الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عتبات القراءة

عتبات القراءة
25 سبتمبر 2013 20:27
في الحديث العادي بين الناس يقال “الجواب يبان من عنوانه” أي ان الحس العادي لدى المواطن البسيط يدرك قيمة العنوان وهذا الأمر ينطبق على الأمور العامة، اذ لابد للإنسان من عنوان وكذلك مؤسسات العمل، وهناك العنوان الأدبي والثقافي، حيث يهتم المؤلف والكاتب بعنوان كتابه، وهناك عنوان يساعد على نجاح الكتاب أو العمل الأدبي والفكري، وهناك عنوان قد يؤدي الى طمس الكتاب وإضعاف أهميته، أما في الصحف والمجلات فإن للعنوان أهمية كبرى، وهناك خبراء ومتخصصون في اختيار عنوان التحقيق والخبر والمقال. الكاتب والباحث المغربي محمد بازي شغل نفسه بهذه القضية وكان كتابه الطريف “العنوان في الثقافة العربية.. التشكيل ومسالك التأويل”، هذا الكتاب ليس الأول في بابه بل سبقته اعمال أخرى لباحثين عرب واجانب، مما يدفع بازي الى الحديث عن علم العنونة في الثقافة العربية ونظريات العنوان في الثقافة الأوروبية الحديثة ويستعرض بعضها ويشرحها للقارئ. الاسم والوسم العنوان وفقا لما ورد في لسان العرب وغيره من معاجم اللغة هو “اظهار لخفي ووسم للمادة المكتوبة” ذلك ان الكتاب يضم مادته وتكون خافية على القارئ للوهلة الأولى، وتكون مهمة العنوان كشف وإيضاح ذلك المضمون في كلمة واحدة أو عدة كلمات، وفي النظريات الحديثة يعتبر العنوان “عتبة قرائية” وعنصرا مهما في تقبل النص وفهمه وتأويله، ويختلف دور العنوان وأهميته، قد يكون محددا مميزا للكتاب بشكل مباشر، وقد يُصاغ بطريقة رمزية أو مجازية مما يدفع القارئ أو المتلقي لمحاولة التأويل أو البحث عن التطابق بين العنوان والمضمون، وبمعنى آخر البحث في مدى دقة العنوان. قد يتم اختيار العنوان لسبب موضوعي أو لسبب جمالي وربما للإثارة وجودة التسويق، وهنا يعتمد على الجاذبية والرشاقة في الصياغة وقد يكون العنوان جذابا وجميلا، لكن القارئ يكتشف أحيانا انه لا يتناسب مع مضمون الكتاب وانه تم استدراجه بالعنوان لاقتناء الكتاب، وهنا قد لا يكمل القراءة ويترك الكتاب، ولذا يجب ألا يبتعد العنوان عن المضمون. وفي الأعمال الأدبية كالروايات ودواوين الشعر مثلا قد يتقبل القارئ المراوغة في العنوان وعدم المباشرة لكنه قد لا يتقبل ذلك في مجالات أخرى كالسياسة والتاريخ والجغرافيا والعلوم الطبيعية. وهناك بعض العناوين، التى تصبح جزءا أساسيا من الكتاب وتكشف مضمونه للقارئ بسرعة، مثل المقدمة لابن خلدون، و”في الشعر الجاهلي” لطه حسين، و”أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ، وهذه العناوين تصبح شفرة خاصة بين القارئ والكتاب، مثلا المقدمة هي الكلمة الأولى من عنوان كتاب ابن خلدون والعنوان طويل والقارئ قد يشعر بالملل عند قراءته، لذا تم الاصطلاح على كلمة واحدة فقط، هي المقدمة وكتاب طه حسين “في الشعر الجاهلي” اسمه الدقيق في الأدب الجاهلي، لكن المثقفين والقراء تمسكوا بالعنوان الأول للكتاب، والذي أثار المعركة الشهيرة عام 1926، الأمر نفسه ينطبق على “أولاد حارتنا” حيث يصبح العنوان محملا بتاريخ خاص للعمل ذاته. وأحيانا لا يكون العنوان وحده كافيا؛ لذا يتجه القارئ الى الفقرات الأولى من الكتاب، من هنا يعتبر البعض ان العنوان يمكن ان يكون نصا بأكمله يمهد الى كل الكتاب أو نصوصه كلها، وهذا يتضح في بعض كتب التراث العربي، حيث كان المؤلفون يهتمون بمثل هذه النصوص وكانت تُكتب أحيانا بخط خاص ومميز وتُلون بحبر مميز عن سائر الكتاب لجذب انتباه القارئ والدارس، وكان العرب القدماء يكتبون العنوان وحده في صفحة لزخرفته ثم يتركون بعده صفحة بيضاء للغرض نفسه. ويتوقف الباحث عند بعض القصائد العربية القديمة في العصر الجاهلي، حيث كان الشاعر لا يضع عنوانا لقصيدته، ومع ذلك كان أمرها يشيع بين القبائل وتفتخر قبيلة الشاعر بها، وعدم وجود العنوان كان يدفع الشاعر الى الاهتمام بمطلع القصيدة أو الأبيات الاستهلالية فيها، وكان أبناء القبيلة يميزون القصيدة بمطلعها أو البيت الأول فيها، وكان ذلك البيت يصير بمثابة عنوان القصيدة أو وسيلة تمييزها عن غيرها من القصائد، ولذا قال العلماء قديما “من البلاغة حسن الابتداء”، وتوقف جلال الدين السيوطي عند حسن الابتداء قائلا “فإن كان محررا أقبل السامع على الكلام ووعاه، وإلا أعرض عنه”. وبهذا المعنى فإن مطلع القصيدة أو حسن الابتداء في النص يأخذ بعض وظائف العنوان الرئيسي ودلالاته أو يحل محله في بعض الأحيان. بلاغة العنوان ويخصص المؤلف فصلا لبلاغة العنوان في القرآن الكريم، كتاب الله، عنوان أعظم كتاب عرفته البشرية، ويضم القرآن الكريم سورا لكل منها اسم، أي عنوان تعرف به، ويهتدى اليها عند البحث في المصحف أو القراءة فيه أو حتى السماع الشفاهي لآياته، وسوره الكريمة. القرآن الكريم له أسماء كثيرة وعديدة أطلقها الله سبحانه وتعالى عليه في بعض آياته مثل: كتاب، ومبين، وكلام، ونور، وهدى، ورحمة، وشفاء، وموعظة، وهذه الأسماء وغيرها تدل عليه وتشير اليه بوضوح. يكفي ذكر أي منها ليدرك القارئ أو المستمع المقصود بها ولكن اكتفى الكثيرون بتسمية القرآن الكريم، وقد تحدث العلماء طويلا في دلالة هذا الاسم بالذات وعظمته وجماله في اللغة، فضلا عن انه عنوان لكتاب الله، واصبح هذا العنوان الاكثر شهرة وتداولا في الثقافتين العربية والإسلامية، بل وفي الثقافة الإنسانية والكونية كلها ونفس الأمر ينطبق على عناوين السور، وميزة عنوان السورة انها توقيفية، انها اسماء منزلة من عند الله، لا تقبل حذفا ولا اضافة ولا يجوز فيها التحريف، لها من دلائل الإعجاز ما لبقية اجزاء القرآن الكريم، وهناك اكثر من اسم متداول لبعض السور لأن السور غنية بمضمونها، لكن العنوان الوارد في القرآن الكريم لكل سورة هو المعتمد وبعض اسماء السور تفيد الاختصاص بقضية معينة مثل سورة النساء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©