الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الذات سيّدة القصّ... ومفتاح النصّ

الذات سيّدة القصّ... ومفتاح النصّ
25 سبتمبر 2013 20:21
بدأت هذه الدراسة وفي ذهني رصد مدى حضور ما يسمى بـ "الأسئلة الوجودية والقضايا الكبرى" ومستويات الاشتغال الفني عليها في أعمال مجموعة من القاصات والقاصين الشباب الذين نشروا إبداعهم بعد الألفية الثانية، وذلك تمهيداً لإجراء مقارنة بينهم وبين الجيل السابق من القاصين والقاصات الذين عكست نصوصهم نوعاً من الوعي الفلسفي والحمولات المعرفية، ولما بدأت في قراءة القصص وجدتها كثيرة ومتنوعة وذات مشارب شتى ومتشعبة، فرأيت أن أؤجل هذا المحور لكي يكون التقصي كاملاً ما وسعني الأمر، وذهبت إلى معطى آخر ألهمتني إياه القصص.. ألا وهو نوعية الهموم التي تشغل كتاب القصة الشباب في الإمارات، والسياقات الفكرية والأسلوبية العامة التي يكتبون بها، ومدى صحة ما يقال عن كون قصصهم تخلو من الهم العام وتتمركز حول هموم خاصة. بادئ ذي بدء، ترصد هذه المقاربة عدداً من القصص المنشورة في مختارات قصصية صدرت عن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع تحت عنوان “مبدعون من الإمارات - القصة القصيرة”، وقد تم اختيار هذه المجموعة بعينها وفقاً لمعيار زمني بحت هو كونها نشرت بعد الألفية الثانية، ما يعني أننا أمام مجموعة من القاصين والقاصات الشباب الذين عاشوا الحداثة أو التمدن وهم يتفيأون ظلال الانفتاح الثقافي والمعرفي سواء من خلال الإنترنت والفضائيات ووسائل الاتصال الأخرى أو من خلال ارتياد الفعاليات التي تحضر إليهم ثقافات العالم أو دراستهم في الخارج والترجمة من الثقافات الأخرى. وبعيداً عن المديح ينبغي قراءة ما يكتبه الشباب على صعيد القصة باهتمام - أزعم أنه يجب أن يكون كبيراً - نظراً لما تنطوي عليه هذه الإفصاحات الإبداعية من ثيمات ورؤى ومواقف تلقي الضوء على طبيعة الكتابة الشابة في حقل القصة، وانشغالاتها، وتمظهراتها، ومقولاتها التي تلقي بدورها ضوءاً مهماً على شكل القصة التي ستكتب في الإمارات مستقبلاً. وبعيداً عن الإفراط والتفريط، وكلاهما من مرذولات النقد، يمكن لمن يتفحص هذه النصوص أن يعثر على ثيمات عديدة، وسياقات عامة، ومميزات أسلوبية، واهتمامات فكرية، يصعب الإحاطة بها كلها، ولهذا يظل في بطن النصوص كوامن كثيرة مطمورة يمكن للناقد المتخصص أن يخرج منها بقراءات شتى. أما هذه المقاربة فهي تكتفي بأن توصّف وتحلل وتؤشر على بعض المضامين التي تبوح بها النصوص، من دون أن تصدر أحكاماً معيارية على المنتج القصصي، لأسباب عدة أهمها أن 28 قصة لا تكفي للخلوص إلى نتائج مؤكدة، أو حاسمة، بينما يمكنها، على الأقل، أن تقدم مؤشراً نسبياً على طبيعة هذه الهموم، وتمظهراتها الاجتماعية تحديداً. شيء عن المشروع في تقديمها لهذه المختارات/ الكتاب قالت وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع إنها “تتبنى مشروع طباعة الإصدارات على اختلاف مضامينها ومحتوياتها الفكرية والثقافية. بهدف إحياء مشروعها الأكبر والهادف إلى تنمية المجتمع عبر تثقيفه وتزويده بالوسائل المعرفية وإخراج الكتاب من أزمة انحدار الاهتمام به وابتعاد