السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دور السينما اللبنانية تحتضر في ساحة البرج وشارع الحمراء

دور السينما اللبنانية تحتضر في ساحة البرج وشارع الحمراء
30 سبتمبر 2011 21:57
من عاش ببيروت أيام زمان، تقفز إلى مخيلته صورة الشاشة الكبيرة، والازدحام أمام شبابيك التذاكر، في سباق للحصول على بطاقة دخول لمشاهدة أحد الأفلام السينمائية الذي “كسر الأرض”، حسب ما يقوله الجمهور والنقاد وشباك التذاكر. الذاكرة ترجع الى أيام ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما تحولت “الخانات” إلى صالات عرض، وهذه لم يبق من ذكراها غير البناء الحجري العتيق والقرميد الأحمر، وها هي سينما “الكريستال” و”الزهراء” بالقرب من مسرح فاروق في ساحة البرج، تسرق الفضوليين عبر ملصقات و”أفيشات”، تنافسها صالات “شهرزاد” و”ألف ليلة وليلة” قبل أن تتحول الأخيرة إلى “المسرح الوطني” أيام شوشو، والذي تقع خلفه سينما “الدنيا”، بمحاذاة سينما “روكسي”، بينما “فينوس” تقع خلفها وتسلمك الطريق إلى سينما “ميامي”. «كشكش بيك» نجوم أيام زمان في السينما والمسرح نالوا شهرة واسعة بين الجمهور العربي، فالكل يتذكر شخصية “كشكش بيك” التي جسّدها الفنان اللبناني أمين عطالله، الذي كان يستمتع الجمهور معه مساء كل جمعة فوق خشبة مسرح “الكريستال”، بينما يطل بين الحين والآخر من على تلك الخشبة، الفنان اسماعيل ياسين وفرقته. وبيروت استقطبت السينمائيين من مختلف أنحاء العالم، لميزات الطبيعة اللبنانية، فشكلت سهلاً وجبلاً وديكوراً طبيعياً لتصوير القصص والمغامرات، عدا استقبال العاصمة لرؤوس الأموال المصرية وقتها، لاسيما وأن الباعث الأكبر في هذا الاستقطاب كان نمو قطاع الخدمات السياحي في الأربعينيات والخمسينيات، إضافة إلى رخص اليد العاملة التي ساهمت بشكل أو بآخر، في تسهيل الطريق أمام عجلة الصناعة السينمائية، لتبدأ دورانها في لبنان قبل التوجه الى مقرها في أوروبا او أميركا، حيث تتوفر هناك الاستديوهات التي تفتقدها بيروت. تهريج .. وتسلية يحصر الباحثون والمهتمون في السينما المشاكل والمصاعب التي تؤثر على تطورها، وتتجلى بالمحتوى او المضمون الذي تتناوله، والتي غالباً ما تدور حول موضوعات، بعيدة عن هموم الجماهير ومشاغلها، في محاولة تغييب للواقعين السياسي والاجتماعي لذلك كان يتم اللجوء الى طرح موضوعات بوليسية وأخرى غايتها التهريج والتسلية في محاولة لأخذ المشاهد من واقعه وتغريبه عنه. وبعد هذه الاطلالة على واقع صناعة السينما والصالات التي اشتهرت في ذلك الزمن، ونالت قسطاً من الشهرة والازدهار، نرى الصالات قد اختفت عن شاشات العرض، وساحة البرج وشارع الحمراء، كانا يشغلان حيزاً مهماً منها، حتى ان جدرانهما غصّا بالملصقات الخاصة بالإعلان السينمائي. واليوم في صالات العرض الباقية، لا نجد أكثر من ثلاثين مشاهداً، مع فراغ في المقاعد تعيد صدى أصوات أفلام العنف، حتى أنك بت ترى أحد الحضور تمدد الى عدة مقاعد فارغة، وكأنه ينتقم من ارتفاع سعر تذكرة الدخول، فيفرش جناحه على خمسة مقاعد وأكثر، غير عابئ بنظرات عامل السينما، الذي نسي دوره عندما كان “يدفش” البعض عن شباك التذاكر أيام العز.. إضافة الى الواقع السينمائي بين الأمس واليوم، حيث صرف أكثر من عشرة آلاف عامل وموظف، من جراء إقفال دور السينما من قبل أصحابها بسبب ضعف المردود المالي والاقتصادي الذي لا يفي بالتكاليف، بل أوقع القيمين بخسائر فادحة تراكمت حتى أغلقت أبواب “السينمات”، بعدما تحولت الى مؤسسات تجارية وشركات عرض ومحلات تهتم بالشؤون التجارية. وهذا الوضع أدى الى سينما متناثرة في بعض المناطق، أهمها في منطقة الكسليك، بينما ساحة البرج وشارع الحمراء لم يعد فيهما أي أثر للفن السينمائي. «الفيديو» والتلفزيون مدير سينما