الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كينيا··· حين يعود الاستثناء إلى القاعدة

كينيا··· حين يعود الاستثناء إلى القاعدة
6 يناير 2008 02:58
تزوير الانتخابات من الممارسات المألوفة في أفريقيا منذ ما يزيد عن 40 عاما؛ فالزعماء الأفارقة، والنخب الحاكمة المحيطة بهم كانوا كثيرا ما يتواطأون مع الموظفين المواليين، لملء صناديق الاقتراع بالبطاقات الزائفة، وإرهاب الخصوم، وتوزيع الرشاوى، واحتكار وسائل الإعلام التي تديرها الدولة، وتكميم الصحافة المستقلة لضمان استمرارهم في القبض على مقاليد السلطة· فمغانم السلطة السياسية كبيرة للغاية، ولا يمكن مقاومتها حيث تعني الثروة الشخصية، والعقود، والعمولات، والأرباح السريعة، والمكافآت للأنصار· في الكثير من الحالات المتكررة، لم تكن العملية السياسية في أفريقيا تزيد عن لعبة يحصد فيها الفائز كل شيء؛ كينيا التي كان يشار إليها كثيرا باعتبارها تمثل نموذجا للاستقرار، لم تكن تمثل استثناء من هذه القاعدة، فأول رئيس لها بعد الاستقلال وهو ''جومو كينياتا''، وهو أول من بدأ هذا الاتجاه في عام 1963 حيث حابى رجال الأعمال من قبيلة ''الكيكويو'' وسمح لهم بتكوين ثروات بوسائل غير مشروعة، كما ترك زوجته الشابة'' نجينا'' تراكم أموالا طائلة إلى أن أصبحت واحدة من كبار الأثرياء في البلاد· وفي ذلك الوقت، وعندما أقدم السياسي الشعبوي ''جي إم· كاريوكو'' على شن هجوم علني على النخبة الحاكمة، كان مصيره الاغتيال بناء على أوامر المسؤولين الموالين لـ''كينياتا''، فضلا عن ذلك تعامله -بلا رحمة- مع حزب ''لوو'' المعارض الذي كان يقوده ''أوجينجا أو دينجا'' وحظر نشاطه· أما رئيس كينيا الثاني، وهو ''دانيال آراب موي'' فقد بدد أموال الدولة في سبيل تحقيق رغائبه الشخصية، ورغائب عائلته وحاشيته من الأتباع المنتمين إلى قبيلة ''الكالينجين''، حيث تمكن من مراكمة ثروة طائلة خلال 24 عاما قدرتها بعض المصادر بثلاثة مليارات دولار· واستطاع ''آراب موي'' أن يحكم قبضته على السلطة من خلال التحرش بالمنشقين، والزج بهم في السجون والتغاضي عن التعذيب، وتقليص استقلال القضاء، ولم يكتف بذلك بل حول جهاز الخدمة المدنية إلى جهاز يعمل في خدمة الحزب، أما الانتخابات في عهده فكانت مهزلة بكافة المقاييس، ولم يضطر لتغيير أسلوبه في إجرائها إلا في عام 2002 بعد أن أصرت الجهات الأجنبية التي تقدم المساعدات لكينيا على إجراء انتخابات حرة سليمة، وهو ما أجبره على تقديم استقالته في نهاية المطاف· أما خليفته الرئيس ''مواي كيباكي'' -سياسي مخضرم ينتمي إلى قبيلة '' كيكويو''- فقد اشتكى في بداية توليه لمنصبه من أنه'' قد ورث دولة ممزقة بفعل سنوات من سوء الحكم وعدم الكفاءة'' ووعد باستئصال الفساد من جذوره، غير أنه وبعد ما يزيد عن عام بقليل على توليه الحكم، كان مستوى الفساد قد ارتفع بصورة ملحوظة للغاية، لدرجة دفعت ''إدوارد كلاي'' -المفوض البريطاني العام في نيروبي- للتعليق على ذلك بقوله: متهكما إن أسماء المسؤولين