الناس عن اتخاذه صديقاً بعد أن ظل فترة طويلة هو الصديق الأول والرفيق الأهم. وإن دل هذا المشروع على شيء فإنما يدل على تفاعل الوزارة مع أهم هدف من أهدافها الاستراتيجية ألا وهو نشر المعرفة والوعي بأهمية القراءة، وتوطيد أركان هذه القيمة الحضارية بين كافة شرائح المجتمع وفئاته”. وترى الوزارة أن “الكتاب يمكنه أن يسد حاجة ماسة لدى الإنسان الراغب في المعرفة، والباحث عن أهم وأصدق وسيلة، تساعده في الحصول عليها وتسهم في توعيته وإرضاء فضوله المعرفي”. أما عن الهدف المرتجى من هذا المشروع فهو: “إثراء الحياة الفكرية والثقافية عبر تقديم الإصدارات المتنوعة والرصينة، وذلك من خلال حرصها على أن تكون حصيلة المطبوعات التي تقدمها للقراء، حصيلة متباينة تختلف بين أدب للكبار وأدب للأطفال وكتب فكرية وأخرى تتعاطى مع أنواع الفنون بمختلف مشاربها ومذاهبها وغيرها من الترجمات التي تنقل ثقافات وأفكار العالم للإمارات والترجمات التي تنقل أدب وأفكار الإمارات للعالم. فلا تنحصر في نوعية معينة ولا تتوقف عند جنس أدبي أو ثقافي واحد ولا تتجمد في قالب أصم. كما تحقق الوزارة هدفها الاستراتيجي الكبير باستقطاب المبدعين من أبناء الإمارات ودعم نتاجهم الفكري وتسهيل وسائل الطباعة والنشر والتوزيع، بغية إيصال صوت المفكر والأديب الإماراتي للعالم وتحقيق هدف التواصل وإبراز ونشر هذا الفكر وتدعيم أواصره وركائز تواجده داخل وخارج الإمارات”. وتضيف وزارة الثقافة: “ربما تقف الوزارة في مشروع طباعة الكتب بمواجهة رأيين متناقضين، فالكتاب في الوقت الحالي أصبح معرضاً للكثير من الآراء بين مؤيد لإبقائه على قائمة الوسائل المعرفية والتعليمية وبين مساند لتحويل مضامينه إلى مواد إلكترونية يسهل تداولها محلياً وعالمياً ولكن من خلال الأجهزة الحديثة والمتطورة، ومع ذلك فلا يخفى على الجميع بأن الكتاب، بروحه ومكوناته والمواد التي يصنع بها من ورق وحبر وتصميمه وعملية طباعته، يبقى هو الأفضل على قائمة هذه الوسائل وهو الوسيلة الأثيرة لتشجيع القراءة وتعزيز حضورها، والأكثر تميزاً عن بقية المضامين والمفاهيم الحديثة شكلاً ووجوداً وحضوراً، مع ضرورة مسايرة الزمن واستغلال تقنياته ووسائله الجديدة في تعزيز فضيلة القراءة وتعضيد تواجد الكلمة المكتوبة وأهمية تأثيرها في المجتمعات”. وعليه، تسعى الوزارة - كما تقول - إلى “نشر هذه المضامين الفكرية والثقافية للكتب بين الناس. وهو ما تحاول وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع عمله ودعمه عبر متابعة إصدار سلاسل متواصلة من المنشورات المتنوعة من تراثيات وترجمات وإبداعات شابة تختلف مضامينها وإن كانت تتشابه في كونها موجهة لخدمة الهدف التنموي الأسمى والأكبر”. ورسالة الوزارة في مشروع طباعة الإصدارات، تتوجه إلى معاونة الراغبين في تأسيس مكتبة ثقافية متنوعة، تنظر إلى مستقبل القراءة نظرة تفاؤل ووعي بضرورتها وأهميتها ومدى تأثيرها على تقويم النفوس وتعزيزها بالقيم والأهداف الواضحة في زمن الانفتاح والتغيير. وتدعو الجميع للتفاعل معها بالتوازي مع الانفتاح على الوسائل المتطورة بدون تجاهل كونها قيمة وفضيلة سامية تدعم تنمية الفكر وتهذيبه وترتقي