الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

"العالم امرأة" - السعد عمر المنهالي

29 ديسمبر 2006 23:49
تجربة ثرية في رصد شخصيات نسوية فاعلة لم يرق لي إطلاقاً دفعي للكتابة في الشأن النسوي، قاومت هذا الدفع بأقصى ما كنتُ أملكُ من إمكانيات في تلك الفترة، لم أشأ يوماً أن أتخصَّص في أي عمل له علاقة بالمرأة، فالعُلوم السياسية، كما رسمتها في ذهني طويلاً، علوماً أكبر من الأفراد بأجناسهم وجنسياتهم، علوم تعلو على الجميع، أليست الدول أكبر من الأفراد؟· يبدو هذا السؤال، وبعد سنوات ست مضت، ضربٌ من السذاجة، ليس بسبب نجاح التجربة وتميُّزها، بل بسبب الاستقلالية الإنسانية التي نجحتُ في تحقيقها خلال ذلك، وأقصدُ هنا قدرتي على التخلُّص من الإرث الأنثوي - حتى لو كانت الأنثى مركز عملي الكتابي- والانتقال إلى فضاء أكثر اتساعاً بهمومه الإنسانية العامة· كانت تجربتي في رصد شخصيات نسوية قد شرعتُ بها منذ أغسطس عام ،2000 وها هي مستمرة حتى اليوم، إنها تجربة غريبة وثرية، تأتي غرابتها كون الفكرة في أساسها كانت محل رفض ذهني ومعلوماتي، وأذكرُ عندما عرضَ عليَّ زميلي الأستاذ خالد عمر بن ققَّة هذا العمل لم يكن في ذهني أكثر من خمس شخصيات نسوية أُتابعهنَّ على صعيد السياسة العالمية وهنَّ ذوات تأثير حقيقي يستحق الرصد والتحليل، ولهذا رفضتُ، ولكن من دون إصرار زميلي وتشجيعه ما ولجتُ عالم النساء الذي أعدُّ منه موسوعة رصدتُ فيها حتى يومنا هذا ما يربو على الثلاثمائة شخصية نسوية على مستوى العالم، نساء لهن دور كبير في محيطهن بل والعالم بأسره· ظلَّ ثراء هذه التجربة يتراكم مع كل شخصية أقدِّمها بسبب التنوُّع والتمايُز العميق بين الشخصيات النسوية، تنوُّع شمل الدين، واللغة، والقيم الاجتماعية، والظروف السياسية، والأوضاع الاقتصادية، كذلك الأحوال الأسرية، والتأثيرات الأيدلوجية، والوظائف والاهتمامات، وغيرها من الاختلافات· هذا بجانب كم المتعة التي وفرتها التجربة لي، والتي أراها -كما وصفتُها في كتابي ''العالم امرأة''- كمتعة المتأمِّل لخريطة توضح الطبيعة الجغرافية والمناخية للعالم، بين مرتفع ومنخفض، متجمِّد واستوائي، بحر ويابس، غابات وصحارى، ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ·· في رحلة لا يقلُّ جمالها عن متعة النظر إلى الأرض من الفضاء· وهو الثراء المعرفي الذي تواكبَ مع رصد الشخصيات النسوية بفعلهنَّ وتأثيرهنَّ في الحدث الإنساني عموماً· بالفعل، بهرني نجاحُ المرأة داخل محيطها وخارجه، عندما استطاعت أن تحرِّك القوَّة الكامنة في كينونتها مستغلة القوَّة المقابلة الموجودة في محيطها الخارجي، خاصة بعد أن أجبرت محيطها، على نحو أو آخر، للاستجابة لقوتها التي ظهرت في شخصيتها وإيمانها بمشروعها الفكري ودورها المجتمعي، قوَّة استمدتها من واقعها التعليمي والمساحات التي حظيت بها من الحراك الاجتماعي وحرية الرأي والتعبير، كما استمدتها من الشفافية والديموقراطية كقيم تقرُّ لمن هي كفؤة باعتلاء المراتب والمهام العامة العليا في أي مجتمع، كما فرضها واقع المنظومة الأخلاقية في مجتمعاتهن سيما في تلك المجتمعات التي لا تواجه فيها موجات تشكيك في أنوثتها· في ذلك المحيط، وجدتُ نماذجي النسوية، وجدتُ شخصيات متفرِّدة ناجحة ومميزة، مثلن إناثاً نجحن في استغلال مَلكاتهن بجدارة، ورغم اختلافاتهن، إلا أنهن تشاركنَ في موضوع واحد، موضوع كان عنوانه القوَّة، قوَّة المَلكة، قوَّة الرأي، قوَّة الكلمة، قوَّة الموقف، قوَّة النضال، قوَّة المعرفة والاكتشاف، وهي قوَّة، وإن كان للسمات الشخصية دور فيها، إلا أنها في الغالب الأعم بنيت مع النشأة والظروف المحيطة، وهي صفات مكتسبة ساهمت في تكوينها الظروف الاقتصادية والأُسرية والثقافية لبيئة الشخصية، وهي حالة تؤكد أن الأنثى لا تولد ضعيفة، بل تولد إنساناً يتأثر مثله كالذَّكر بمعطيات واقعه، وهي نتيجة تؤكَّد على الجندرة· لا أبالغ إن قلتُ إنه، ولسنوات، لم أُعرف بين قرّائي كأُنثى، وقد ساعد اسمي في ذلك، فكانت تصلني تعليقات حول زاوية ''العالم امرأة'' باعتباري كاتباً ولستُ كاتبة!! أكَّد لي هذا الأمر قدرتي على الخروج من ميراثي الأنثوي، والارتقاء بلغتي البحثية إلى فضاء الحياد الإنساني· واجهتُ خلال تلك الرحلة التي قضيتها بين الحقوقيات والناشطات الحزبيات، والمتطوعات في العمل العام، والسفيرات، والوزيرات، والمُعارضات، والبرلمانيات، والإعلاميات، كمَّاً من التُّهم حماني منها إلى حد ما اسمي ''المذكَّر''، تهمٌ فرضها الواقع الاجتماعي والثقافي الذي أنتمي إليه، بعضها دفعني لتأمل واقع المرأة في مجتمعي العربي المسلم، كيف تنظر المرأة إلى واقعها، وكيف ينظر واقعها إليها؟؟ تساؤلات كثيرة وكبيرة، لم أكن لأفكِّر بها لولا ذلك الرجل الذي دفعني لأكتشف المرأة!·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©