الحمراء سابقاً عبدالكريم ديمون ورئيس جمعية العاملين في السينما اللبنانية، قال في حديث عن العوائق التي أدت الى إنهيار وإقفال صالات العرض الخاصة بهذه الصناعة، ان المشاكل عديدة ومن أهمها الأضرار التي ألحقتها التلفزيونات والفيديو، لاسيما الأخير الذي اعتبره نصف مصيبة، فأكثر الافلام الخاصة بالفيديو انتشرت في المحلات قبل عرضها في الصالات، ونسبة التأثير تتعدى الـ30 بالمئة إذا ما قورنت بما تنشره التلفزيونات. إضافة الى الاختراعات الأخرى التي طرأت على الساحة السينمائية مثل الكومبيوتر و”الإنترنت” وغير ذلك، وهذا ما يعتبر مضاربة غير مشروعة من ناحية “إباحة” الافلام التي تباع بالسوق قبل العرض الأول بالسينما. ظلمة وكساد النقيب المتقاعد حسن فرحات الذي كان مديراً لسينما “الكوليزيه” في شارع الحمراء، عرض في حديث سابق جوانب المشكلة وتجلياتها، فأشار الى أن ازدهار السينما فيما مضى، كان بسبب عدة عوامل، أما اليوم فإن الاحوال من سيء الى أسوأ، وهو ما أدى الى تحويل معظم صالات العرض الى متاجر ومستودعات بعدما قفلت أبوابها السينمائية، فلم نعد نسمع اي شيء عن تاريخ سينما “الكوليزيه” و”الستراند” و”مونتي كارلو والريفولي والكابيتول”، وتطول لائحة الاسماء. وفي رأس العقبات تقبع مشكلة الكهرباء والإنارة، ومن يرى منطقة الحمراء في ظلمتها يصاب بالصدمة، والكساد الحاصل يجعل أي إنسان يستأجر أو يمتلك فيلم “الفيديو” دون تحمل مشقة الذهاب إلى السينما. يقول أحد النقاد السينمائيين، في الماضي كانت السينما معروفة من خلال صالات العرض التي نالت شهرة، فهي ليست الفن السابع فقط، لأن الفن يشمل الفنون كافة، وبعد أن لعبت دوراً كبيراً حيث كانت تعج بالمشاهدين، إذا بإختراع الفيديو والكومبيوتر والإنترنت وهم الأعداء اللدودون للسينما، يحجبون الصالات بالإفلاس، وتفاجأ حين ترى الحضور في بعض الصالات لا يتعدى العشرة أشخاص وأحياناً اقل، عدا أن الوضع الاقتصادي الذي تعيشه أكثر شرائح المجتمع له دور فعال، وذلك لغلاء سعر تذكرة الدخول قياساً على سعر أيام زمان، خصوصاً متى علمنا أن هذه النسبة تأخذ من دخل أبناء الطبقات الكادحة اليومي. رزق الله على أيام زمان كما تقول فاطمة جمال (أم سعد)، عندما كانت السينما في عظمة تألقها، وساحات الشوارع تعرف من خلالها، كنا نحب أن نشاهد الأفلام الاستعراضية والرومانسية، والأفلام التي تعالج المشاكل الاجتماعية. وتضيف: بعض دور السينما في الماضي وإن عرضت أفضل الأفلام، فلا نستطيع الحضور فيها وذلك لأسباب تعود لنوعية رواد هذه الصالات، لذا كان يتحكم بإرتفاع او انخفاض مشاهدي الأفلام، أولاً قوة الفيلم وثانياً الدار التي تعرضه. سينما الخيال والمعجزات يقول د. سالم يونس “أحب بين فترة وأخرى حضور الأفلام الخيالية، وهي لا تزال مستمرة بقصصها في الحاضر كما في الماضي. وبصراحة نحن بحاجة الى خيال أكبر، لذا أحب هذه الافلام ونوعها، قد تروي جنوناً فنياً أو عشقاً لطموح قد لا نصل اليه في الواقع، فنبحث عنه في أفلام تتحدث عن الخيال. فالخيال العلمي بشكل عام هو تصورات لأشياء ربما تحدث في المستقبل، وربما تصدق هذه الافلام التي تغرق في الخيال، وهذا ما يبعد الانسان عن واقعه، وهذا ينعكس بحسب المجتمع، فالفيلم الراقي والعلمي ربما غير محبب لدى مجتمع متخلف ومتدن، قد يبعد أبناء ذلك المجتمع او من يشاهده منهم حصراً عن واقعه، فيسرح في عوالم الخيال”. ويضيف: مثلاً “سينما” ساحة البرج وشارع الحمراء كانت تعج بالملصقات و”أفيشات” الافلام، وكان بعض أصحاب الصالات يعمدون الى إظهار أكثر اللقطات عنفاً في الأفلام المعروفة، حتى أنهم أحياناً “يخترعون” منظراً ليس له وجود في الأفلام، يخاطبون عبره الشباب الضائع وما أكثرهم.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©