بالإنسان تسهم في مساندة تطلعاته وطموحاته المعرفية والارتقاء بها إلى أسمى مراحل الوعي والثراء الفكري”. اشتباك غير معلن من أبرز السمات العامة التي يمكن ملاحظتها في قصص الشباب طغيان الهموم الذاتية، المشتبكة مع الواقع على نحو خفي أو معلن على المستوى المضموني، واقعي أو مجرد أو رمزي على المستوى الأسلوبي. ويميل باحثون كثر - انطلاقاً من هذه الملاحظة - إلى القول بأن قصة الشباب لا تعطي أهمية لقضايا المجتمع كما كان الأمر مع الرواد واستمر طوال عقدي الثمانينيات وحتى أواسط التسعينيات، لكن هل يمكن التسليم بقول كهذا؟ الإبداعات القصصية المكتوبة بعد العام 2000م (التي تمت دراستها هنا) تقول شيئاً غير ذلك.. تقول إن القضايا المجتمعية موجودة لكنها متدثرة في ثوب الذات.. بمعنى أن ما كان يعالج سابقاً على نحو مباشر يحضر في القصة الشابة من خلال بعد ذاتوي، حيث ينعكس على الذات التي تعبر عن نفسها في مواقف مختلفة، متباينة أحياناً، متسقة أخرى. ربما يكون الأسلوب الذي يتم به تناول هذه القضايا مختلفاً، مبطناً غير مباشر. ربما تكون الكتابة غير مؤسسة معرفياً، بحيث تلتقط المشكلة، ثم تصوغها من دون ضوء كاشف من الوعي، فتأتي مجرد نوع من البوح الذاتي عن مشكلة هي في عمقها ذات أبعاد وجودية أو مجتمعية مؤرقة. ولعل البطانة الفكرية أو المنطلقات التي ينطلق منها هؤلاء الشباب مغايرة لما انطلق منه الجيل الذي سبقهم.. الفكر في هذه الكتابات ليس فاقعاً كما كان في قصص الثمانينيات أو التسعينيات. التحولات التي تعصف بالمجتمع تبدو أقل عناية، وتأتي كنتائج تحدث في الحياة وبلا مسوغات فكرية تتأسس عليها فنياً. بمعنى، أن القاص أو القاصة لا يلقيان بالاً لضرورة تسويغ أو البحث عن تفسير فلسفي أو فكري أو فني لما يفعلانه. أظن أن جلّهم يعتقد أن مهمته هي الكتابة فقط.. الكتابة للتعبير عن قضاياهم هم، بطريقتهم هم، ومن منظورهم هم. وربما يكون على الجيل الأسبق أن يقترب أكثر منهم لكي يفهمهم. صحيح أن البعد الذاتي يشكل ملمحاً أساسياً في معظم القصص، وتحضر المعاناة الخاصة بشكل واضح، لكنها في صميمها تعبر عن حالات مجتمعية، يتم التقاطها بذكاء، وتجسد ما شهده المجتمع من تغيرات على مفاهيم شتى: الحب، الزواج، الطلاق، نظرة المرأة إلى الرجل، نظرة الرجل إلى المرأة، نظرة المجتمع إلى الأنوثة، العولمة وهمومها، التكنولوجيا واستلابها للبشر، العلاقات المجتمعية المتشظية وما تسببه من شعور بالاغتراب، التناقض بين التقليد والحداثة، الصراع بين نمط التفكير والعيش القديم ومثيليهما المعاصرين، التغيرات الوجدانية التي ضربت النفس البشرية في العمق، التفكك الاجتماعي أو التحرر المجتمعي مع اختلاف النظرتين إذ إن لكل قاص نظرته إلى الأمور... وغير ذلك مما لا يختلف اثنان على أنه من القضايا المجتمعية المؤرقة. أما الاختلاف فهو في نوعية المعالجة الفنية لهذه القضايا ومستويات حضورها في وعي القاص. في نصوصهم تحضر تجربة الحب بكل ما تحمله هذه العاطفة من فرح وأمل وخيبات وانكسارات وهزائم داخلية ومعاناة من الهجر والصدود والخيانة والتمزقات والشروخات والجروح النفسية التي يخلفها الفقد، وتتبدى صورة الرجل / الحبيب عند القاصة، أو