الشرفاء في كينيا محدود للغاية بحيث يمكن تدوينها على ظهر طابع بريد· وفي الوقت الذي كان حكام كينيا ينهلون فيه من نبع الأموال العامة وأموال المساعدات الأجنبية، كانت أعداد الفقراء تتزايد حتى تحولوا في النهاية إلى جيش من الساخطين، فمعظم الكينيين يعيشون على أقل من دولار في اليوم، كما أن ثلثي عدد سكان العاصمة نيروبي يعيشون في أحياء عشوائية فقيرة وقذرة، كما يشعر أفراد قبيلة'' لوو'' التي تسكن في مناطق غرب كينيا بشكل خاص بأنهم مغبونون حيث تم إقصاؤهم عن السلطة لما يزيد عن 40 عاما· وفي الشهر الماضي قدم زعيم المعارضة ''رايلا أودينجا'' الذي كان قد رشح نفسه لخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية نفسه كنصير للفقراء ولغيرهم من الجماعات المظلومة، متعهدا بعمله على التخلص من النخبة الفاسدة في البلاد؛ ومن المعروف أن ''رايلا أودينجا'' وهو نجل الزعيم'' أوجينجا أودينجا'' الذي قاد المعارضة ضد ''آراب موي'' و''جومو كينياتا''، قد خاض الانتخابات في إحدى مناطق نيروبي التي تضم حي ''كيبيرا'' وهو حي عشوائي مترامي الأطراف يعيش فيه قرابة مليون مواطن يسكنون في أكواخ بدائية محاطة بمياه المجاري الطافحة· وقد أظهرت نتائج الانتخابات الكينية مدى عمق السخط ضد ''كيباكي'' الذي سقط رجاله بالعشرات، واكتسحت الأحزاب المعارضة له الساحة، وحصل حزب ''أودينجا'' على 95 مقعدا من بين 210 مقاعد في البرلمان، وهو أكبر عدد من المقاعد يحصل عليه حزب واحد· أما في السباق الانتخابي الرئاسي فقد فاز ''أودينجا'' في ستة مقاطعات من بين مقاطعات كينيا الثماني، ومع ذلك ووسط دلائل لا تخطئها العين على حدوث تزوير أُعلن فوز ''كيباكي'' بالانتخابات بفارق 200 ألف صوت يوم الأحد الماضي، وقام الرئيس خلسة بأداء يمين القسم لولاية رئاسية جديدة تستغرق خمس سنوات· إن الضرر الذي لحق بسمعة كينيا جراء ذلك، سيظل قائما لمدة طويلة قادمة، وذلك بعد أن دمر ''كيباكي'' بمناورة طائشة واحدة سجل بلاده في الاستقرار السياسي من أجل هدف واحد هو الاحتفاظ بالسلطة· وفي منطقة موبوءة بالصراعات، كانت العاصمة نيروبي تلعب دورا كملاذ آمن لوكالات الأمم المتحدة، والشركات المتعددة الجنسيات، والبنوك العالمية، وطائفة أخرى من المنظمات العالمية، وهو ما كان يفيد المدينة اقتصاديا ويساهم في توفير الوظائف لأبنائها؛ أما الآن، فإنه حتى إذا ما افترضنا أن الساسة الكينيين سوف يتمكنون من التوصل لتسوية، فإنه لن يتم النظر إلى هذه الدولة كما كان الأمر في السابق، باعتباره وجهة آمنة للسفر وممارسة النشاط التجاري· لذا يمكن القول إن ''كيباكي'' البالغ من العمر 76 عاما قد انضم إلى قائمة طويلة من الزعماء الأفارقة، الذين رفضوا التسليم بانتقال منظم للسلطة، بصرف النظر عن الكوارث التي كان يعنيها ذلك، وهو ما يُعد في حد ذاته بداية مشؤومة للعام الجديد في أفريقيا· مؤلف كتاب: مصير أفريقيا: تاريخ خمسين عاما من الاستقلال ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©