الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا: خلافات معارضة الداخل والخارج

30 سبتمبر 2011 22:14
مع ما حصل من تطورات على كل الأصعدة (النظام، الشارع) في سوريا، لم تكلف المعارضة السورية نفسها عناء توحيد صفوفها تنظيميّاً أو حتى الإيحاء للرأي العام بأنها متحدة ومتجانسة ومنسجمة مع ذاتها على رغم كل الصيحات التي تطالب بالوحدة ورص الصفوف، من الشارع السوري وحتى من الأطراف الدوليّة. وهذه المعارضة -وخصوصاً الخارجية منها- في الوقت الذي يتطلب منها أن تكون صانعة للتطورات تلجأ إلى البحث في القشور وتستهلك مجهودها في أمور قد لا تشكل لدى السوريين همّاً أساسيّاً في هذه المرحلة مستغلة الفراغ الذي تركته المعارضة الوطنيّة الديمقراطيّة العاملة على أرض الواقع. وهذا المسار بدلاً من أن يكون عاملاً مساعداً للشارع صار اليوم عبئاً ثقيلاً عليه. وبطبيعة الحال تتحمّل المعارضة الداخليّة المسؤوليّة الكاملة، إذ بتباطئها في تناول المسؤولية تجاه ما يجري، خلقت فراغاً هو ما دفع بالمعارضة الخارجية للعمل ضمن سياقات قد لا تكون مساعدة للحراك بل ربما كانت معيقة لنشاطه ومسيئة إلى سمعة وأحقيّة ومشروعيّة استمراره. وقد صار يفهم من المؤتمرات التي تعقد في الخارج أنَّها مؤتمرات تحقق أجندات معينة ليس إلا. حتى وإن كانت ثمّة نيّاّت صادقة وسليمة لدى البعض الذين يسعون لعقد مثل تلك المحافل في الخارج وذلك لبلورة بعض المفاهيم، والبحث في إشكالات مثل العروبة والإسلام والعلمانية والليبراليّة، وبعض هذه الإشكالات يشكل الآن مبعثاً للمخاوف وخاصة للأقليات الدينيّة والعرقيّة، هذا عدا البحث عن سبل الانتقال الآمن إلى دولة ديمقراطيّة مدنيّة. والحق أنه مهما أبدت المعارضات السورية بأنها متفقة على العناوين العريضة مثل دولة المواطنة وضرورة الانتقال من الدولة الاستبداديّة إلى الدولة الديمقراطيّة، وأوحت بأنّها منسجمة إلى حد ما مع هذه العناوين إلا أن هذه المعارضات تعاني من أزمة عدم توحيد الخطاب. ولعل ما شاهدناه في مؤتمر إسطنبول قبل فترة وكيف انسحب بعض الأكراد من المؤتمر هو دليل على أن المعارضة بحاجة إلى نقاش ووضع النقاط على الحروف لا أن تتستر وراء مفردات فضفاضة مثل الديمقراطيّة والتعدديّة. إن المسافة التي تفصل بين المعارضة السورية الخارجية والداخلية عريضة. وقد لا يصح أن نقفز فوق الحقيقة ونوظّف ما قالته "هيئة التغيير الديمقراطي" في وثيقتها الأولى من أنّه لا فرق بين معارضة الخارج والداخل وضرورة التواصل بين شقي المعارضة لأنه ما زالت ثمة حواجز حقيقية، هي بمثابة عُقد يصعب فكها. ولعل السبب في انفصال المعارضة الخارجية عن المهمّات الواقعية هو أن غالبية هذه المعارضة متشوقة إلى روح القيادة والشعور بأنّها قائد فعليّ. وتجدر الإشارة إلى أنّ الخلاف بين المعارضة الداخلية والخارجية قائم منذ 2005 عندما أعلن بعض الشخصيات في الخارج الأمانة الخاصة بها الأمر الذي دفع جماعة "إعلان دمشق" بالداخل إلى اتخاذ موقف عدم التبني لما يصدر من الخارج من بيانات ومواقف غير منسجمة مع التطورات السياسية وعلاقة السلطة بالمعارضة، وطالبت الأحزاب المنضوية في "إعلان دمشق" من ممثليها في الخارج الالتزام بما يصدر من الداخل وعدم الانزلاق نحو التطرّف والمبالغة في الشعارات ما أدى في النهاية إلى بقاء حالة التشرذم وطغيان مناخها على كل مشهد المعارضة، ومن يدري ربما ستطول مدة طلاق الخارج والداخل إلى أمدِ بعيد! منذ أن بدأت حركة الاحتجاجات في سوريا، والكل يسأل، ترى لماذا لا تتوحد المعارضة السورية؟ هل هناك أسباب بنيويّة متعلقة ببنية المعارضة، أم أن هناك أسباباً إيديولوجية، بسبب تعدد المشارب: قوميّة، إسلامية، فكريّة، أم أن هناك اعتبارات أخرى؟ وهل للنظام دور في بقاء حال المعارضة هكذا، وهل أثرت العلاقات والحساسيات التي تحكم بين رموز المعارضة على أن يبقى التشرذم سيد الموقف، ويحول دون توحيد صفوفها الذي ما فتئ يشكل عبئاً على الشارع المنتفض؟ للوهلة الأولى يُستنتج أن كل هذه الأسباب لها علاقة بتشرذم المعارضة السورية مضافة إليها أسباب أخرى معيقة لتوحيد صفوفها ولاسيما العلاقة بين المعارضة الداخلية والمعارضة الخارجية حيث بقيت هذه العلاقة مرهونة بتجاذبات السلطة والمعارضة ما أدى إلى تعميق الفجوة بين المعارضتين. وإذا كان للنظام دوره وتوابعه في صفوف المعارضة قبل حركة الاحتجاجات فإنه الآن عاجز عن التأثير على أداء المعارضة، حتى أنّه عاجز عن الحفاظ على من كان تابعاً له في صفوفها، ولا يخفى على أحد أنّ من كان تابعاً للنظام وسامعاً لإشاراته يوماً من الأيام يتجنب الظهور الآن، ولعل السبب يعود بالدرجة الأولى إلى أنّه لا يريد إحراق نفسه في ظل سيادة حركة الشارع على مسار التغيير في البلد، ويريد التهرّب من ذلك التراث الضخم المنعش بأيديولوجية اليسار الخشنة. وفي الحقيقة أنّ النظام نفسه يتجنّب الآن الضغط على من كان يوماً من الأيام يعمل له عبر "الريموت كونترول"، ليس لأنّ النظام لا يحتاج إليهم بقدر ما أنّهم لا يشكلون وزناً لقلة الفاعليّة لدى هؤلاء، وقد يكونون عبئاً على النظام نفسه. والسؤال، اليوم: هل ستتوحد المعارضة وتدرك كم أنّها تأخرت في إنجاز حالة طليعيّة منسجمة مع العمليّة السياسيّة في بلدنا الذي ينزف دماً منذ أشهر؟! فاروق حجي مصطفى- كاتب سوري ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©