الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

في عربة لوركا!

29 ديسمبر 2006 00:47
تخلص من زحام وصخب محطة'' اتوشا''، وشعر براحة عندما جلس في كرسيه الذي حجزه في قطار لوركا المتجه من مدريد الى غرناطة· وشعر براحة اكبر عندما تحرك القطار ولم يكن في المقصورة الا هو وشابة حسناء كانت قد سبقته، واكتفى بايماءة لتحيتها · ومع اندفاعة القطارعلى القضبان، كانت هي قد استسلمت للنوم، وحال قلقه الدائم، بينه وبين نعاس المطارات والطائرات والقطارات· رفع عينيه عن المجلة التي تداخلت حروف صفحاتها، كما تداخلت الافكار في رأسه المتعبة· فقد كانت البارحة ليلة ليلاء، وهو يودع الاصدقاء عند المطعم القبو، في ذلك الحي العجيب من احياء مدريد، بالكاد استيقظ ليلحق بقطاره· ومع هذا التعب لم يتسلل النعاس الى اجفانه المتورمة· ارسل بصره نحو الشابة التي امامه، يتأمل وجهها الذي ازداد جمالا، وهي مستسلمة للنوم، من النظرة الفاحصة الاولى حكم على انها ليست من تلك البلاد، فقد كانت تحمل شقرة اهل شمال الشمال· وخصلات شعرها تنسدل عابثة عند الجبين، هبط عند الانف الدقيق، والشفاه التي بدت كما لو انها خطت على يد فنان من اولئك الفنانين المودعة لوحاتهم في متحف ''البرادو'' محجته في ايامه المدريدية· ثم هبط نحو اناملها اغرته رقتها بفكرة جنونية، سرعان ما نفضها عنه، وهو يكاد يجزم انها غير مرتبطة، فلم يشاهد اي خاتم او دبلة في تلك الاصبع الرقيقة· دقق اكثر في الانامل متمتما، ربما كانت عازفة بيانو، او ما شابه ذلك· كان يلمح احيانا تقلبات في محيا الوجه الجميل الذي امامه، ربما كانت تصد كابوسا · لحظات طويلة امضاها، وبصره موزع وفكره مشتت، وبين هذا وذاك، كان يرسل بصره باهتمام اقل نحو المناظر الجميلة التي تتابع للمناطق التي يمر بها القطار الذي اطلقوا عليه اسم شاعرهم المغدور!· فرح عندما قامت فجأة، وكشفت عن قامة كالرمح المشدود، كانت في شرخ الشباب عنفوانا وقوة، وغابت نحو العربة التالية بعد ان حييته بايماءة ارق واجمل بكثير من ايماءته الجافة· قرر الا يحبس ما بدأ يعتمل داخل صدره، وجلس يعد كيف سيكون مدخل الحديث، وفيما هو مشغول بذلك، عادت فجأة الى جلستها لتنام كما حالتها الاولى· مرت اللحظات بطيئة بالنسبة له، حتى وصل القطار الى محطته، هب لمساعدتها على حمل الامتعة، فقد كانت فرصته المنتظرة، ابتسمت له بعذوبة، واخرجت له ورقة كتب عليها: اعذرني فانا صماء بكماء· اعتقد ربما كانت تلك حيلة، حتى وجد من كان في انتظارها في المحطة يتحدث معها بالاشارات· اسلمها حقيبتها المنتفخة، ولوح لها مودعا وقد انقبض وهرع نحو الحافلة المتجهة الى حي'' البائسين'' في الجزء القديم من غرناطة، والهواجس تعصف به!· علي العمودي
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©