الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

هل هناك فكر نسوي عربي؟

29 ديسمبر 2006 23:48
مازال هناك نفي لمنجز المرأة المعرفي في مجتمعاتنا العربية رسول محمد رسول: قبل الإجابة عن سؤال مركزي كهذا، علينا أن نقدَّم تعريفاً أولياً لمفهوم الفكر النسوي، فالفكر النسوي هو: جملة الأفكار والتصورات المنظمة والنظريات التي هي نتاج لإحساس وذهنية وعقل ووجدان المرأة، وهي تعيش تفاصيل وجودها وحراكها وأدوارها في الحياة· كانت المرأة الغربية في العصر الحديث قد شرعت في بناء فكرها النسوي Thought Feminism، وقطعت في ذلك أشواطاً ومراحل، وأظهرت نظريات ورؤى نسويَّة متغايرة الاتجاهات ومتجاورة المداخل في دراسات وكتب ومؤلفات ودوريات وصحف ورقية وإلكترونية· وكان كل ذلك قد عبِّر عن خصوصية الفكر النسوي الغربي، الثقافية والحضارية والوجودية، وتوسَّع الاهتمام الغربي بالمسائل النسوية في مجتمعات الشرق العربي والإسلامي، مما أدّى إلى ظهور اهتمام نسوي عربي وإسلامي متخصِّص بدراسة أوضاع المرأة العربية في مجتمعاتها، وهو اهتمام عبَّر أيضاً عن خصوصية الفكر النسوي العربي، الثقافية والحضارية والوجودية· في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ما زال هناك مَن ينفي وجود هذا المُنجز المعرفي، أي يقضي بعدم وجود فكر نسوي عربي وإسلامي، والمعتاد في هذا النفي أنه يكتسب طابعاً ذكورياً معقَّداً، بل نراه يكرِّس وجوده على نحو متسلِّط في أحيان غالبة، طينتهُ النظرة المُلتبسة إلى المرأة في مجتمعاتنا، ومشكلته أنهُ يكتنز رؤية قوامها التباهي بتفوُّق الرجل الذهني والبدني والجيني على موجودية المرأة بما لها من طبيعة ذهنية وبدنية وجينية خاصة بها· إلا أن هذا التغييب المعرفي المتسم بطابع فحوليٍّ متعالٍ غالباً، بدأ يتفتَّت على صخرة المُنجز المعرفي الكبير الذي كرَّسته اشتغالات نسوية معرفية كثيرة، عربية وإسلامية، أضحت تمثل اليوم بناء معرفياً أساسياً لفكر نسوي عربي/إسلامي واعد· فما ملامح هذا الفكر في ضوء ما أنجزته ذهنية وعقل ووجدان الإنتلجنسيا العربية النسوية في هذا المجال؟ إن ما ظهر من نتاج فكري نسوي في ثقافتنا العربية والإسلامية المعاصرة كفيل بنسف تلك الدعاوي التي تستكثر على المرأة مُنجزها الفكري، إن كتابات النساء في مجتمعاتنا أصبحت كثيرة بل وعميقة تلك التي نقرأها يومياً، تقريباً، في منابر إعلامية عديدة، لقد ساعدت تقانيات الاتصال الفائقة الحضور على توسيع رقعة الكتابة النسوية، كما أن هوامش الحرية في مجتمعاتنا بدت فرصة مناسبة نجحت المرأة العربية في استثمارها لتأكيد حضورها الإبداعي والفكري، كذلك وفرت مشروعات التنمية لدعم المرأة فرصة مضافة لأن تعبِّر المرأة العربية عن حضورها في الأوساط المجتمعية، والأهم في ذلك الأوساط الثقافية، سواء كانت النُّخبوية أم الجماهيرية· أدَّت كل تلك الأجواء الثقافية والمناخات الفكرية والأُطر