المرأة/ الحبيبة عند القاص، بوصفه معادلاً للحياة، بحضوره تزهو الروح وتحلق في فضاءات الفرح، وبغيابه يتحول الكون إلى سيمفونية حزن تشيع الكآبة والملل والموات. ومن مميزات هذا الجيل جرأته في التعبير عن نفسه وهمومه، و طرح موضوعات شائكة كانت فيما مضى تعتبر من الموضوعات الوعرة أدبياً. في نصوصهم أيضاً تصاريف الحياة الإنسانية، تقلباتها، وما تمور به من عذابات وخذلان وخدائع وانصراف الناس وراء سعيهم للحصول على النجاح والمال، وتراجع منسوب الدفء في العلاقات الاجتماعية، وارتفاع منسوب الملل واتساع مساحته في حياة أبطال القصص أو شخصياتها... وغير ذلك كثير مما يكمن خلف ما تمتلئ به القصص من صراعات الذات وتشظياتها الناجمة أصلاً عن المتغيرات العميقة في جسد المجتمع والثقافة. هؤلاء الكتاب وهم يصفون أو يسردون ما يجول في أعماق أبطالهم وشخصيات قصصهم تارة من خلال التداعي الحر وتارة من خلال توظيف انثيالات الذاكرة أو مختزناتها، يرصدون في الحقيقة لحظة نفسية معقدة، لم تهبط على صاحبها من عل بل تشكلت بسبب ظروف حياتية ومجتمعية لأن الفرد لا يعيش في كون وحده، بل في مجتمع، يتأثر به وبما يجري فيه. ورغم أن مهارة التقاط اللحظة والتعبير عنها، وصوغها في شكل فني قصصي يمتلك شرطه الإبداعي، تختلف من قاص إلى آخر، إلا أن هذه الالتقاطات لا تفعل أكثر من أن تصرح بما يهجس به الجيل الشاب، وما يجول في خاطره، ويشكل عالمه. في الحقيقة، تشكل الذاتية عبئاً على النص أو مثلبة عندما تتحول إلى نوع من السرد المجاني، الذي لا غاية له أو لا دور له في تشكيل بنية القصة أو الإضاءة على رموزها وأحداثها وشخصياتها.. والذاتية تصبح مشكلة في حال مارست هيمنة غالبة أو طغياناً على النص القصصي لكن الملاحظ أنها لا تفعل ذلك إلا في حالات قليلة. بالطبع، مع حضور الذاتية لابد من حضور الأنا، التي يتم التعبير عنها بضمير المتكلم، بكل ما يحمله من دلالات البوح وتعرية الذات والفردانية وهذه تحضر بقوة في مغظم القصص، وتثري جانباً من المضامين المعاجلة وتكاد تصبغ المنتج الإبداعي القصصي، و تكاد تكون ثيمة فضلى لدى معظم القاصين، ولدى بعض نقاد هذا الزمان أيضاً. تقاليد كتابية السمة الثانية تتمثل في أن هذه القصص تجنح في غالبها إلى التركيز على القص، على الحدث القصصي نفسه، ولا تعير التفاتاً كبيراً للتأنق اللغوي أو الاشتغال على اللغة، إلا في حدود قليلة، ما يجعلنا نميل إلى القول أن فن القص نضج في ذهن الكتاب الشباب بعيداً عن الثقافة اللغوية رغم أنها المفردة الأهم في عدة الكاتب، وبعيداً أيضاً عن البعد الشعري الذي شاع في التسعينيات تحت مسمى: القصة الشعرية، القصة التي تتكئ على شعرية النص وتبتعد في أوقات كثيرة عن تقنية القص.. وهو الأمر الذي أدخل – ظلماً وعدواناً - نصوصاً شعرية في حقل القصة، رغم بعدها عنه تقنية وأسلوباً، وأخرج - زوراً وبهتاناً - نصوصاً قصصية تمتلك كل فنيات القصة ما عدا اللعب على اللغة الشعرية.. وجاء وقت كان هذا يترجم بعبارة ممجوجة هي: لا توجد في القصة حالة شعرية!. هذه الميزة، التركيز على الحدث، تشكل علامة أسلوبية أو مهيمنة من مهيمنات الأسلوبية التي تتوفر عليها كتابتهم. نقول هذا وفي