهار لمد هذا الجسر الجوى المتميز' والذى لم نعرف أنا وزميلى تحسين قيمته الكاملة ودوره الشامل إلا بعد أن '' وقعت الفأس فى الرأس'' وبدأنا الدرس الأول فى رحلة المقناص بقيادة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان للتعرف على حياة البر· كندورة تحسين بعد صلاة العشاء فوجئنا بزميلنا تحسين يدخل برزة الشيوخ ببذلته الباريسية '' السموكن'' السوداء 'وكأنه فى الطريق الى حفلة فى أحد مسارح مدينة النور' كانت بذلة تحسين غريبة بالنسبة ل'' الربع'' الذين كانوا عائدين من المقناص ويتدثرون كناديرهم الصوف ومن فوقها البالطو أوالجواكت الجلدية' ولم يكن هناك بد من أن يعهد معالي الشيخ نهيان بضيفه تحسين لمن يدربه على حياة البر' وكانت أول حصة دراسية فى هذا البرنامج هى ارتداء '' الكندورة'' والتى أقسم تحسين بأغلظ الأيمان أنه لم يرتدها فى حياته ' وبعد دقائق دخل علينا تحسين المجلس فلم يعرفه أحد من '' الربع'' الذين شاهدوه قبل قليل' فقد كانت '' الحمدانية'' والكشخة توحى بأن الرجل '' رابى'' فى عرقوب '' ملاقط'' لمن لم يره فى المرة السابقة' وعلى الرغم من هذه الكشخة فقد أصر تحسين على أن يكشف نفسه'حيث عمد الى حمل ذيل الكندورة من أسفل الى أعلى لبعض الوقت مبديا خشيته من أن ترك الكندورة على حالها من شأنه أن يعوق حركته ويسقطه على الارض! برزة المرخ كانت ليلة جميلة فى برزة مخيم سمو الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان فكل شيء متوفر'البوفيه مفتوح على أشده يقدم ما لذ وطاب'حتى '' النسكافية'' التى تردد تحسين فى طلبها وجدها بجوار الفيللا التى يسكن فيها' ماكينة '' عوده'' تصنع '' النسكافية'' والشاى بالزنجبيل والقهوة الاميركية أسبريسو' حتى تلك القهوة التى تصورتها يوما ما نوعا من المضاد الحيوى والمعروفة ب'' اللاتية'' كانت هى الاخرى موجودة 'خيوط القمر جعلت حبات الرمال فى المخيم مثل اللؤلؤ' ليس فى بقعة واحدة بل فى كل مكان من المخيم الذى ارتفع على ربوة عالية وسط الصحراء ففاز برائحة النسيم فى كل جنباته' بعد انتهاء مأدبة العشاء التى جعل الله فيها رزقا للقاصى والدانى من عباد الله على اختلاف مشاربهم وألوانهم' قذفت بقدمي عاريتين وسط العرقوب المبلل ببعض قطرات الندى الليلى' تذكرت وقتها أيام الطفولة الجميلة فى مدينة الاسماعيلية فقد كنا نترك أحذيتنا للطريق ' ونطلق العنان لأقدامنا العارية تمخر عباب الرمال الناعمة على شاطئ قناة السويس' صور كثيرة تتنافس لتحظى بتلك اللقطة التاريخية من خزانة الذاكرة ' لكن صورة القمر الذى يرسل نسيجه المتهادى من خيوط الذهب المتوهجة على صدر رمال المخيم كانت هى الفائزة دائما فهى تحمل كل معانى بكارة الطبيعة'وتذكرك بحكايات '' السندباد'' الخيالية التى كانت تقصها علينا جدتنا العجوز· قرص بحليب البوش طافت قدماى المخيم رغما عنى فالتعب الذى كان يهدنى كأنه ولى إلى غير رجعة' ساعات ثلاث بعد الثامنة مساء كانت لى فيها حكاية مع كل حبة رمال' هنا يدربون الطير عند ''بوحمد'' حاضر العميمى' وإلى جواره برزة ''بوسهيل'' تميم بن خلفان' وعلى مقربة برزة ''بومحمد'' غاصب المزروعى' وهناك برزة '' بن ديليوى' ومحمد بن سهيل'' حيث تفوح رائحة القرص الممزوج بحليب البوش الطازج'والمغموس فى دهن الحبارى'كانت رائحة القرص الساخن أقوى من تحذيرات الأطباء لى بمخاطر هذا اللعين الله '' يغربله'' الكوليسترول' بعد جلسات السمر فى البرزات وجدت الدكتور أحمد طبيب المخيم يخرج من بين طيات ملابسه الصوفية المتعانقة حقنة صغيرة ويضربها فى جسدى للوقاية من الأنفلونزا· درجة الحرارة كانت تقترب من الثلاث درجات فى نهاية النصف الأول من الليل هكذا رأيتها فى مؤشر الحرارة بسيارة محمد أختر' وعلى الرغم من ذلك كانت الفيلا دافئة جدا 'وأمامها برزة تحيط بها شجيرات '' المرخ'' الجاف' والضو المشتعل على مدار الساعة كل ذلك كان كفيلا بأن يشعرك بالدفء' ولكن الدفء الأكبر هو دفء '' بوسعيد'' ذلك الرجل الذى يحرص على أن تكون كل التفاصيل متقنة حتى لو فى صحراء السند· الأوكسيجين البكر قبل صلاة الفجر بدأ برنامجنا اليومى'والذى يسميه تحسين الدرس الأول ' صنبور الماء يحمل لك البارد والساخن فقط عليك أن تختار' رائحة الاوكسيجين البكر التى تلفح وجهك فى تباكير الصباح الأولى تعيدك الى زمن الأولين' ذاك الزمن الجميل الذى كانت فيه القلوب تتدفق بالحب والألفة' شيء غريب شعرت به فأنا والذى لم تملأ جعبة النوم عندي ثلث ساعات اليوم نمت حتى النخاع ' نوما هانئا ' ساعتان ' ثلاث ساعات فقط 'وتجد نفسك وقد أفقت من نوم دهر' تستيقظ من نومك لاصداع ولا تلك العيون المنفخة ' ولا ذلك الوجه الذى كان يصارع مئات الكوابيس ليلا ' وخاصة تلك الكوابيس التى تأتيك على طريقة الفلاش باك بعد مشاهدتك لنشرات الأخبار فى محطات التلفزة العربية · قبل أن تتحرك بنا السيارة و'' نسرح '' إلى المقناص سألت معالى الشيخ نهيان : ياطويل العمر إيه حكاية النوم هنا؟ فأجابني بأنها واحدة من فوائد القنص' فالبر كله حياة' أو بمعنى أدق الحياة هي البر' كل شيء فيها على سيرته الأولى ' أكثر من 6 ساعات ونحن نقطع البراري والقفار شمالا وجنوبا وشرقا وغربا'كان الوقت يقترب من الثانية عشرة ظهرا عندما أفقت من نومى على صوت معالى الشيخ نهيان بن مبارك للقناص:هد الطير·· هد الشاهين يامحمد مبارك· على مائدة الحبارى الذى شارك فى إعدادها '' بوسعيد'' شخصيا سألته: مامعنى هد الطير؟ فقال: لاتستعجل هذا هو الدرس الثانى· وإلى اللقاء
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©