التنموية إلى ظهور كتابات نسوية مُمنهجة، وهي بمجموعها تمثل خلاصات فكرية تعبِّرُ عن خطاب وعي نسويٍّ يتسم بالعمق في معالجة إشكاليات ما تعيشهُ المرأة العربية في مجتمعاتها· في مصر كانت وما تزال الدكتورة نوال السعداوي من أكثر الشخصيات المفكِّرة في الشأن النسوي إثارة للجدل، لقد فتحت كتاباتها آفاق الفكر النسوي التساؤلي بالمنطقة العربية، وناقشت رواياتها وقصصها ومقالاتها مسائل جوهرية في الحياة النسوية العربية مثل قضية التحرُّش والاستغلال الجنسي، والاغتصاب، والظلم الاجتماعي، وسطوة الثقافة الذكورية وغير ذلك· و على رغم أن الباحثة السودانية فاطمة بابكر محمود تعيش خارج وطنها، لكن دراساتها في شؤون المرأة الغربية قادتها إلى تأمل الوضع النسوي في قارّتها الأفريقية التي تنتمي إليها، وجاء كتابها (المرأة الأفريقية بين الإرث والحداثة)، الصادر باللغة العربية عام ،2002 تأكيداً واضحاً على اهتمامها بالمسائل النسوية في تلك القارّة ومنها السودان· وما هو مثير في هذا الكتاب أنه عكف على دراسة ملامح الفكر النسوي الغربي، مما عُدَّ مدخلاً مهما للقارئة العربية، كما أنه أمعنَ النظر في مصطلحات الفكر النسوي، وقدَّمت المؤلِّفة فيه تعريفاً لمفهوم المعرفة النسوية الذي هو: (مجموعة أفكار هدفها تغيير العالم، وإزالة الغَبن اللاحق بالمرأة، بحيث تجد النساء مساحة مساوية لمساحة الرجال الاجتماعية· وتنادي هذه المعرفة بمساواة الناس كافة حتى يتمكَّن كل فرد من تحقيق إبداعاته وإبداعاتها الفاعلة والكامنة)· لقد عملت الدكتورة بابكر على هذه المفهوم، وراحت تدرس الحركة النسوية في العالم الثالث في ضوء حراكه السياسي والمجتمعي، كما أنها درست التراث النسوي الأفريقي وما ظهر في تلك القارَّة من حركات نسوية في كل من كينيا، ومصر، والسودان· وعلى نحو جذري، تناولت الباحثة والأكاديمية التونسية رجاء بن سلامة في مؤلفات عدّة صدرت لها جوانب كثيرة ذات صلة جوهرية بالفكر النسوي العربي، كان آخرها ما صدرَ لها في العام الماضي، وهو كتابها (نقد الثوابت: آراء في العُنف والتمييز والمُصادرة)، والذي تناولت فيه جملة قضايا تهم المرأة العربية في مجتمعاتنا، فقد تتوجَّت بالنقد الجذري للثوابت المشاعة، لكنها لم تجرؤ على نقد هذه الثوابت من باب الاستفزاز أو الإثارة، بل من منطلق أخلاقي تعلَّمتهُ من التحليل النفسي، ويتمثل ذلك في جعل الذات البشرية تواجه أوهامها، وتعي حدودها حتى تعي ممكنات تحرُّرها· وفي ضوء ذلك أيضاً درست بن سلامة مسألة النظرة إلى المرأة العربية كآخر، ومسألة المواطنة المنقوصة، والعلاقة بين الديمقراطية والإسلام، وظاهرة العنف والإرهاب الدموي، لكنها في كتابها (بنيان الفحولة) درست قضايا وإشكاليات كانت أقرب إلى الفكر النسوي من حيث بنيته المفاهيمية؛ فقد ألقت الأضواء على طبيعة المؤنَّث والمُذكَّر وعلاقة ذلك بالجنس الثالث في العالم العربي، كما أنها ناقشت