الذهن مجموعات قصصية عديدة وليس اتكاء على هذه القصص فقط. نقول هذا من دون أن ننسى أن القصة تتسع للجماليات اللغوية والبلاغة والكناية والاستعارة وغيرها لكن في حدود معقولة، وعلى ألا تلتهم حصة الحدث أو تبتعد عنه باعتباره الهدف الأول لفعل القص، وأن القصة القصيرة في اقترابها من مجرة الشعر لا ينبغي أن تتوسل ذلك من خلال اللغة أو الألفاظ أو الأسلوب بل من خلال الاختيارات الفكرية التي تشتغل عليها، والحالات التي تحتمل حضور الشعر في النص القصصي، والدهشة التي تتوفر عليها المعالجة الفنية، والخيال الذي يحلق بالقارئ إلى حيث يستمتع بشعرية القص من دون أن يفقد القصة، والحبكة المشغولة بمكر فني محمود، والنهاية الدالة، والافتتاحية الجذابة والقدرة على الإمساك بعيون القارئ معلقة على الكلمات وغير ذلك مما يجعل من القصة عملاً إبداعياً جيداً. بيد أن هذه المسألة لها وجه آخر هو هبوط مستوى اللغة لدى كثيرين. لا أتحدث عن الأغلاط الإملائية والنحوية وهي موجودة، بل عن المستوى الذي ينبغي أن تتسم به اللغة لكي تكون لغة أدبية. ففي معظم القصص ثمة لغة بسيطة، عادية، تشبه لغة الكلام اليومي، ذات مستوى واحد يجعلها غير قابلة للتأويل، ولا حمالة دلالات، مع استثناءات قليلة بدت فيها اللغة موحية ومكثفة، وتنطوي على رمزية. كما أن بعضهم ممن يستخدم اللهجة العامية أو المحكية الإماراتية نسي أن يضعها بين قوسين حتى لا يتغير معناها عندما تقرأ خارج الإمارات، من قارئ يظن أنها لغة فصحى. ومن التقاليد الكتابية التي يفضلها الشباب - غالبيتهم - استخدام تقنية الفلاش باك أو الاسترجاع، رغم أن بعضهم لا يجيدها كما ينبغي، ولا يوظفها على النحو الذي يغني عمله الفني. ومنها أيضاً الحرص على الجملة القصيرة، والتقطيع، وهذه حسنة واضحة لعلها من بركات السينما التي يبدو أن الكتاب على علاقة وثيقة معها. ومن حيث الشكل، يفضل الشباب من القاصين والقاصات كتابة القصة القصيرة التي لا تزيد عن صفحة أو صفحتين، وبعضهم تأتي قصصهم في نصف صفحة بحيث يصعب القول إنها قصة قصيرة، وقلة منهم تكتب القصة في أكثر من ذلك، كما أنهم يبدون عناية بحضور الحوار في قصصهم، وإن كانت الحوارات في غالبيتها فقيرة معرفياً بل بدت في أحيان أخرى مقحمة على النص لا تؤدي غرضاً، وقلة منهم تفضل السرد تقنية وحيدة للقصة. أخيراً، تنطوي قصص الشباب والشابات على هاجس تجريبي، يصيب أحياناً ويتعثر في أحيان كثيرة، لكنه يظل مشروعاً ومفهوماً في محيط متلاطم من الكتابات التي تبحث عن هويتها النصية. في هكذا قصص، يحاول القاص أو القاصة كسر المتوقع أو المألوف واستخراج ما هو غير مألوف أو مبتكر أو غير مرئي في العادي بحيث يقوم بتوجيه القارئ إلى مطرح مختلف عن المطارح التي يتوقع أن يأخذه إليها النص. هنا تحصل الدهشة التي تعتبر ركيزة النص أو مفتاحه الحكائي. وفي بحثهما عن الدهشة كان على القاص أو القاصة أن يمتلك القدرة على الانتقال من السرد إلى الحوار إلى الوصف أو العودة بالعكس من خلال اللغة، وهذه سمة أساسية لكي تكون القصة قصة جيدة فنياً. فالتنويع اللغوي أو الانتقالات المدروسة في صياغة العلاقات الداخلية للنص والكشف عن مطموراتها بطريقة مغايرة، وغير