الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

العلاق: المبدعون "قبيلة من الأنهار"

29 ديسمبر 2006 23:51
سلمان كاصد: من الوقفات النثرية الى مؤشرات النقد الأدبي غير الجارح افتتح علي جعفر العلاق كتابه ''قبيلة من الأنهار'' في قوله'': ''إن المبدعين قبيلة من الأنهار، انهار هذه الأرض التي تظل ريانة أبداً: لا تكف عن الحنين أو الكلام ولا تتوقف عن تجديد ذاتها''· هو ذلك الخيط الذي يأمل من أمسكه ان يصل الى نهايته مستشرفاً علاقاته ورؤاه النقدية لنصوص الكلام والحياة·· مستحثاً ذاكرته وكل أدواته النقدية ليبصر الآخر في شعره أو نصه بعيداً عما أفرزته الدراسات النقدية الحديثة من تفكيكية وبنيوية وأسلوبية·· إن العلاق في كتابه هذا يعيدنا الى روح التذوق الحساس واللغة الشعرية بتناول النص بعيداً عن التجريح ومحاكمة الآخر· من الجواهري حتى مؤنس الرزاز مروراً ببدر شاكر السياب ونازك الملائكة وادونيس وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري ويوسف الصايغ ورشدي العامل ونزار قباني ومحمد الماغوط وصلاح نيازي وفاروق شوشة ومحسن اطيمش ومظفر النواب وعبدالعزيز المقالح وفوزي كريم وجبرا ابراهيم جبرا وجلال الخياط ومحمد شكري· يلتقي العلاق بهذه الأنهار التي رفدت بحر الإنسانية بما هو عاطفي نبع من روح الكلمة وتشكلاتها المرعبة على أيديهم التي فاضت وروت أرض إنساننا العربي· كتب عن الجواهري انه شاعر القصيدة العمودية الذي لا يكتب قصيدته الخاصة به دائماً بل هي التي تكتبه في الغالب، فهو يكتب ما يكتب بضغط الذاكرة· يبدأ العلاق من لحظة اللا تعرف الى لحظة الالتصاق بالشخصية التي يكتب عنها باحثاً عن جذورها في زمن ربما مضى عليه أكثر من أربعين عاماً لينتقل الى روح التذوق الذي قاده ليشرب من نهر الشاعر الذاهب الى لحظة الالتقاء بالأنهر الأخرى قبل ان تصب جميعها في ذلك البحر البعيد· يرى أن بدر شاكر السياب قد استجمع كل قوة الشعر واستشرف من لحظة الكتابة مستقبل القسوة في وطنه ''وكل عام/ حين يعشب الثرى نجوع/ ما مر عام والعراق/ ليس فيه جوع'' معتبراً ان السياب ''فاتح الطريق للاكتشاف'' والذي يحمل جرأته وعثراته وحدسه الصارم وعجزه أحياناً·· فهو كما يراه العلاق ''شاعر حديث مع أن بعض عناصر حداثته منتزعة من جذور كلاسيكية متينة''· وفي نازك الملائكة يقول العلاق: ''لقد كانت مغامراتها الشعرية تحمل عناصر الارتداد والنكوص منذ البداية فهي مغامرة لا تستمر ولا تكتمل بل تقمع ذاتها وتناقض مسار حركتها على الدوام تقريباً''· وهنا ربما يقترب العلاق من رؤيا الغذامي التي أثيرت كما يقول في عام 1996 في إحدى الجلسات النقدية التي رافقت مهرجان الشعر في القاهرة· عندما طرح محاضرته عن ''تأنيث القصيدة'' بما أقدمت وهي كامرأة على كسر عمود الفحولة في الشعر· ويخلص العلاق الى أن نازك الملائكة في حياتها وأعمالها الشعرية قد جسدت غياباً للتجانس والانسجام في عالمها الشعري والحياتي على السواء بسبب ثنائية الأنوثة والذكورة· الا انه لا يرى في ملاحظاته تلك الا استجابة آنية لمحاضرة الغذامي ليستدرك قوله في أن التأمل في مشروع نازك الشعري والنقدي لابد له أن يقف في المنتصف تماماً· عند أدونيس يقف العلاق متأملاً في ذلك النتوء الوعر والجميل في تضاريس شعرنا العربي منذ قرون عديدة وهو الذي أيقظ بلغته الجهنمية ورؤياه المحرقة ماء اللغة وعذاب العقل وذكاء الروح من أجل قصيدة جديدة ومقلقة'' الذي لا يثبت على منهج صارم· وحين ينتقل الى عبدالوهاب البياتي الذي يصفه بالباحث عن غيمة بعيدة معتبراً كل خصوماته مع الشعراء ''نزار قباني وأدونيس والفيتوري وبلند الحيدري، ليست مقلقة بل ربما يسلك أساليب طريفة وربما موجعة أحياناً في تمرير آرائه أو هجائياته للآخرين· غير أن العلاق يرصد التحولات الكبرى في شعر البياتي ابتداءً من ''سفر الفقر والثورة'' حتى ''النار والكلمات''· ولنزار قباني حصة في كتاب العلاق الذي يقول فيه: ''ربما لم يشهد شعرنا العربي منذ عمر بن ابي ربيعة شاعراً ارتبط شعره بالمرأة كنزار قباني ''معتبراً ان أغلب الحكم على نزار قباني صدر من اناس لم يقرأوا نزار قباني جيداً ولم يتابعوا مراحله كلها لقد كانوا مدفوعين بثقافة الشائعة، أو محكومين بمنطق الانطباع العام والرأي المتعجل''· ليحدد العلاق أن المفارقة تكمن في أن ''القيمة الشعرية لنزار قباني احياناً في قصائده العمودية أكثر من قصائده الحديثة''· وعن محمد الماغوط يقول العلاق: ''إنه نسر شعري بمخالب منقوعة بالدموع'' فهو بحسب رأيه استثناء على أصعدة متعددة: لغته وصوره وموضوعاته· فهو أيضاً يلاحظ أن الصور لديه عناقيد وثريات من الضوء الساطع المخيف فرغم غرابة الصورة لديه فهي تعبر عن أكثر الأشياء شيوعاً· حيث يقتحم اليومي أو المألوف وعينا بعنف من خلال صورة شديدة الغرابة فلا يعود المألوف مألوفاً· وحين يأتي الى ''محمود درويش'' يبصر أدونيس ايضاً حيث يعتبرهما اكثر الشعراء حظوة من النقاد· ربما يرى ايضاً ان الاحتفاء الجماهيري بدرويش اتخذ شكل النقد وقد يصوب العلاق في اعتباره درويش شاعراً غنائياً من طراز فريد كما ان غنائيته ليست عبئاً على حداثة نصه الشعري·· فقلة من شعراء الحداثة يمتلكون ولع درويش بالإيقاع· يقرأ العلاق الكثيرين برؤيا نقدية هي حصيلة قراءة عمر كامل من التذوق الشعري على صعيدين الشعري الكامن فيه والنقدي والأكاديمي الصارم الذي يؤشر مفاصل حركة الشعراء وهم يقودون أنهارهم الى عمق الذات الإنسانية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©