جملة من التحديات التي تواجه المرأة في مجتمعاتنا مثل التمييز والعُنف ضد المرأة العربية، وهيمنة ثقافة العُنف ضد النساء، وطبائع الفحل السياسي في ثقافتنا من زاوية أهلية المرأة في المشاركة السياسية، كذلك تناولت العلاقة بين الحداثة والحداد في ثقافتنا العربية، والمهم في تجربة بن سلامة هو هذا الذهاب النقدي الواعي لأكثر إشكاليات الفكر النسوي جدلاً، ولأكثر مناطقه تحريماً من منظور ذكوري مُتسلِّط· ومن منظور إسلامي بحت، شاركت الباحثة الإيرانية جميلة كديور زميلاتها العربيات في تنضيد رؤية نسوية نقدية تُعدُّ بدورها من المساهمات المهمة في سياق الفكر النسوي الإسلامي المعاصر، تناقش كديور في كتابها (رؤية من وراء جُدر)، الذي تُرجم إلى العربية مؤخراً، جملة من الإشكاليات المتعلِّقة بموقف المجتمع الإيراني من المسألة النسوية، خصوصاً النُّخب الدينية، وتحديداً مشكلات المرأة في عالم تصفهُ بأنه ذكوري، وتعتقد أن هناك تياراً يروِّج لآراء ترى في النشاط النسوي مخاطرة كبيرة، بدلاً من ممارسة التأصيل الفكري الخلاق، ومحاولة اكتشاف مواقع المرأة في الإسلام، وطرح ما يستجيب لظروف العصر ومصلحة الأُمة· وتنظر كديور إلى هذا الاتجاه بمجموعه على أنه يحاول، تحت غطاء دعم المرأة وحقوقها، أن يكرس حضور المرأة المنفعل، وذلك أيضاً بشكل محدود، بدلاً عن حضورها الفاعل· تقول كديور: إن أصحاب هذا الاتجاه ما زالوا يعدُّون المرأة جنساً من الدرجة الثانية، وجزءاً من سلعهم ومتاعهم، الأمر الذي ينجم عن نقص رؤيتهم للإسلام في مجال تعاطيه مع المرأة وافتقاد تلك الرؤية لعنصر الشمول والتكامل!· بمثابة العمل النسوي التتويجي، عكفت الباحثة خديجة العزيزي على إصدار كتابها (الأسس الفلسفية للفكر النسوي الغربي/ 2002)، وفيه تناولت، وعلى مدى ستة فصول، كلَّ ما يتصل بالمذهب النسوي: تاريخه، مدارسه، اتجاهاته، أطروحاته النظرية، ورؤاه الفكرية والفلسفية، وتضمن سرداً تاريخياً لظهور الفكر النسوي أوما أسمته بالمذهب النسوي Feminism في منتصف القرن التاسع عشر، وبالتالي متابعة تطور هذا المذهب في المراحل اللاحقة، حيث تداخله مع المذاهب السياسية المؤدبلجة، وصولاً إلى مرحلة الفلسفة النسوية ومرحلة ما بعد النسوية، حتى ظهور مفاهيم بدت مركزية في الفكر النسوي من قبيل: الأنوثة، والذكورة، والسُّلطة ألأبوية، والقهر، وغيرها· إن كل هذه الكتابات تُعدُّ، حتى الآن، مُنجزاَ فكرياً لافتاً في مجال الفكر النسوي العربي، وهو تأكيد على وجود فكر نسوي عربي أصبح له سياقاته الواضحة في حراك الفكر العربي المعاصر في مشده العام، وجاء هذا المُنجز نتيجة لمبادرات نسوية ذات طابع شخصي وطموحات ذاتية، لكنه يحتاج إلى أن يصبح جزءاً من منظومات تداولية في مشروعاتنا الثقافية والفكرية والتعليمية لكي يكتسب طابع الأهمية المركزية في فكرنا التنموي البديل·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©