نمطية، هي بعض ما يصنع الدهشة، ويجعل النص واقعياً و لاواقعياً في الوقت عينه. بمعنى، أن أي قاص أو مبدع يمتح نصه من الواقع، أو يسعى إلى تجسيد الواقع فنياً، لا ينسخ الواقع كما هو بل يعيد إنتاجه في علاقات جديدة، بحيث يخلق من خلال نصه الواقعي عالماً يفارق الواقع. أخيراً،،، تعكس القصص مستويات متفاوتة من الوعي الفني والفكري، بحيث يلمس المرء في بعض الأوقات وعياً كامناً وراء الكتابة، تضيئه خلفية القاص الثقافية، أقله على مستوى قراءة القصة والرواية، بحيث يتم توظيف بعض هذه المعرفة أحياناً بطريقة تخدم النص القصصي، وتفتحه على شيء من التأويل، وتخرجه من مألوفية ما إلى صيغة متجددة أو رؤية مغايرة للواقع. بينما تقف قصص أخرى عند حد اللحظة المجسدة مكتفية بمستوى العمل الظاهري. أما الشيء الذي يكاد يكون مفتقداً فهو الرؤية المستقبلية، والبعد التنبؤي والجانب التنويري أو المعرفي الذي يرتبط عادة برؤية المثقف المتبصر أو عينه الناقدة، وهي عين تغيب عن معظم القصص. هذه جملة من السمات العامة التي تتوفر عليها النصوص المقروءة، وفي الحلقة المقبلة سنتطرق لها بالتفصيل. تنوع تتبنى وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع عدداً من السلاسل الثقافية هي: ? سلسلة إصدارات وتختص بالنتاج الأدبي (شعر وقصة ورواية ونقد) والنتاج الفكري (دراسات ومقالات وبحوث). ? سلسلة ترجمات وتنقل المعارف الغربية للعربية وبالعكس تعمد إلى ترجمة الفكر والأدب العربي للغات عالمية. ? سلسلة تراثيات وتستهدف إعادة إحياء المواد والشخصيات والموروث الشعبي والفلكور وكل ما ينتمي لهذا المجال بصلة من خلال إعادة إصدار العديد من الكتب التي نفدت والأخرى التي تهم الباحثين والدارسين وتحفظ تاريخ الإمارات من معالم وشخصيات وأماكن. ? سلسلة إبداعات شابة وهو المشروع الوطني الأهم - كما تقول الوزارة - والذي يستقطب الشباب ويستحث إبداعاتهم ويهتم بمواهبهم عبر صقلها وتبنيها ورعايتها وتشجيعها تطويراً لقدراتهم، ودعماً لثقتهم بأنفسهم وبمواهبهم الشابة، ويمهد بذلك السبيل لصناعة جيل المستقبل من المثقفين والأدباء، وتقديمهم للمجتمع وللقراء والاحتفاء بمواهبهم وإمكاناتهم الفكرية. 28 قصة قصيرة النصوص التي تمت قراءتها هنا هي: “إلى هذه الدرجة من الإعياء” و”زفاف إلى البحر” لـ حسنة الحوسني. “ولامست كفي النجوم” و”لوحات من الملح” لـ خالد سالم الجابري. “للنخيل معها حكاية” و “وأطلق” لـ روضة البلوشي. “هوية” و”الرحلة رقم 8” لـ ريا مهنا سلطان البوسعيدي. “غرفة القياس” و”كيس البقال” لـ عائشة الكعبي. “عندما يبكي الرجال” و”الديك” لـ عائشة عبدالله محمد علي. “صلاة عصرية” و”السلام عليكم” لـ علي عبدالقادر محمد خلف الحمادي. “صفحات من الذاكرة” لـ عمر عبدالرحمن سيف. “رجل” لـ فاطمة الكعبي. “فن الاختباء” و”البيت الكبير” لـ فاطمة المزروعي. “المدينة العادلة” و”الذرة” لـ فاطمة عبدالله علي محمد. “قلوب تائهة” و”حبة السعادة” لـ فهد الفلاسي. “الكنز” و”عباس” لـ لميس فارس المرزوقي. “إسعاف” و”العصا” لـ ليلى سالم الصم. “ولادة طارئة” و”شيء ما...” لـ محسن سليمان حسن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©